تقسّم الدول قطاع الاقتصاد الإبداعي إلى مجالات معلومة، يختلف عدد هذه المجالات من دولة إلى أخرى، كما تتباين طبيعة هذه المجالات بين بلد وآخر. قد يكون هذا عائداً، من جانب، إلى أن هذا المفهوم جديد نسبياً، ولا يزال هنالك خلط في المفاهيم والمصطلحات المتداولة، لكنه، من جهة أخرى، يعكس اختلاف الثقافات والفهم المختلف لطبيعة الاقتصاد الإبداعي، وتنوع الاستراتيجيات التي تتبعها كل دولة بهذا الشأن، وكذلك حجم هذا الاقتصاد في كل دولة. على سبيل المثال، تتكون صناعة الثقافة الصينية من ثلاثة وأربعين قطاعاً فرعياً، من بينها: خدمات المعلومات الإخبارية، وخدمات التصميم الإبداعي، ونماذج الأعمال الناشئة التي تدمج الإنترنت مع الأعمال الثقافية وصناعة الإعلام والنشر (الكتب والصحف والمنشورات الإلكترونية) والتوزيع والطباعة والنسخ والموسيقى والفنون البصرية وبث الإذاعة والتلفزيون ودور المسرح والسينما وإنتاجات المرئي وصناعة الألعاب الشبكية، والمؤسسات الثقافية، والإبداعات الثقافية والإعلانات والعروض الفنية والترفيه والمؤتمرات والمعارض وغيرها. وبالمقابل، حددت خريطة نشرتها الحكومة البريطانية، في العام 1998، ثلاثة عشر مجالاً في قطاع الاقتصاد الإبداعي. وفي العام 2006، عدلت إدارة الثقافة والإعلام والرياضة في المملكة المتحدة القائمة، وحددتها باثني عشر قطاعاً إبداعياً هي: «الإعلان»، و«العمارة»، و«الفنون التشكيلية وسوق التحف»، و«الحرف الشعبية»، و«التصميم والتصميم الخاص بوسائل الاتصال»، و«تصميم الأزياء»، و«السينما والفيديو والتصوير الفوتوغرافي»، و«البرمجيات وألعاب الكمبيوتر والنشر الإلكتروني»، و«الموسيقى والفنون البصرية والأدائية»، و«النشر»، و«التلفزيون»، و«الراديو». وتحدد استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي عشرة مجالات إبداعية، يشملها مفهوم الاقتصاد الإبداعي، وهي: «صناعة النشر»، و«الكتب»، و«الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع، مروراً بالسينما والموسيقى والفيديو»، و«المشغولات الفنّية والثقافية»، و«متاحف التراث الثقافي»، و«المواقع التاريخية»، و«الأرشيف»، و«الأحداث الثقافية الكبرى»، و«المكتبات»، و«صناعة البرمجيات، وألعاب الفيديو، والتصميم بشتى أنواعه، سواء ما يتعلق منها بالأزياء أو بتصميم الألعاب، أو البرامج، أو تصميم المباني وغيرها. حاجات روحية بالنظر إلى تقسيمات مجالات الاقتصاد الإبداعي، يمكن القول إن منتجات هذا القطاع تلبي، بدرجة أساسية، حاجات روحية للأفراد والشرائح الاجتماعية التي تعيش على هامش سوق العمل، أو خارج وقته. هذا، بالطبع، إلى جانب خلق أنواع جديدة من القيمة، وتعزيز الاقتصاد بمعارف نوعية، وتغذيته بمواهب جديدة، وإغنائه بقدرات مختلفة، لا يلتفت لها عادة سوق العمل الذي يخدم القطاعات الرسمية. من جانب آخر، تتركز مؤشرات قوة الاقتصاد الإبداعي، في أي بلد، في القدرة على تصدير وتسويق «نموذج» حياة و«موديلات» أعمال وأنشطة اقتصادية ومفردات ثقافية حيوية، مثل اللغة، ولا يقتصر الأمر على النجاح في تصدير سلعة ثقافية ما. هذا من حيث المبدأ، ولكن من جانب آخر، هناك دول تمتلك قطاع اقتصاد إبداعي ثرياً ومزدهراً، ولكنها غير قادرة على تصديره وتسويقه. ومثال ذلك روسيا، التي رغم أنها تعد واحدة من أقوى البلدان في هذا الجانب، إلا أن حضورها العالمي مقتصر على قائمة محدودة من المفردات الإبداعية، منها الأدب. وتعوض عن هذا، بشكل رئيسي، بالاعتماد على حجم سوقها المحلي وطاقته الاستهلاكية العالية. بمعنى آخر، هي تعتمد على «عوامل الاستهلاك الإبداعي المحلية»، وقوة «الثقافة المحلية»، التي تضمن لها إمكانية توفير منافذ لاقتصادها الإبداعي في مجال أداء وظائف اجتماعية. تفاعل اجتماعي وهذا ينبه إلى أهمية الاقتصاد الإبداعي في المجال المحلي، التي لا تقتصر فقط على رفع مستوى تنافسية المجتمعات وأفرادها، على المستوى الاقتصادي، بل وتعود إلى ما للثقافة والفنون والإبداعات المختلفة من قوة خاصة في تسيير التفاعل الاجتماعي، ودفع المتلقين نحو المسارات الإبداعية المستقبلية، وخفض الشعور بأمراض العصر التي تتآكل المجتمعات من وحدة وعزلة واكتئاب وقلق، وخلق مجتمعات صحية قادرة على الإبداع والتكامل الاجتماعي. وبذلك، فإن «حجم سوق الاقتصاد الإبداعي المحلي» وطاقته الاستهلاكية، و«عوامل الاستهلاك الإبداعي المحلية»، هي كلها تؤشر على شرائح وفئات حرجة من المستهلكين المستهدفين بالدرجة الأولى، بدءاً من الأطفال ومن هم دون سن الرشد، مروراً بالنساء غير العاملات، وصولاً إلى كبار السن، ممن يحتاجون رعاية اجتماعية وافية. إلى جانب تلبية حاجات السكان، خارج وقت العمل، في الشعور بقيمة إنتاجيتهم الشخصية، والإحساس بالرفاهية، من خلال مستوى القدرة على «الاستهلاك في مجال المنتجات الإبداعية». وبهذا، فإن من الأهمية بمكان أن ينظر إلى البعد الاجتماعي للاقتصاد الإبداعي، في المجال المحلي، باعتباره قيمة اقتصادية جوهرية. على الأقل، لأن عالم اليوم، وحاجاته الاجتماعية الملحة، باتت تمثل ضغطاً هائلاً على مؤسسات الرعاية الاجتماعية المباشرة، لا سيما تلك الممولة من قبل الحكومات، ما يدعو إلى تعزيز الاهتمام بالاقتصاد الإبداعي، الذي يخلق بدائل ووسائل مساعدة فعالة وغير مكلفة، تتمثل بما يسمى بـ«الرعاية الاجتماعية المتعلقة بالمنتجات الإبداعية». وهنا، يجري الحديث عن الدور الاجتماعي للاقتصاد الإبداعي. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :