ولأنَّ الحديث ذو شجون، ووسائل التواصل رهن يميننا، عاد الصديق الياباني للحديث عن هذه (لماذا لو) مضيفًا إليها (لم) وتوقَّف هنيهة عن الكلام كأنَّه يستجمع أفكاره، فبادرته معلِقًا، بأنَّ امتناع (لو) الشرطيَّة لعدم ربط سببها بالمسبِّب، غير (لولا) التي امتناعها مرتبط بوجود، فيستقيم معها المعنى المراد. تابع الصديق مفاكهًا، سواءُ أيهَّما بعدها، وطالما حديثي عنِ المسبِّب: «هل لو قدِّر لغير الملك عبدالعزيز آل سعود تولِّي الحكم في بلاد الحرمين الشريفين المتواصلة رقعتها الجغرافيَّة من مياه الخليج شرقًا بشواطئ البحر الأحمر غربًا، ومن بلاد الشام شمالًا باليمن جنوبًا- الأرض التي شهدت على مدى التاريخ صراعات قبليَّة وعرقيَّة ودينيَّة ومذهبيَّة محلِّية وإقليميَّة، طمعًا في السيطرة على بيت الله الحرام في مكَّة المكرَّمة، وعلى قاصديها للعبادة والتجارة، والتحكُّم بالموقع الجغرافي المميَّز وبقوافل (طريق الحرير) في طريقها من أقصى شرق آسيا إلى أقصى غربها، ومن ثمَّ شمالًا إلى البلدان الأوروبيَّة فالجزر البريطانيَّة حاملة التوابل والبخور والحرير – أن تكون جغرافية هذا الجزء الهام من كرتنا الأرضيَّة، كما هو الحال الآن؟ وبعد تواصل الصراع على جزيرة العرب مع ظهور الإسلام خاصَّة، وسرعة انتشاره، وقيام الخلافة الإسلاميَّة بدول إقليميَّة في دمشق وبغداد وقرطبة وإستانبول، وكلٌّ ممن كان على رأس خلافتها ادَّعى بأنَّه حامي المقدَّسات وراعي مصالح المسلمين! ثمَّ بعد إرهاصات الحربين الكونيَّين الأولى والثانية التي لم تسلم البلاد ولا العباد منها، وعانت بسنواتها من نقص في المواد الغذائيَّة المستوردة، ومن الفقر والجوع وهيمنة اللصوص وقطَّاع الطرق على المواصلات! لم أدع محدِّثي الصديق الذي يحمل جواب كلَّ ما قال في سرده، وينتظر منِّي التعليق موافقًا، قلت بأنَّ ضربة الملك المؤسس التي تجلَّت بهدي من عزيز مقتدر، كانت في إبَّانها واختزلت الزمان في جغرافية منطقتنا، ونشرت الأمن والأمان في أرجاء البلاد كافّة، فغدا كلُّ من فيها مقيمًا ووافدًا قانعًا بما كتبه الله له من رزق.. وتولَّي الأمر مؤمنًا بقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، وصبر ومن معه وصابر منتظرًا وعد الله بالفرج. وحقًّا كان وعد الله قريبًا، ليفيء على بلد الحرمين الشريفين بالنفط والغاز اللذين تتطلبهما الصناعة في جميع بلدان العالم. وأخلص جلالته التعامل بهذه الثروة بدءًا بتأسيس البنية التحتيَة لدولة عصريَّة، وليتمَّ أنجاله الملوك البررة وخدَّام الحرمين الشريفين البناء مسارعي الخطى للحاق بالدول المتقدَّمة التي وفَّرت لشعوبها حياة كريمة. ومن ثمَّ أخذت المملكة موقعها المميَّز بين كبرى دول العالم ماليًّا واقتصاديًّا، قوامه شباب مسلَّح بالعلم، وتبوَّأت مكانتها في المعرفة وتقنية متطلَّبات العصر، ومتيحة للأجيال القادمة تتابع مشوار المملكة الحضاري. وفجأة قاطعني -على غير عادة- الصديق، مضيفًا: لا تنس بأنَّه (لولا) الملك عبدالعزيز لما كنتم ودول الخليج العربيَّة على الشاطئ الغربي للخيج العربي، وليس الفارسي! صدقت، قلت، وأردفت: لربمَّا يعزي قائل بأنَّ تلك المنجزات مردُّها ارتفاع الدخل من المال! فليس من ردٍّ أنجع من أنَّ المملكة ليست الوحيدة بوفرة الموارد الماليَّة، فهناك دول سواها، كالعراق ولبنان على سبيل المثال لا الحصر، اللتين وقعتا تحت أسر عصابات الهلال الشيعي الذي يتبنَّاه الحرس الثوري الإيراني بتوجيه من (الولي الفقيه)، وعصابته التي تعمل دون ضمير يردع، ولا أخلاق.. يقودها عميل الفرس المسمَّى حسن نصر الله الذي أقام دولة داخل دولة لبنان وعاصمة في ضاحية بيروت الجنوبيَّة تتحكَم في لبنان واقتصاديّاته، ونهب ثروات مواطنية، وحرمان غالبيَّتهم من الغذاء والدواء، عملًا بمقولة (جوِّع شعبك يتبعك)، وإثارة الفتن والقلاقل والاضطرابات في بلدان غالبيَة سكَّانها من أهل السنة والجماعة.. أمَّا عن العراق، فحدِّث ولا حرج. حان وقت الوقف عن الكلام ذي الشجون، على أمل للحدبث بقيَّة، فقال مستمعي: صدقت بـ(لولا لم).. فلو لم يكتب الله لبلاد الحرمين الشريفين قيادة رشيدة، حكمت وما تزال بالعدل والإحسان لكنتم في عالم آخر لا تحسدون عليه.. وحقًا قلت: (التاريخ يصنعه الأبطال).
مشاركة :