لا يزال قطاع الطاقة الروسي خارج دائرة العقوبات الأميركية والأوروبية، لكن على أرض الواقع تبدو الصورة أكثر تعقيداً بالنسبة لشركات المتاجرة بالنفط. فالعقوبات على القطاع المالي الروسي بدأت تفرض صعوبات في الحصول على الضمانات البنكية، وترفع أسعار التأمين والشحن. لطالما كان لشركات تجارة السلع مغامرات مع أنظمة معاقبة دوليا، ولطالما أيضا أفضت هذه المغامرات بمكافآت سخية. لكن هذه المرة، يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية لن تجلب أي حظوظ لشركات تجارة السلع التي استثمرت في روسيا، وأصبحت عالقة بين عقوبات غربية جمّدت كل شيء في أعمال النفط الروسية: البنوك والموانئ والسفن والموردين والطائرات. تسمّي الايكونوميست هذه الشركات الأوروبية بأسمائها وأبرزها: Trafigura وVitol وGlencore وGunvor، حيث سبق أن تنافست فيما بينها للفوز بعقود وصفقات مع شركات النفط الروسية. وقد راهنت هذه الشركات وغيرها من الشركات النفطية العملاقة على انخراط روسيا بالاقتصاد العالمي، والبوادر المستمرة على شراكتها الاستراتيجية مع الغرب، حتى قلبت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا الصورة رأسا على عقب، ووجدت شركات النفط وتجارة السلع نفسها أمام تداعيات صعبة للعقوبات الغربية رغم عدم مساسها مباشرة بقطاع الطاقة. بدأت الشركات النفطية العملاقة تنسحب الواحدة تلو الأخرى من موسكو: بريتش بترليوم وشل، وحتى شركات تجارة النفط تعيد حسابات العمل هناك، بعد أن أصبحت بنوك روسية معزولة عن نظام الدفع العالمي "سويفت"، ولم يعد بإمكانها الحصول على الضمانات البنكية المطلوبة لتمويل شحنات النفط. ظلّت هذه الشركات تكابر بأن قطاع الطاقة الروسي بعيد عن العقوبات، لكن على أرض الواقع، تلقى القطاع عقوبات غير مباشرة شلّت عمله، بسبب الصعوبات اللوجستية وارتفاع أسعار الشحن وتأجير الناقلات، والنتيجة ارتفاعات قياسية في سوق النفط . عامل آخر يفاقم من تحديات التعامل مع النفط الروسي هو سرعة تغير القرارات على صعيد العقوبات. فنقل النفط يحتاج لفترات طويلة قد تتغير فيها صورة العقوبات على قطاع الطاقة الروسي، في منتصف الرحلة، فتجد شركات تجارة السلع نفسها أمام مغامرة لا تعلم كيف يمكن أن تنتهي. لكن أوراق اللعب لدى هذه الشركات لم تنته، فهي تلعب بمنطقة رمادية وخطرة، وهي الآن تنتظر فرصاً بمكان آخر: الحديث عن عودة النفط الإيراني، فبنهاية المطاف يحتاج العالم لنقل النفط، وهي جاهزة دائماً للمهمة المقبلة.
مشاركة :