مبعوثو الأمم المتحدة لماذا يفشلون؟

  • 3/6/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ما مِن مبعوث أرسلته الأمم المتحدة إلى دول الأزمات في المنطقة إلا وانتهت مهمته بالفشل. الوحيدة التي ما تزال تتعلق بأذيال الخيبة هي مبعوثة الأمين العام إلى ليبيا ستيفاني ويليامز. وعلى الرغم من أنها عنيدة، لكنها صارت تواجه تحديا يضعها في دائرة الفشل حتى وإن لم تعترف به. وهناك سبب يحيط جهود المبعوثين الدوليين بالفشل، هو أنهم يتعاملون مع قضايا البلدان التي يتم إيفادهم إليها مثلما يتعامل الشيوعيون مع بلدانهم. أي أن لديهم محفوظات ونصوصا جاهزة، يؤمنون بها، ويحفظونها عن ظهر قلب، ويعتقدون أنها كفيلة بحل أي معضلة. أنظر في الجُمل التي يدلي بها هؤلاء المبعوثون، وسرعان ما ستكتشف أنهم يحاولون أن يلعبوا دور الحكيم الذي يقدم النصائح للناس. هم يؤمنون بأن “الانتخابات هي الحل”. وأن “الديمقراطية هي أول الطريق لتحقيق السلام”، وأن “الحرب ليست هي الحل”، وأنهم يعملون على “بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة”، و”أن الحوار هو أقصر الطرق للتوصل إلى تسوية”، وهكذا، جمل فارغة تتبعها جمل فارغة. أرسلت الأمم المتحدة إلى اليمن أربعة مبعوثين لم يتقدم أحد منهم بخطوة واحدة إلى الأمام، هم المغربي جمال بن عمر، والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والبريطاني مارتن غريفيث والسويدي هانس غروندبرغ. وأرسلت الأمم المتحدة إلى سوريا الغاني كوفي عنان، والجزائري الأخضر الإبراهيمي، والسويدي – الإيطالي ستيفان دي ميستورا، والنرويجي غير بيدرسون. وأرسلت إلى ليبيا الأردني عبدالإله الخطيب، والبريطاني إيان مارتن، واللبناني طارق متري، والإسباني برناردينو ليون، والألماني مارتن كوبلر، واللبناني غسان سلامة، وأخيرا الأميركية ستيفاني ويليامز. واضح أن هؤلاء المبعوثين يأتون من ثقافات مختلفة، ويصدرون عن خبرات دبلوماسية وسياسية وأكاديمية كبيرة أحيانا. ولكنهم يفشلون ليس لأن محفوظاتهم غير صحيحة، بل لأن مقارباتهم للأزمات لا علاقة لها بمعرفة الواقع، ولا تتخذ الموقف السياسي الصحيح منه. هم بالنسبة إلى هذه الأزمات مجرد أدوات خارجية، تعتبر أن هدفها الرئيسي هو “تحقيق المصالحة بين الأطراف المتنازعة”. ويتحركون وفقا لمنظومة مفاهيم مسبقة. وعادة ما يبدأون عملهم بإثارة أجواء من التفاؤل، معتقدين أن هذه الأجواء تساعد في تخفيف الاحتقان. ويذهبون إلى وسائل الإعلام ليقولوا إنهم حققوا تقدما، ولكن “الطريق ما يزال طويلا”، وإن الأطراف المختلفة تؤمن بأن “الطريق إلى الحل يبدأ من تقديم تنازلات”. وأن “الاتفاق على أسس مشتركة أمر ممكن من خلال تحييد بعض الخلافات”. غير بيدرسون الآن هو أحد أكبر أمثلة الفشل. فقد اقترح السير وفقا لنظرية “الخطوة مقابل خطوة” لتحقيق التوازن بين رغبة النظام في تخفيف العقوبات عنه، في مقابل تحريك عجلة محادثات اللجنة الدستورية. وحاول، بعبارة أخرى، أن يقدم إغراءات اقتصادية تحفر نفقا من تحت العقوبات الأميركية، لعله يمكن التوصل إلى صيغة مقبولة من الطرفين لإعداد دستور جديد يؤدي إلى أجراء انتخابات حرة وشفافة تحت إشراف الأمم المتحدة، تطبيقا للقرار الدولي 2254. Thumbnail بيدرسون لم يفهم أبدا أنه يتعامل مع نظام غير قابل للإصلاح، ولا يستطيع أن يقدم أي تنازل. كان يجب على أول مبعوث دولي إلى سوريا أن يطلب تطبيق قرار دولي صارم لإنهاء الأزمة بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، أي بالقوة. وأن يُغذي العزيمة الدولية على التدخل المباشر لإزاحة هذا النظام بالقوة، بدلا من التفاوض معه. رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان الألماني فولكر بيرتيس بدأ مهمته بالسعي للحوار مع كل طرف على حدة. فهو عندما وجد أن طرفي الأزمة لا يريدان التحاور مع بعضهما، اخترع طريقا يقضي بالتحاور مع الأمم المتحدة على الأقل. فحصد فشلا ذريعا بأن أصبح وجود بعثة الأمم المتحدة نفسه غير مرغوب فيه من كلا الطرفين. لم يتفقا على شيء، ولكنهما اتفقا على رفض الحوار معه. بيرتيس لم يفهم أبدا أن الجيش استولى على السلطة من دون وجه حق، وقفز من فوق اتفاقات السلام والوثيقة الدستورية، واحتجز رئيس الوزراء واعتقل وزراء حكومته. وبرغم أن البيانات الرسمية للأمم المتحدة ظلت تطالب بعودة الحكومة المدنية، فقد بقي بيرتيس يتخلف بخطوات حتى عن تلك البيانات. وبدلا من أن يسعى لإيجاد تسوية لاقتسام السلطة، فقد كان الواجب يقتضي منه الوقوف إلى جانب المتظاهرين، وأن يدعو مجلس الأمن إلى رفض التعامل مع الانقلابيين. لو فعل ذلك، لكانت بعثته في موقف سياسي وأخلاقي أفضل مما انتهت إليه. ستيفاني ويليامز تقف الآن على رأس الدوافع وراء استمرار دعم الأمم المتحدة لحكومة عبدالحميد الدبيبة. ولسوف ترى أنها، بدلا من أن تكون جزءا من الحل، صارت جزءا من المشكلة. سوف ترى بأم عينيها، وهي في طرابلس، أن الدبيبة يتسلح بميليشيات ومرتزقة، وأنه كان يلعب دور رئيس “حكومة وحدة وطنية” كمجرد ممثل على مسرح عبث. وقد انتهت ولايته على أي حال، وفشل في إنجاز المهمة الوحيدة التي تكلفت بها حكومته، وهي إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي. وبرغم أن الاتفاق الذي جاء به إلى رئاسة الحكومة يقضي بعدم الترشح لأي منصب في سلطة ما بعد الانتخابات، فقد ترشح لمنصب الرئيس تعبيرا عن استخفافه بالاتفاق. سوف يحق للبرلمان الليبي الذي انتخب بالإجماع فتحي باشاغا لرئاسة الحكومة البديلة أن يسأل ويليامز: ومن أنت؟ بل ومن هي الأمم المتحدة، لكي تقف في وجه المؤسسة الوحيدة المنتخبة في ليبيا؟ باشاغا ليس هو القيمة الأهم. الإجماع هو القيمة. الجهل، والمساومة على الحق، والسعي للمصالحة مع الباطل، هي السبب وراء فشل الأمم المتحدة.

مشاركة :