هل تكسب البراغماتية المصرية واشنطن وموسكو أم تخسرهما معا

  • 3/4/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تواجه مصر منذ اندلاع أزمة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا اختبارا دوليا دقيقا، حيث تحاول اتباع منهج دبلوماسي براغماتي يسمح لها بالقبض على العصا من المنتصف، فلا تنحاز إلى المحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، ولا تعلن تأييدها مباشرة لموسكو، لتبدو على مسافة واحدة من المعسكرين. ودخلت مصر الاختبار عمليا مع لجوء كييف مدعومة من واشنطن للجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت على قرار يدين التدخل الروسي، وسعت إلى توفير دعم كبير له كي توحي بأنها القوة الكبرى الوحيدة في العالم التي تستطيع حشد المجتمع الدولي ضد روسيا، بما يوحي بأن الثانية منبوذة ولن تستطيع تمرير سيناريوهات غزوها لأوكرانيا. وصوتت مصر من بين 141 دولة، لمصلحة قرار دعا إلى سحب القوات الروسية من أوكرانيا، وفسرت الخطوة بأنها كانت “انطلاقا من إيمانها الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده”، بينما رفضت القرار 5 دول وامتنعت عن التصويت 35 دولة، وغابت 12 دولة عن الجلسة التي عقدت الأربعاء. وقبل أن يتم تصنيف القاهرة على أنها بدأت تعدل موقفها أو تعرضت إلى ضغوط سياسية فرضت عليها الوقوف في صف الدول الغربية، أصدرت وزارة الخارجية المصرية عقب فترة قصيرة من التصويت في الأمم بيانا رفضت فيه “منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي المتعدد الأطراف”. وتحرص الدبلوماسية المصرية على تغليب البراغماتية كوسيلة للتعامل مع أزمة مفتوحة لا أحد يعلم مآلاتها النهائية، فالاصطفاف إلى جانب معسكر قد يضر بمصالحها مع الآخر بعد أن انتهجت القاهرة طريقا يقوم على الانفتاح على قوى عديدة. حسين هريدي: روسيا لن تنسى موقف مصر ضدها في الأمم المتحدة وللمزيد من التوازن بين روسيا والولايات المتحدة وتفسير موقفها في الأمم المتحدة، أوضحت القاهرة أنه “لا ينبغي أن يتم غضّ الطرف عن بحث جذور الأزمة الراهنة ومسبباتها، والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار”. ويشير المقطع السابق إلى أن مصر تأخذ في حسبانها المطالب الروسية في ضرورة مراعاة التهديدات التي تحاصر أمنها القومي، وهو مسألة تبدو في ظاهرها فقط انتصارا لموسكو وفي جوهرها لن تستطيع ذلك. وجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرمزي بعد فشل واشنطن في إصدار قرار جازم قريب الشبه من مجلس الأمن الدولي نتيجة لجوء روسيا إلى حق النقض (الفيتو). وقال مساعد وزير الخارجية المصري سابقا السفير حسين هريدي لـ”العرب”، “إن القاهرة قد تكون تعرضت إلى ضغوط أميركية – أوروبية كي تصوت لصالح القرار الذي تقدمت به أوكرانيا بالتعاون مع الولايات المتحدة”. وأشار إلى أنه كان يجب أن تمتنع عن التصويت في الأمم المتحدة وهو أمر توقعه عدد كبير من الدبلوماسيين المصريين، ولم يكن سيقلل من مبادئ السياسة الخارجية التي تقوم على احترام سيادة الدول وتسوية النزاعات سلميا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وأوضح أن مصر أصبحت بهذا الموقف منحازة بشكل أكبر إلى الولايات المتحدة وشريكة في استراتيجيتها التي تقوم على استخدام الموقف الدولي من الحرب على أوكرانيا لعزل روسيا دوليا دون أن يكون لديها رغبة في تسوية الأزمة الراهنة، في حين أن السوابق التاريخية أثبتت أن انحياز مصر للولايات المتحدة لم تكن له نتائج إيجابية في كافة الأزمات والملفات المرتبطة بالدولة المصرية. وشدد السفير هريدي في تصريحه لـ”العرب” على أن “روسيا لن تنسى الموقف المصري في الأمم المتحدة، وأن بيان الخارجية لن يغير من الأمر شيئا، فلا أحد يعلم من يخاطب هذا البيان الذي لن يطلع عليه سوى عدد قليل من الدول بخلاف الموقف الرسمي في الأمم المتحدة”، لافتا إلى “وجود بعد أخلاقي كان يجب مراعاته ويرتبط بالدعم الروسي لمصر في مواقف سابقة وعمليات تعاون استراتيجي حاليا”. وتحول التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا إلى أزمة سياسية للكثير من الدول التي تحاول الحفاظ على توازنات بين جبهتي موسكو وواشنطن، حيث تصطف بعض الدول بجانب أحد الطرفين، بينما يتمسك آخرون بعدم الاشتباك في معركة ذات أبعاد لا أحد يعرف مساراتها جيدا. وتعاني دول مثل مصر مغبة اعتقادها بأنها نجحت في نسج علاقات متوازنة مع قوى عديدة في الشرق والغرب، بما يسهم في تعظيم مكاسبها وتقليل خسائرها، إلى أن فوجئت بأزمة أوكرانيا تفرض عليها العبور وسط الكثير من الألغام. ووجدت مصر في ضبط معادلة العلاقات مع القوى الكبرى على أساس المصالح صيغة مناسبة وتتواءم مع التصورات الحرجة الناجمة عن خروجها من محنة انقسامات حادة بعد اندلاع ثورتين في البلاد خلال فترة وجيزة. المتابعون يؤكدون صعوبة تبني نمط معين في أزمة أوكرانيا لأنها تتحرك بصورة سريعة، بما يفرض على البعض خيارات لا يرغب فيها وتراهن القاهرة على كسب ودّ المعسكر الغربي والمعسكر الروسي معا، لكن هذه السياسة يمكن أن تؤدي إلى خسارتهما عندما ينفض العالم الغبار الذي تراكم بسبب أزمة أوكرانيا وتحين لحظات الثواب والعقاب. ويقول متابعون إن الدبلوماسية المصرية بميراثها العريق تستطيع الخروج من المطبات بأدوات كتلك التي استخدمتها في التصويت لصالح واشنطن في الأمم المتحدة، ثم إصدار بيان تفسيري يحوي إدانة للعقوبات الاقتصادية المستخدمة ضد موسكو. ويؤكد المتابعون صعوبة تبني نمط معين في أزمة أوكرانيا لأنها تتحرك بصورة سريعة، بما يفرض على البعض خيارات لا يرغب فيها، وهو ما ينطبق على الحالة المصرية التي تأبى الإعلان صراحة عن انحيازات مع أو ضد. ويختلف موقف مصر في الأمم المتحدة هذه المرة عن موقفها السابق عقب سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، حيث امتنعت عن التصويت عليه ضمن 58 دولة، وأيدته مئة دولة، ورفضته 11 دولة، بينما غابت عن الجلسة 24 دولة، من إجمالي 193 دولة تضمهم الجمعية العامة للأمم المتحدة. ووقتها كانت العلاقات المصرية – الأميركية في أسوأ حالاتها في أواخر حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي كان معارضا لتغيير حكم جماعة الإخوان عام 2013، بينما دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المؤسسة العسكرية المصرية بشكل واضح، والتي لعبت دورا رئيسيا في إسقاط حكم الجماعة في القاهرة. واللافت أن الموقف المصري في الأمم المتحدة جاء عقب يوم واحد من دعوة سفراء مجموعة الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي في القاهرة إلى إدانة العملية العسكرية الروسية، وهو ما يوحي بأن مصر استجابت سريعا للدعوة لتتجنب تثبيت اتهامها بأنها تقف في صف موسكو. ويتردد همسا في القاهرة على لسان دوائر غير رسمية ما يفيد بأن القاهرة تغلّب أسلوب المصالح إلى أقصى مدى ممكن وتحاول تفكيك جانب مهم من التحديات الإقليمية التي تواجهها، في إشارة إلى أزمتي ليبيا وسد النهضة. لكن يتم الردّ على هذا المنطق بأن كلا من الولايات المتحدة وروسيا متداخلتان في الكثير من الأزمات، وبينها ليبيا وسد النهضة، ما يعني أن عملية التفكيك أو التخفيف لا يحتكرها طرف واحد، ما يزيد التمسك ببراغماتية عقلانية لتجنب حدوث خسارة مزدوجة.

مشاركة :