نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق يفتح دفاتره القديمة

  • 3/5/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أصبحت كتابة المذكرات عادة لدى غالبية وزراء الخارجية السابقين في مصر، وتحوي الكثير من المعلومات عن فترات سياسية مختلفة. وعند الاطلاع عليها يستشعر القارئ عراقة مؤسسة الدبلوماسية التي لعبت دورا في التأسيس لعلاقات خارجية متوازنة، وهو ما تسير عليه حتى الآن، ففي كل مرحلة هناك أحداث وتطورات عاصفة، ولن تكون الأزمة الروسية – الغربية وتداعيات التدخل العسكري في أوكرانيا آخرها، لأن جغرافية مصر السياسية يصعب تجاهلها في حسابات القوى الكبرى. أصبح أحد الأسئلة التي تراود المتابع للموقف المصري هل يحتاج الأمر إلى وقت طويلا كي يعرف الكثير عن كواليس ما يدور في خزائن وزارة الخارجية؟ فمن الملاحظ أن كل وزير خارجية يتخلى عن منصبه يشرع بعد وقت في استحضار مجموعة من الأحداث التي عاصرها ويسرد الكثير من تفاصيلها كما رآها بعينيه، وتنطوي على إشارات ورسائل متعددة بين ثناياها، مفادها إذا أصاب فذلك نتيجة الكفاءة والحنكة والرشادة وحسن الإدارة، أما إذا أخطأ فذلك جراء الظروف والبيئة المحيطة وارتباك قرارات رئيس السلطة، وفي كل الأحوال أدى الدبلوماسي واجبه الوطني على أكمل وجه، ولا مجال للتشكيك في إدارته. اقترب نبيل إسماعيل فهمي وزير خارجية مصر السابق ولمدة عام واحد (يوليو 2013- يونيو 2014) من هذه المعادلة ولم يخرج عن التوازنات الحاكمة لها في الخطوط العامة مثل غيره من السفراء السابقين، وجاء الاختلاف في التفاصيل وزوايا الرؤية للمواقف التي عاصرها. ميراث دبلوماسي ثقيل منصب وزير الخارجية الذي رفضه فهمي خلال حكم مبارك وبعده، قبل توليه في ظروف حساسة بعد إزاحة جماعة الإخوان منصب وزير الخارجية الذي رفضه فهمي خلال حكم مبارك وبعده، قبل توليه في ظروف حساسة بعد إزاحة جماعة الإخوان حوت مذكرات فهمي التي صدرت مؤخرا بعنوان “في قلب الأحداث.. الدبلوماسية المصرية في الحرب والسلام وسنوات التغيير” ما يؤكد أنه حريص على التمسك بقيم أخلاقية وسياسية واستقلالية غُرست داخله في ظل البيئة التي نشأ فيها، فهو وزير خارجية ابن وزير خارجية سابق. لا يزال في أذهان الكثير من المصريين أن والده إسماعيل فهمي هو وزير الخارجية الوحيد تقريبا الذي ترك منصبه بإرادته عندما قدم استقالته المسببة وقت أن قرر الرئيس المصري الراحل أنور السادات زيارة إسرائيل عام 1977 تمهيدا لتوقيع اتفاقية سلام بين القاهرة وتل أبيب، ولا تزال أصداء سيرته العطرة تتردد في مصر. إذا كان من تابعوا أو قرأوا عن هذا الموقف تأثروا به سياسيا وعاطفيا، حسب رؤيتهم لفكرة السلام مع إسرائيل، من حيث إيجابياتها وسلبياتها، فما بالنا بشخص نشأ في الأسرة التي كان صاحبها محور الحدث، وتركت آثارها السياسية والإنسانية عليه وهو يدري أو لا يدري. انهماك فهمي في العمل السياسي الداخلي وتعاونه مع شخصيات اتهمت بأنها مهدت الطريق للحكم أمام الإخوان، لم يروقا للطبقة الحاكمة الجديدة، ما جعله ينزوي كثيرا عن الأضواء ويركز جهده على العمل الأكاديمي من دون أن يقصد أكد أنه ابن وفيّ لذلك الرجل وقيمه الأخلاقية ومنهجه في الحياة السياسية، حيث أشار إلى الكثير من التطورات التي تثبت أنه صاحب موقف في كل مراحل مسيرته المهنية قبل عمله في وزارة الخارجية وأثناءه ويعده، وكان حريصا على التسلح بكل الأدوات التي تجعله مستقلا إلى حد بعيد، وتجاوز بسلاسة عقدة الأب صاحب السلطة الذي تنسب إليه غالبا نجاحات الأبناء، خاصة إذا كانت حياتهم العملية تسير في الطريق نفسه. نجح فهمي المولود في نيويورك بالولايات المتحدة عام 1951 في أن يحافظ على هامش كبير من استقلاليته الفكرية دون خلل بالواجبات السياسية الرسمية، ومن يطالع مذكراته سيعرف أن منبعها الحقيقي الأسرة والتنشئة الثقافية، وبقدر ما تكون هذه الصفة جيدة في نظر الكثيرين، إلا أنها قد تكون عبئا ومكلفة لصاحبها، حيث يضطر غالبا إلى أن يدفع ضريبة من أجل الحفاظ عليها، وهو ما تقبله الوزير السابق خلال السنوات الماضية ليحافظ على محرابه الإنساني، خاصة أنه لم يكن حريصا على تعلم فن العلاقات العامة. ومع أن الدبلوماسية تعتمد على هذا الفن وقد يعتبرها البعض مرادفا أنيقا له، إلا أن فهمي لم يعلم الكثير عن خباياه ودروبه دهاليزه، وهذه واحدة من المعالم التي تفسر لماذا لم يتحول إلى نجم سياسي كبير على غرار وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى، ففي بلد مثل مصر لا تكفي الكفاءة وحدها لتحصل على ما تستحق. ترك انطباعات بأنه مستقل، وقراره من عقله ولا يمكن تطويعه، وهي صفات في التقاليد المصرية لا تعجب الحكام، لأن صاحبها تصعب السيطرة عليه، ففي لحظة معينة يمكنه أن يرفض أو يقول لا، وهي العبارة اللغز التي تفسر ارتياحه للعمل الأكاديمي بعد ابتعاده عن الدبلوماسية وشواغلها. أسس كلية الشؤون العالمية والسياسات العامة بالجامعة الأميركية بالقاهرة في أغسطس 2009، ومنحها جزءا كبيرا من وقته ولا يزال، ليس لأنها وظيفة مريحة، لكن لأنها الباب الذي يستطيع منه الدخول والخروج بسهولة وبلا تكلفة سياسية باهظة، وربما لأنه لم يكن شغوفا منذ البداية بالعمل الدبلوماسي، والذي قال في مذكراته إنه دخله بالصدفة وليس بالوراثة. درس الفيزياء والرياضيات في الجامعة الأميركية مع أن عددا كبيرا من أبناء جيله الذين التحقوا بالخارجية كانت دراستهم في القانون والعلوم السياسية والاقتصادية مدخلا إليها، وهو في الجزء الأول من مذكراته يبيّن هذه المفارقة انطلاقا من ميوله العملية وعدم تخطيطه للعمل في المكان الذي يعمل فيه والده، حتى تبوأ المكانة نفسها في أحد الأيام. منعطفات حساسة العلاقات العامة أساس الدبلوماسية، إلا أن فهمي لم يعرف دهاليزها، لذلك لم يتحول إلى نجم كعمرو موسى العلاقات العامة أساس الدبلوماسية، إلا أن فهمي لم يعرف دهاليزها، لذلك لم يتحول إلى نجم كعمرو موسى تحفل السيرة السياسية الحافلة لفهمي بالكثير من القصص والحكايات التي عاصرها طوال عمله الفني والدبلوماسي، بدءا من العمل في ديوان رئاسة الجمهورية مع كل من الرئيسين الراحلين أنور السادات وحسني مبارك، وحتى شغله سفير مصر في واشنطن في فترة تعدّ من أكثر الفترات توترا في العلاقات بين البلدين (1999 – 2008)، وفي جميع المحطات التي مر بها كانت الأعين مصوّبة عليه. أكد أنه رفض منصب وزير الخارجية أكثر من مرة خلال حكم مبارك وبعده، وقبل المنصب في ظروف بالغة الحساسية حيث واجهت السياسة المصرية تحديات صعبة على الصعيد الخارجي بعد إزاحة جماعة الإخوان عن حكم البلاد بموجب ثورة شعبية في الثلاثين من يونيو 2013 أيدها الجيش، إذ أعقبها ما يشبه الحصار من قبل قوى كبرى كانت رافضة لهذا التغيير. انصبت مهمته خلال فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور على إعادة صياغة منظومة الدبلوماسية المصرية والبحث عن الأدوات التي تضع البلاد على الطريق الصحيح في ظل صدام سياسي واسع النطاق مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، لكن الفترة القصيرة التي قضاها في منصبه لترتيب أوضاع السياسة الخارجية على أسس تحافظ على توازنها لم تسعفه في ترك بصمات كبيرة على عمل الوزارة. الدبلوماسية تعتمد على فن العلاقات العامة وقد يعتبرها البعض مرادفا أنيقا له، غير أن فهمي لم يعرف الكثير عن خباياه ودهاليزها، ما يفسّر عدم تحوله إلى نجم سياسي على غرار عمرو موسى يعتبر البعض أن قصر المدة دليل على رفض سياسي له، وهذا يمثل جانبا من الصورة الذهنية التي تشكلت عن الرجل في وعي شريحة من المصريين، مع أن خروجه جاء في سياق طبيعي، إذ تولى رئيس جديد حكم مصر، ومن الطبيعي أن تغادر الحكومة ويتم تشكيل أخرى تنسجم مع تطلعات الرئيس عبدالفتاح السيسي وطموحات. لم تكن فكرة الرفض غائبة كليا فقد انخرط فهمي في عمل سياسي ضمن العديد من الشخصيات المصرية التي نشطت عقب ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، وكانت تجتمع في دار ”الشروق“ وعرفت باسم “لجنة الحكماء“، رأت أن هناك أملا في تغيير آمن وحقيقي، وتحركت على العديد من المستويات سعيا وراء التأسيس لمرحلة تنقل مصر إلى مرحلة جديدة سلسة وأكثر تحضرا بعد أن شاخت الكثير من مؤسسات الدولة وتآكل جزء كبير من الهرم السياسي فيها. ولكن لسوء حظه ارتبط اسمه بشخصيات جرى وضعها في خانة المعارضة أو الموالاة للإخوان، وفي مقدمتها محمد البرادعي الذي شغل منصب نائب رئيس الدولة في بداية عهد الرئيس منصور، واستقال احتجاجا على فض اعتصامين لجماعة الإخوان بالقوة في القاهرة بعد أن رفضوا كل نداءات الفض الآمن، وقد شارك فهمي مع البرادعي في تأسيس حزب الدستور، بما أوحى بوجود توافق سياسي بينهما لا يتناسب مع المزاج العام المراد ترسيخه. رحل البرادعي عن السلطة والبلاد بأكملها وظل اسمه محفورا لدى البعض بأنه أسهم بدور كبير في احتجاجات المصريين على حكم مبارك، وكان سندا لجماعة الإخوان، والتصقت به الكثير من الصفات التي تضعه في خانة المعارض “العميل والمتآمر” وهي كفيلة لأن تضع علامات استفهام على كل من اقتربوا منه وجلسوا معه أو تشاركوا معه مشروعا سياسيا طموحا. كان فهمي ابن الوطنية المصرية مؤمنا بأهمية التغيير وذلك انسجاما مع فكرة الاستقلال التي يريدها لمصر، إلا أن حساباته الدبلوماسية لم تسعفه جيدا، فانهماكه في العمل السياسي الداخلي وتعاونه مع شخصيات اتهمت بأنها مهدت الطريق للحكم أمام الإخوان لم يروقا للطبقة الحاكمة الجديدة، وهو ما جعله ينزوي كثيرا عن الأضواء ويركز جهده في العمل الأكاديمي بالجامعة الأميركية في القاهرة. ضد الشعبوية حصل كل وزراء الخارجية السابقين الذين كتبوا مذكراتهم على قدر كبير من الاحتفاء الإعلامي بها وما حوته من مضامين خاصة بالدبلوماسية المصرية إلا نبيل فهمي تقريبا الذي مر كتابه حتى الآن مرور الكرام، الأمر الذي يمكن تفسيره من زاويتين. الأولى وجود انطباعات راسخة في عقل شريحة من الإعلاميين القريبين من الحكومة في مصر بأنه شخص “غير مرضي عنه سياسيا” بما يعني عدم الاقتراب منه أكثر من اللازم، فكل من يحرص على أن يكون مستقلا أو مختلفا مع السلطة في بعض الجوانب أو محافظا على هامش من حريته الشخصية أو كان قريبا من المعارضة في أحد الأيام يتم تجاهله عمدا من جانب وسائل الإعلام التابعة للدولة، وهذا لا يعني بالضرورة أن أجهزتها أصدرت فرمانا أو “فيتو” بشأن تجاهله، لكنها اجتهادات من أصحابها ورغبة في البعد عن صداع سياسي محتمل في هذه الحالة. والثانية اعتزازه اللافت بقيمه التي تربى عليها، بمعنى آخر عدم إجادته الشعبوية، وهي الصفة التي وضعت بينه وبين العديد من وسائل الإعلام في مصر حواجز أدت إلى الابتعاد عنه، وقد يلجأ إلى وسائل غير مصرية يطل منها بين حين وآخر، وربما يكون المناخ العام غير مريح لمن اعتاد على الاستقلالية في مواقفه وآرائه وقراراته. مهما كانت الأسباب يبقى فهمي قيمة سياسية مهمة في نظر الكثيرين، أسهم بدور كبير في أن تحافظ الدبلوماسية المصرية على عراقتها في جميع المهام التي شغلها وهو على قمة هرم وزارة الخارجية وفي هياكلها المختلفة من قبل، وترك بصمات تؤكد أنه من الجيل الذي يعي جيدا الجغرافيا السياسية لمصر والدور الذي يجب أن تقوم به اتساقا مع سلسلة من الأدوار التاريخية التي عرفت بها.

مشاركة :