الأزمة الأوكرانيا الروسية لم تكن جديدة، فالجميع توقع مثل ذلك الصدام بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر 1991 إلى 19 دولة، ومن بينهم أوكرانيا التي تم الإعلان عن قيامها كدولة مستقلة ذات سيادة، والإشكالية مع روسيا كانت بارزة لما تملكه أوكرانيا من موارد طبيعية من غاز ونفط وزراعة ومياه، وما يحمله هذا الشعب من تطلعات كبيرة، أحلاها مر، فأوكرانيا اليوم لا إلى روسيا القيصرية ولا إلى ديمقراطية الغرب، هي بين إرث روسي قديم وتطلع لديمقراطية غربية يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو) حتى وقع المحظور وعلت أصوات المدافع والصواريخ والطائرات، وشوهدت ألسنة النار والدخان والهاربين والفارين. آخر المستجدات في المحادثات بين الروس والأوكرانيين بمنطقة (غوميل في بيلاروسيا) أن الروس قد طلبوا لوقف الهجوم اعتراف الحكومة الأوكرانية بجزيرة القرم أرض روسية، وكذلك إعلان حيادية أوكرانيا فلا تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ونزع السلاح من الدولة، وتخليها عن نازيتها كما وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومن أجل قراءة الساحة جيدًا قبل أن تقع الحرب العالمية الثالثة فإن من الأولى معرفة أسباب الحروب العالمية السابقة، فأسباب الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي راح ضحيتها 9 ملايين مقاتل و7 ملايين مدني كانت بسبب قيام صربي بوسني باغتيال ولي عهد النمسا مع زوجته في سراييفو، وسرعان ما استقطبت التحالفات المتشابكة بين قوات الحلفاء (بريطانيا وإيرلندا وفرنسا وروسيا وأمريكا) وقوات المركز (ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية وبلغاريا وإيطاليا)، وانتشر الصراع بسرعة في جميع أنحاء العالم، وقامت الحرب العالمية الأولى. أما أسباب الحرب العالمية الثانية (1939-1945) والتي راح ضحيتها 55 مليون نسمة، فإنها كانت بسبب معاهدة فرساي 1919 التي اعتبرتها ألمانيا مجحفة بحقها حيث حرمت من الفحم لمدة 10 سنين، وكذلك طموحات هتلر التوسعية حيث غزا بولونيا في سبتمبر 1939 مما أشعل الحرب العالمية الثانية. الإشكالية اليوم في الصراع الروسي الأوكراني تتمثل في الهوية الجديدة للأوكرانيين، فهذا الشعب يحلم بالهوية الأوروبية المدعومة من أمريكا، والروس يرون تبيعتهم لهم لتأمين حدودهم الغربية، ورغم أن الحرب الآن داخل الحدود الأوكرانية إلا أنها لدى المحللين والسياسيين صراع قائم بين روسيا من جهة والاتحاد الأوروبي وأمريكا من جهة أخرى، وما أوكرانيا إلا ساحة الصراع، وما الثورة البرتقالية في العام 2004 والتي أطاحت بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا إلا بداية للصراع في أوكرانيا، فما يحدث في أوكرانيا هو بداية لنظام عالمي جديد قائم على تحالفات جديدة بعد عودة روسيا إلى لعب دورها الذي فقدته إبان الحرب الباردة حتى تفككها! الصراع الروسي الأوكراني كان بسبب توجه الأخير للانضمام إلى حلف الأطلسي (الناتو) والذي بدوره سيقوم بتعزيز قدراته العسكرية على الحدود الروسي، وهو الأمر الذي ترفضه موسكو جملة وتفصيلاً، وتطلب ضمانات موثقة لوقف تمدد حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذين تصفهم بأنهم (النازيين الجدد)، فعلى الأرض هناك الصراع روسي أوكراني، ولكن على الساحات الأخرى، الاقتصادية والدبلوماسي والسياسية والسيبرانية فهي بلا شك بين روسيا من جهة والدول الأوروبية وأمريكا من جهة أخرى، وهذه هي الحرب القائمة اليوم!! الهجوم الروسي على أوكرانيا جاء قبل أن يتم انضمام الأخير إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي المرحلة التي اعتبرتها روسيا بداية نشر الصواريخ على الحدود الروسية، والمراقب اليوم للتحرك على الأرض يرى بأن هناك أسلحة وصواريخ يتم تزويد أوكرانيا بها لوقف الهجوم الروسي، وهذه هي الإشكالية التي سيدفع العالم بأسره ثمنها بعد أن ذهب منطق العقل والحكومة. من هنا فإن الأزمة الروسية الأوكرانية تسير في اتجاهين، فإما إلى الحوار الهادئ العقلاني وإما إلى حرب عالمية ثالثة، والعاقل من اتعظ بغيره.
مشاركة :