طلال الطويرقي لـ المدينة : الصرامة النقدية الذاتية رصاصة تخترق جمجمة التجربة

  • 3/4/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هذا شاعر ينضج قصيدته على مهل، فتأتي مكثفة وحكيمة وقادرة على استيعاب خبرات وتجارب عميقة في الحياة، إنه الشاعر»طلال الطويرقي»، الذي أصدر العديد من الدواوين منها: «ليس مهما» «وكأن شيئا لم يكن» و»ذئاب»، و» حياة ملأى بالطرائد» و»السهرة لم تشرب قهوتها» ورواية «غرغرينا». يعترف «الطويرقي» في حواره مع «المدينة» أنه أتلف ديوانين من الشعر قبل إصدار ديوانه الأول، وهو يؤمن أن الصرامة النقدية الذاتية هي الرصاصة التي تخترق جمجمة التجربة غالبا، ويرى أن الحياة نص ثري والشاعر يخلده، وعلى شاعر قصيدة النثر أن يكتب عن الجوهر الإنساني المشترك، وإن خبرات الشاعر تزيد تجربته بريقا.. ويرى الطويرقي أن تصنيف الشعر نوع من الإقصاء والمسرح الشعري يتسع للجميع، وان الشاعر الحقيقي تظل قصيدته فاعلة في السيرك الشعري، وغيرها من الآراء الواضحة والصريحة والصادقة كقصيدته، في الحوار التالي. ** التناقض بين لذة الصيد ودمويته، بين لمعة الفرح في عين القناص وانكسار الفريسة، كان ديوانك الفاتن»حياة ملأى بالطرائد»، الذي كثف مشاعر إنسانية وتساؤلات وجودية عميقة في تلك المساحة المشحونة الساخنة من لحظة انطلاق سهم الصياد إلى لحظة استقراره في جسد الطريدة، هل توافقني على أن شاعر قصيدة النثر بوسعه تكثيف مكابدات إنسانية وقضايا كبرى بلمسات شعرية خفيفة دون زعيق بلاغي ومبالغات جمالية..؟ - أعتقد أن الشعر بكل أشكاله قائم على التكثيف، يتعالى على السائد ويوغل في أعماق النفس الإنسانية وهنا تماما تكمن قدرة الشاعر على استخلاص هذا الجوهر الإنساني العميق ليحيله إلى نص موغل في الحياة والتجربة والتكثيف والرمزية. مساحة قصيدة النثر وعن قصيدة النثر فهي تأخذ مساحتها من هذه البساطة العميقة في مكابدات الإنسان اليومية، فالشاعر هنا لا يكتب عن قضايا كبرى بقدر كتابته عن جوهر ومشترك إنساني يضمن للنص ديمومته وبقاءه حيا ونابضا حتى بعد نقله إلى لغات أخرى. وما رأيته من المتناقضات لا يخرج بشكل ما عن متناقضات الحياة اليومية؛ فالحياة- في نظري- نص ثري، يمكن للشاعر أن يقتنص منه ما يراه حريا بالتخليد، كنص يوغل في امتداداته كحالة إنسانية تتكرر بصور مختلفة. حياة سريعة الطلقات ** كيف يحشو الشاعر خزانة أشعاره بالرصاص، أقصد ما روافدك الشعرية، وكيف تستطيع باللعب على تيمة واحدة كالقنص أو إطلاق الرصاص أن تقدم عالما ثريا كالذي حدث في ديوانك «حياة ملأى بالطرائد»؟ - الشاعر كائن يحمل رصاص المحبة والسلام، ويطلقه - بطيش - في الهوى ليسمع العالم ويرى أي جمال يوزعه على هذه الأرض، لكنه في المقابل يصطاد الفكرة/القصيدة/المعنى؛ لذا فكل ضحايا الشاعر لا تخرج عن نصوصه التي يقضي العمر في مطاردتها في صحارى الحياة الواسعة وفي رحلة الحياة هذه يقتنص الشاعر أيضا خبراته ومعارفه، التي تزيد تجربته بريقا ولمعانا، لذا كانت الحياة ملأى بالطرائد وكثيفة وثقيلة كرصاص، وسريعة كطلقة.. سلطة الشاعر. كل قدم في قارة ** أن يكتب الشاعر قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر أيضا لهو أشبه بمن يضع قدما في قارة ويمد الثانية لكي يضعها في قارة أخرى، كيف تزاوج بين نمطين شعريين تكاد أن تكون المحددات الجمالية لكل منها على النقيض من الثانية.؟ - إن كانت سلطة الشاعر قادرة على مد نفوذها فلم لا؟ وسلطة الشاعر هنا قدرته وإمكاناته، وأنا شخصيا ضد مسألة التصنيف، الذي هو بشكل ما شكل من أشكال الإقصاء الذي يتضاد مع الفكرة الحداثية التي تقول بتجاور الفنون وتساوقها فيما بينها. أتفهم اختلاف آلية الكتابة وتقنيتها، لكن النص سيختار الطريقة التي سيولد بها والشكل الذي يرتضيه والحياة التي تناسبه؛ فالحرية الإبداعية قيمة عليا قبل أي شيء. حفلة الحياة التنكرية **هل ستفقد قصيدة النثر دهشتها يوما ما، ثم تترك الساحة الشعرية كي تحتلها أشكال شعرية جديدة، تتسق واللحظات المتشظية القادمة؟ - ستفقد دهشتها بلا شك، لكنها لن تترك مقعدها في فيلم الحياة ليحتله أي شكل شعري جديد؛ فالمسرح يتسع للجميع، ويكفي أن تنظر لمقعد القصيدة العمودية المشغول الذي لم تتخل عنه للتفعيلة، بل ما زالت متمسكة بالحياة حتى الرمق الأخير كالجواهري قبل رحيله فقد كان يحب الحياة ويقبل عليها لآخر قطرة ونفس. عموما لا تقلق يا صديقي سيكون الجميع حاضرا في حفلة الحياة التنكرية. مخيلة الشاعر الحقيقي **موجزة ومقتصدة هي لغتك الشعرية حتى لتأتي كثير من قصائدك أشبه بالومضات السريعة الواخزة، هل قضت القصيدة الحديثة على المطولات الشعرية لأجل المزيد من الكثافة والعمق..؟ - وهذه هي وظيفة الشعر الأولى بنظري؛ أن يكون نصك على قدر كبير من التكثيف والإيجاز، لكن الفكرة أحيانا تأخذك قليلا، ويظل الشاعر النابه، لا تغريه اللغة، إذ لا بد له من الموازنة بين تكثيف اللغة ونفعيتها، ليكون لنصه المكان اللائق في سيرك الشعر. فإن كانت اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن مرادهم في جانبها النفعي، فعلى الشاعر أن يمزج هذا الجانب النفعي بالتكثيف والإيجاز الذي يلتهب في مخيلة الشاعر الحقيقي وهذا مجاز الصورة. إعادة تشكيل الحياة **منذ ديوانك الأول» ليس مهما» وثمة إعادة اكتشاف دلالات جديدة للعلاقات الإنسانية، وكسر الراسخ والمستقر، هل ضمن مهام الشعر الكبرى إعادة اكتشاف قوانين الحياة، وهل يقدر الشعر على أن يفك قليلا من ألغاز النفس الإنسانية.؟ - بالتأكيد ليس من مهام الشعر إعادة اكتشاف قوانين الحياة، لكنه يعيد تشكيل الحياة برمتها حين يكون شعرا حقيقيا، وفي هذا الصدد أتذكر قراءة نقدية عن ديواني الأول»ليس مهما» قدمها صديقي الشاعر والصحفي الكبير النابه:»عبد المحسن يوسف»، فحوى هذه الدراسة -كما يقول- إن طلال في هذا الديوان يعيد تعريف العالم. وللشعر كسائر الفنون دور كبير في تهذيب النفس وخلخلة الكثير من غموض تقلباتها. متعة الرواية **يحق للشاعر أن يكتب رواية واحدة، ربما ليستدرك فيها ما لم يقدر الشعر على الإمساك به، وربما لأن سيرته الحياتية تحتاج سردا يحكيها، فلماذا كانت روايتك الوحيدة «غرغرينا»..؟ - ليست الوحيدة ولن تكون كذلك، لكن الرقيب - الذي لم يواكب لحظتنا التاريخية هذه- جعلها حبيسة الأدراج كل هذه السنوات وما زال مصرا حتى الآن على بقائها في العتمة، على الرغم من هذه التحولات المذهلة في كل مناحي الحياة في بلادنا، إلا أن الرقيب بقي بذات العقلية، وكيف لنا أن نطور عقل رقيب على كتاب؟. صدقني أنني شعرت بمتعة غامرة عند كتابة الرواية، أكثر بكثير من فرحي الوقتي عند انتهاء القصيدة؛ فالرواية كانت كثيرا ما تذهب معي حتى إلى النوم عكس القصيدة التي تبقى جالسة على أريكتها تهندم لحظتها أثناء نومي. الصرامة النقدية ** أنت شاعر مقل في إنتاجك، والبعض ينظر للكم الكبير بعين الاعتبار، بل ويعدونه دليلا على الرسوخ الإبداعي للمبدع فضلا عما قد توفره كثرة الأعمال المطبوعة من ذيوع وانتشار، فما رأيك..؟ - لن أفشي سرا إن قلت لك أنني أتلفت ديوانين قبل ديواني الأول، علما أن قصائدهما-المنشورة في الصحافة بين عامي1996-1999م-دخلت ضمن دراسات نقدية عن النص الحديث في المملكة، ولعل أبرزها ما كتبته د/عبدالله الفيفي. نعم لقد أتلفت جزءا كبيرا وأضعت جزءا آخر. وحين عدت إلى جمع أرشيفي على مدى ربع قرن خرجت بمجموعة رأيتها مناسبة إذا ما أخذت وفق سياقها الزمني. إن زيادة الصرامة النقدية الذاتية هي الرصاصة الوحيدة التي تخترق جمجمة التجربة غالبا. فكيف لشاعر مقل أن يفعل ذلك بل و يشرع في طباعة أربعة دواوين دفعة واحدة؟.. وقد تفيد كثرة الدواوين في الذيوع والانتشار، شرط ألا تكون اجترارا لما سبق وتكرارا له وإلا ستفقد القارئ الذي كنت تحلم - بالكثرة - أن تحصل عليه.

مشاركة :