طرابلس - اقترحت مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا الجمعة وساطة بين المعسكرين المتنافسين لتسهيل إجراء الانتخابات التي أدى تأجيلها في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي إلى تعميق الانقسامات في البلاد في ظل حكومتين متنافستين. وفي محاولة للتقريب بين الأطراف، اقترحت الأميركية ستيفاني وليامز المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، إنشاء لجنة تضم ممثلين عن هيئتين متنافستين هما مجلس النواب ومقره في طبرق في الشرق والمجلس الأعلى للدولة ومقره في طرابلس. وكتبت وليامز الجمعة على تويتر "أرسلت ليلة البارحة رسائل إلى رئاسة كل من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لدعوتهما إلى تسمية ستة ممثلين عن كل مجلس لتشكيل لجنة مشتركة مكرسة لوضع قاعدة دستورية توافقية". واقترحت أن تجتمع هذه اللجنة اعتباراً من 15 مارس/اذار للعمل "لمدة أسبوعين لتحقيق هذا الهدف". ورحب رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري بعرض الوساطة، لكن مجلس النواب لم يصدر حتى مساء الجمعة موقفا من مقترح الأمم المتحدة. وأوضحت وليامز في الرسائل التي نشرتها أن هذه "القاعدة الدستورية" يجب أن تضع أسس تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تريد الأمم المتحدة إجراءها في أقرب الآجال. وكتب خالد المشري على صفحته في فيسبوك "سنكون في الموعد تعبيرا عن إرادة الليبيين في الذهاب المباشر للانتخابات"، مضيفا أن "دور البعثة سيكون فقط رعاية عمل اللجنتين دون التدخل فيهما". من جهتها، قالت سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا في بيان مشترك الجمعة "نُشجّع جميع الأطراف الليبية المعنية، بما في ذلك مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، على التعاون الكامل مع هذه الجهود وفي الخطوات التالية للانتقال السلمي على النحو الذي اقترحته الأمم المتحدة". وأضافت في البيان الذي نشرت نسخة منه بالعربية أن الخطوات تتعلق بـ"إرساء أساس دستوري توافقي من شأنه أن يؤدي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أسرع وقت ممكن". وأعربت السفارات الخمس عن القلق "إزاء التقارير الأخيرة عن العنف والتهديدات بالعنف والترهيب وعمليات الاختطاف". ودعت "جميع الجهات الفاعلة على الامتناع عن الأعمال التي قد تقوّض الاستقرار في ليبيا". وأكدت المبعوثة الأممية أن "حل الأزمة الليبية ليس في تشكيل إدارات متنافسة ومراحل انتقالية دائمة. من الضروري أن يتفق الليبيون على طريقة توافقية للمضي قدما تعطي الأولوية للحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها". وأعرب الاتحاد الأوروبي أيضا عن دعمه لمبادرة وليامز. ودعت ستيفاني وليامز البرلمان والمجلس الأعلى للدولة إلى "إبداء حسن النية في العمل والانخراط معا بشكل بنّاء للمضي نحو الانتخابات من أجل 2.8 مليون ليبي تسجلوا للتصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية". وقد ظلت ليبيا بدون دستور منذ أن ألغاه القذافي عندما تولى السلطة في عام 1969. ومنذ 2011، تدار البلاد على أساس "إعلان دستوري" بانتظار اعتماد قانون أساسي جديد. ولا يزال التوتر يخيم على العاصمة الليبية طرابلس حتى بعد أن قالت الحكومة الليبية الجديدة التي يدعمها البرلمان اليوم الجمعة إن جماعة مسلحة مرتبطة بالسلطات المنافسة أفرجت عن اثنين من وزرائها بعد احتجازهما، بينما ترجح مصادر محلية حدوث صدام خاصة أن رئيس حكومة تصريف الأعمال عبدالحميد الدبيبة قالها صراحة في آخر خطاب له وهو أنه مستعد للمواجهة. وكان مكتب فتحي باشاغا الذي اختاره البرلمان رئيسا للوزراء، قال إن الوزيرين احتجزا أمس الخميس أثناء سفرهما برا لحضور جلسة أداء اليمين في شرق البلاد بعد تعليق الرحلات الجوية الداخلية. وأعلنت المطارات استئناف الرحلات اليوم الجمعة وقال مكتب باشاغا إنه تم إطلاق سراح وزيري الخارجة والثقافة في حكومته. وأدى باشاغا اليمين الدستورية رئيسا للوزراء أمس الخميس على الرغم من رفض رئيس الحكومة الحالي عبدالحميد الدبيبة التنازل عن السلطة، فيما يعيد انقسام البلاد بين حكومتين متنافستين. وتثير الأزمة السياسية في ليبيا مخاوف عودة العنف والانقسام بعد عام ونصف من السلام النسبي. وقال إنه سيجعل طرابلس مركزا لحكومته، لكن السيطرة على المدينة موزعة بين جماعات مسلحة متنافسة من بينها جماعات تدعم الدبيبة وتتعهد بمنع خصمه من الاستيلاء على السلطة. وقال باشاغا الذي كان وزيرا للداخلية في الحكومة السابقة المعترف بها دوليا في طرابلس، إنه يجري ترتيبات تولي منصبه في العاصمة بطريقة سلمية. ودعا أجهزة الدولة في ساعة متأخرة من مساء الخميس إلى عدم الاستمرار في طاعة الدبيبة. واتهم مكتب باشاغا الدبيبة بإغلاق الأجواء الليبية لعرقلة مراسم أداء اليمين في طبرق بشرق البلاد. وقال إن الجماعة المسلحة التي احتجزت الوزيرين تربطها علاقات بإدارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها. ولم تعترف الأمم المتحدة حتى الآن بشرعية باشاغا، وأثارت الشكوك حول العملية البرلمانية التي انبثقت من خلالها حكومته. واعتبر المحلل السياسي الليبي حسين مفتاح في تصريح لوكالة سبوتنيك الروسية أن عملية احتجاز الوزيرين واغلاق المجال الجوي واطلاق النار ليست إلا مناورة، لكنه حذّر من أن زيادة الاصطفاف قد تدفع للاحتكام للسلاح في حال أصرّ باشاغا على ممارسة مهامه من العاصمة طرابلس. وذكّر مفتاح بخطاب عبدالحميد الدبيبة الأخير الذي قال فيه حرفيا أن أي محاولة لـ"اقتحام" طرابلس ستواجه وأنه مستعد للمواجهة. وتوصيف تولي الحكومة الجديدة مهامها والعمل من العاصمة بأنه "اقتحام" يحيل إلى طبيعة الردّ المحتمل من معسكر الدبيبة والموالين له. وأشار المحلل السياسي الليبي إلى أن هناك كثير من الميليشيات تقف خلف الدبيبة، مشيرا إلى أن هذا الدعم جاء بعد أن قدم لهم (الدبيبة) مبالغ مالية كبيرة وبالتالي ثمة مؤشرات قوية على حالة صدام قادمة. ورأى أن المخرج من الأزمة في يد البعثة الأممية للدعم في ليبيا وهو التأكيد على شرعية الحكومة الجديدة، وهذا سيقطع الطريق على تمسك الدبيبة بالبقاء في منصبه وما يتيح كذلك الحيلولة دون الصدام بين المعسكرين.
مشاركة :