لماذا لا تخرج الصّين من المنطقة الرماديّة؟

  • 3/4/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا يبدو الرئيس الصيني شي جينبينغ في وارد التخلي عن "صديقه" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على رغم الانتقادات الغربية التي توجه لبكين، على موقفها المتردد في الانضمام إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا واليابان في التنديد علانية بالغزو الروسي لأوكرانيا. هذه هي خلاصة القراءة التي أجرتها صحيفة "الفايننشال تايمس" البريطانية لموقف الزعيم الصيني حيال أوسع حرب في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. هذا لأن الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، يدركان جيداً أن العقوبات الساحقة التي فُرضت على روسيا، لن تحدث التأثير المتوخى منها إذا ما بقيت العلاقة قائمة بين موسكو وبكين، تعززها علاقة شخصية وطيدة بين شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كيف سيتصرف الغرب بإزاء ذلك؟ جزء من الإجابة عن هذا السؤال نجده في تذكير مسؤولين أميركيين وأوروبيين بحجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي، والذي يفوق بأضعاف مضاعفة حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة، على رغم أن البلدين منخرطان في حرب تجارية منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. هذا التذكير الأوروبي والأميركي ليس بريئاً، إذ ينطوي على رسالة مبطنة مفادها أن بكين لا يمكنها أن تحافظ على الفوائد التجارية التي تجنيها جراء التعامل مع الغرب، وأن تبقي على علاقاتها الوثيقة مع روسيا في آن واحد. أي أن على بكين أن تعتمد خياراً استراتيجياً في عالم منقسم بهذه الحدة، ولم يعد يحتمل الوقوف على الحياد. ليست مهمة سهلة على الصين التي سيتعين عليها في مرحلة معينة أن تختار بين مصالحها الاقتصادية مع الغرب وتلك القائمة مع موسكو. إلا أن المسألة هي سيف ذو حدين. فالعلاقات الاقتصادية الضخمة، ليست الصين وحدها هي المستفيد منها، بل هي ذات منفعة تبادلية. والانسحاب الغربي من الاقتصاد الصيني سيكون مكلفاً للجانبين، فضلاً عن أن زيادة الضغط على الصين في هذا الشأن، ستجعل شي جينبينغ يذهب في علاقته مع روسيا نحو علاقة تحالفية رسمية، ويقسم العالم إلى شطرين متنافسين، ويعزز الاتجاه نحو حرب باردة جديدة ستكون أقوى بكثير من الحرب الباردة الأولى. من هنا ترتدي مسألة العلاقات الصينية - الغربية، أهمية قصوى في وقت لم تترك أوروبا وسيلة إلا وتستخدمها للضغط على روسيا، لجعلها تتراجع عن المواجهة التي تخوضها مع الغرب حالياً. ومن غير المرجح أن تترك الدول الغربية الصين ورقة رابحة في أيدي روسيا، بما يمكنها من الالتفاف على العقوبات التي تهدف إلى "تدمير" الاقتصاد الروسي، بهدف إخضاعها سياسياً، وجعلها تتراجع عن مطالبها من مسألتي عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وعدم نشر الولايات المتحدة صواريخ وقوات في دول حلف شمال الأطلسي التي كانت في يوم من الأيام منضوية تحت لواء حلف وارسو. وكلما تصاعدت حدة المواجهة مع روسيا، سيزداد الضغط الغربي على الصين كي تحدد موقفها وتخرج من المنطقة الرمادية التي تتمركز فيها الآن. وحياد الصين يفسره الغرب بأنه هدية لموسكو ووقوفاً إلى جانبها. وإذا ما بقيت التطورات العالمية على وتيرتها الحالية من التسارع، فإنها تملي على الكثير من الأطراف الخروج من قناعات قديمة سادت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتعتبر ألمانيا مثالاً على ذلك عندما قرر مستشارها أولاف شولتس قبل أيام، تحت الإلحاح الأميركي، إرسال أسلحة إلى منطقة تشهد نزاعاً، فضلاً عن تخصيصه أكثر من مئة مليار دولار لتعزيز التسلح الألماني في ضوء المتغيرات التي تشهدها الساحة الأوروبية. ولن تتأخر اليابان عن حذو حذو ألمانيا في التحلل من قيود الحرب العالمية الثانية. مثل هذه الخطوة ستنكأ جرح التاريخ، وتجعل الصين تقترب أكثر فأكثر من روسيا، وأن تحافظ على منطقتها الرمادية في الوقت الحاضر.

مشاركة :