ماذا حققت الدبلوماسية الخليجية على وقع أزمة أوكرانيا؟

  • 3/6/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

شعرت السعودية أن هناك استدارة أميركية عن الخليج مبكرة من خلال إشارات أميركية التقطتها السعودية، وعملت على اختبار قدرتها في ذات الوقت لإعطاء الظهر نسبيا للولايات المتحدة، وتنويع التحالفات مع المنافسين التقليديين للولايات المتحدة، أي روسيا والصين، ومن تلك الإشارات التي التقطتها السعودية في حوار الرئيس السابق باراك أوباما مع مجلة ذي اتلانتيك الأميركية في أبريل 2016 عند حديثه عن أولويات بلاده، وصف دول الخليج بالراكب المجاني، واعتبر أن ذلك يرهق واشنطن ويجعلها تتحمل كلفة لا تريدها. وقد ترجمت الصحف حديث أوباما أنه اعتبر دول الخليج وعلى رأسها السعودية لم تعد صديقة لواشنطن، وإن كان هناك تغير حدث في عهد الرئيس ترامب. لكن بعد مجيء الرئيس بايدن استمر في نهج أوباما، بل إنه بالغ في هذا النهج، عندما وعد ناخبيه من أنه سيجعل السعودية دولة معزولة. كل ذلك من أجل التقرب من إيران للتوصل إلى إعادة الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب عام 2018، من أجل تغيير خريطة الطاقة العالمية للحد من هيمنة روسيا على سوق الطاقة الأوروبي والعالمي، من أجل دخول إيران ثاني أكبر احتياطي في الغاز من أجل تصديره إلى أوربا لوقف روسيا من احتكار تصدير الغاز إلى أوربا.  لكن كانت روسيا أكثر يقظة من الغرب، وسيطرت روسيا على سوريا الممر المتوقع لأنابيب الغاز القادمة من إيران وقطر إلى أوربا عبر تركيا، ليس هذا فحسب بل تمكنت روسيا من عرقلة أنبوب نابوكو الذي كان مبادرة أوروبية بدعم أميركي لكسر الهيمنة الروسية على سوق الغاز في أوربا، مبادرة بدأت عام 2002 من خلال مد أنبوب لنقل الغاز من منابعه من آسيا الوسطى والقوقاز باتجاه الأسواق الأوربية بعيدا عن الأراضي الروسية الذي تستخدمه سلاحا سياسيا متى شاءت، لكن وقفت روسيا أمام تحقق هذه الآمال. اتجهت السعودية نحو التحول على المستويين العسكري والاقتصادي الذي بات يسير بشراكة صينية كاملة، ما جعل CNN تنشر صور أقمار صناعية لمنشاة صينية لتصنيع الصواريخ البالستية في السعودية، وكشف عن بناء مصنع لتصنيع الطائرات الصينية المسيرة في عام 2017 من طراز CH-4 على الأراضي السعودية. ثم في عام 2019 انعقد المنتدى السعودي الصيني للاستثمار في بكين، وبلغت حصته 35 مليار دولار، ولا تخفي روسيا ولا الصين نيتهما أن تحركاتهما تستهدف الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب، وهو ما سبق التطرق إليه في لقاء جمع وزير الخارجية الصيني مع نظيره وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عام 2021 لبحث الدور الذي تلعبه الأسواق الناشئة بالخليج، وبشكل خاص السعودية في عملية التعددية القطبية في العالم. هذه التعددية مفيدة للسعودية ولدول الخليج بعد الابتعاد الأميركي، وقد تبدو الحرب الروسية الأوكرانية مفيدة لتحقيق هذا المسعى المشترك للطرفين الخليجي والروسي والصيني. وقد أجرى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع نفس المجلة التي أجرى أوباما حواره في مجلة ذي أتلانتيك الأميركية في 3/3/2022 أكد في حواره أنه لا يهتم إذا كان الرئيس بايدن قد أساء فهم الأمور المتعلقة به، قائلا أن بايدن يجب أن يركز على المصالح الأميركية، خصوصا بعدما تولى بايدن منصبه في يناير 2021 تعرضت الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وواشنطن لضغوط لأسباب ثلاث أولها ملف حقوق الإنسان الذي تستخدمه أميركا دائما ورقة سياسية مع شركائها عندما تود الضغط عليهم، وملف اليمن، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، رغم هناك 70 صحفيا قتلوا في نفس العام، وأكد ولي العهد أن السعودية اعترفت أنها حاكمت الأشخاص الذين قاموا بهذا الفعل الذي تستنكره السعودية، ولم تلجأ أميركا عند استخدام ملف حقوق الإنسان إلى المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن أي شخص برئ حتى تثبت إدانته، وأكد ولي العهد نحن ليس لدينا الحق في إلقاء محاضرة على أميركا الشيء نفسه يسير في الاتجاه الآخر. هناك استغراب من السعوديين هل المقصود تشويه سمعة ولي العهد قائد رؤية 2030 من أجل التقليل من شأن صورته كإصلاحي بعد تركيزه على الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي جعلت السعودية منفتحة على العالم، وتنويع اقتصادها المعتمد على النفط. ونفى ولي العهد أن السعودية تود خسارة الشراكة الاستراتيجية الطويلة مع الولايات المتحدة، بل تحرص على الحفاظ عليها بل وتعزيزها، وأكد أن هناك استثمارات سعودية في أميركا تصل إلى 800 مليار دولار، ويمكن للسعودية أن تركز على مصالحها، فإذا ما اهتزت تلك العلاقة فستبحث عن تقليص تلك الاستثمارات. ويستغرب ولي العهد من أن إدارة بايدن تضغط على السعودية من أجل التخفيف عن التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية دون الحديث معه، رغم انه كان صديقا للرئيس السابق دونالد ترامب. كما استغربت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية من امتناع الإمارات عن تصويت مجلس الأمن لإدانة الغزو الروسي، رغم المناشدات المباشرة من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، لكن المستشار السياسي للشيخ محمد بن زايد أنور قرقاش أكد أن أولويتنا تشجيع جميع الأطراف لتبني الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية تنهي هذه الأزمة، وهذا يعتبر نجاح دبلوماسي لدولتي التحالف في اليمن السعودية والإمارات، فيما كان موقف الرئيس الإيراني عندما اتصل ببوتين كان موقفه موقف رمادي، وعندما نصحه بتوخي الحذر واعتماد الحلول الدبلوماسية. ففي المفاوضات في فيينا كان الموقف الروسي حاسما لمصلحة إيران، وعندما وصلت المفاوضات إلى حائط مسدود بسبب مطالبة إيران بضمانات أميركية تلزم الإدارات الأميركية في المستقبل بعدم القدرة على إلغاء الاتفاق، ما يشكل خرقا للدستور الأميركي، عندها اقترح المندوب الروسي بديلا عن مطلب الضمان الإيراني بقرار يصدر عن مجلس الأمن تتم الموافقة عليه بالإجماع، وكان هذا لصالح إيران، كذلك تدخلت روسيا بان تتولى إيران إرسال الكميات المخصبة الزائدة إلى روسيا، فيما كان هناك اتصال بين بوتين وبين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 3/3/2022 الذي شدد على مواقف السعودية في عدم تسيس قضايا الطاقة العالمية، بل أكدا مواصلة نهجهما بشكل أكبر داخل منظمة أوبك+، وفي نفس الوقت جدد ولي العهد على حرص السعودية على المحافظة على توازن أسواق البترول واستقرارها منوها بدور اتفاق أوبك بلس في ذلك وأهمية المحافظة عليه، وعرض ولي العهد على بوتين أن السعودية على استعداد لبذل الجهود للوساطة بين الأطراف، وبعد هذا الاتصال أيضا تلقى ولي العهد اتصالا من رئيس أوكرانيا يطلب وساطة السعودية باعتبار أن السعودية وسيطا نزيها، ولديها علاقات وثيقة مع روسيا، بخلاف أميركا التي صبت الزيت على النار، وجعلت أوكرانيا ساحة لتحقيق أجندتها أهمها كسر هيبة روسيا وتحجيم اقتصادها بعد فرض عقوبات صارمة، وفي نفس الوقت شعور أوربي بحاجتهم إلى الولايات المتحدة، بدلا من إعطاء روسيا مطلبها بعدم ضم أوكرانيا إلى الناتو حتى تصبح أوكرانيا منطقة محايدة بين الجانبين، حيث تشترط روسيا بألا تكون أوكرانيا قاعدة للصواريخ الأميركية تهدد أمن روسيا. ومن حق دول التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية أن تراعي مصالحها، فكما رفضت الإمارات إدانة الغزو الروسي، حصلت ولأول مرة على دعم روسيا قرار الأمم المتحدة الذي يدين الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة ضد الإمارات والسعودية من قبل الحوثيين، واعتبر القرار الحوثيين جماعة إرهابية، ومنع وصول الأسلحة إلى تلك الجماعة، وكانت روسيا دائما ترفض دعم مثل تلك القرارات بسبب أنها حليفة لإيران، ولا مانع أن تراعي دول الخليج السعودية والإمارات الحياد الإيجابي الذي يراعي مصالحها، ولا مانع أيضا أن تكون هناك مقايضة بين الإمارات وروسيا، بل حتى إسرائيل راعت مصالحها مع روسيا في سوريا وتحفظت على طلب أوكرانيا تزويدها بأسلحة، فقط تعهدت إسرائيل بتقديم 100 طن من المساعدات غير العسكرية. وإذا حصلت روسيا على خلق نفوذ جديد مع دولة الإمارات والسعودية ودولة إسرائيل بسبب التصرفات الأميركية مع السعودية والإمارات حول ترك النفوذ الإيراني في المنطقة عبر ميليشياتها تهدد المنشآت الحيوية والمدنية السعودية والإماراتية، وتعتبر كارين يونج الزميلة في معهد الشرق الأوسط ما يحدث صدمة حقيقية للولايات المتحدة. وممن ينتقد السعودية الحليفة لواشنطن التي تقود أوبك النفطية رفضها الاستجابة لطلب بايدن وماكرون ضخ المزيد من النفط للمساعدة من الحد من ارتفاع أسعار الخام الذي تجاوزت 110 دولارات للبرميل، لكن تتغاضى تلك الجهات من أن هناك اتفاقات بعيدة المدى فيما يتعلق بتهدئة أسواق الطاقة، وتجنب الصدمات الاقتصادية، بل بالعكس أن رفض السعودية طلب بايدن وماكرون ضخ المزيد من النفط يصب في التعجيل بإنهاء الأزمة في أوكرانيا لوقف مواصلة ارتفاع التضخم بشكل خاص في أميركا، وكما اتهمت الصين بايدن من أنه يصب الزيت على النار لأن الصين تدرك أن أميركا هدفها كسر هيبة بوتين وتحجيم اقتصاد روسيا نتيجة العقوبات المفروضة عليه. لذلك تود أميركا استنزاف روسيا في حرب طويلة عبر الوكالة في أوكرانيا، بخلاف العلاقات المشحونة بين الرئيس بايدن وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان الذي لا يلقي بالا لمثل تلك العلاقات المشحونة الذي يعتبرها شأن بايدن الذي اختار هذا الطريق، وولي العهد يركز على تحقيق مصالح بلده بجانب احترام هذا الاتفاق داخل أوبك+.

مشاركة :