قال الرئيس الصيني شي جين بينج في اجتماع سياسي إن الصين لا يمكن أن تعتمد على الأسواق العالمية لضمان الأمن الغذائي. ونقلت وكالة "بلومبيرج" للأنباء عن شي القول خلال اجتماع حضره أعضاء المؤتمر التشاوري السياسي إن الصين يجب أن تركز على أسواقها الغذائية المحلية، مع التأكد من التمتع بمستوى ملائم من القدرة على الاستيراد. كما أكد شي حماية الأراضي الزراعية والتنمية التكنولوجية لسوق البذور للمساعدة في حل مشكلات الأمن الغذائي. يأتي ذلك في وقت قال فيه اقتصاديون إن هدف الصين لتحقيق نمو اقتصادي يبلغ نحو 5.5 في المائة هذا العام ويمثل تحديا. وأكدوا أن تحقيق هذا الهدف سيدفع الحكومة لتعزيز الاستثمار في البنية التحتية، وتحفيز الطلب في قطاع العقارات، وتقديم مزيد من التيسيرات النقدية. ويزيد هدف الناتج المحلي الإجمالي للصين عن توقعات الاقتصاديين للتوسع 5.1 في المائة هذا العام، وهو معدل نمو سيكون الأدنى منذ 1990، باستثناء 2020 الذي عانى بسبب وباء كورونا. وسجل الاقتصاد الصيني نموا 8.1 في المائة في 2021، عندما حددت الحكومة هدفا متحفظا للنمو بنسبة أعلى من 6 في المائة. إلى ذلك، بلغ إجمالي إصدار السندات في الصين 4.51 تريليون يوان (نحو 712.6 مليار دولار) في يناير الماضي، وفقا لبيانات من البنك المركزي. وتظهر البيانات، التي نقلتها وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا" أن إصدار سندات الخزانة بلغ 466 مليار يوان، فيما بلغ إصدار سندات الحكومات المحلية 698.86 مليار يوان. وفي يناير وصل إصدار السندات المالية إلى 797.1 مليار يوان، بينما بلغ إصدار سندات الشركات 1.33 تريليون يوان. ووصل حجم إصدار الأوراق المالية المدعومة بأصول إلى 25.94 مليار يوان، وسجلت قيمة إصدار شهادات الإيداع بين البنوك 1.13 تريليون يوان. وبنهاية يناير، وصلت قيمة السندات غير المسددة المحتجزة إلى 134.8 تريليون يوان، وفقا للبيانات. إلى ذلك، بينما ينصب تركيز العالم على الأزمة المشتعلة حاليا بين روسيا وأوكرانيا، ربما تجد الصين في ذلك ما يحقق مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية من خلال انصراف الانتباه عن طموحاتها الإقليمية من ناحية، ومن ناحية أخرى الاستفادة اقتصاديا من عزلة روسيا بشكل أو آخر. وقال الباحث والمحلل جاجاناث باندا، الرئيس القادم لمركز ستوكهولم لشؤون جنوب آسيا والمحيطين الهندي والهادئ في معهد سياسات الأمن والتنمية في السويد، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" إنه حتى في الوقت، الذي يشعر فيه القادة الغربيون بالرعب ويفرضون الآن مزيدا من العقوبات على روسيا، مستهدفين البنوك ومصافي النفط والصادرات العسكرية، يبدو رد الغرب المتأخر وغير الملائم خطابيا، وتنبعث منه رائحة المصلحة الذاتية ضد المصلحة العامة. ولا يعني ذلك أن القوى الآسيوية حققت نتائج جيدة أيضا، فالصين والهند صامتتان بشكل واضح، على الرغم من أن اليابان انضمت إلى الغرب في فرض عقوبات على روسيا. وتهدف بكين إلى تعزيز وجودها الاستراتيجي بشكل منهجي في أوراسيا، ولا سيما في أوروبا، ولهذا، فإن الصين لا تميل إلى التضحية بعلاقاتها مع أوكرانيا بالكامل، ليس فقط لأن الأخيرة شريك تجاري رئيس بحجم بلغ 15.4 مليار دولار في 2020، بل وأيضا احتراما للدول الأوروبية الرئيسة المتعاطفة مع أوكرانيا، بحسب ما نقلته "الألمانية". ويقول باندا إن الصين ستستغل عزلة روسيا لمصلحتها من خلال تعزيز علاقاتها الوثيقة بالفعل مع روسيا وإظهار نفسها كشريك اقتصادي واستراتيجي موثوق به لأوروبا. وبالتالي، تأمل الصين أن يؤدي موقفها الغامض من الأزمة الأوكرانية إلى تهميش الولايات المتحدة، وتحدي الهيمنة العالمية للولايات المتحدة من خلال اختبار مرونة النظام القائم على القواعد، والتشكيك في قدرة الولايات المتحدة على البقاء كمزود للأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فضلا عن ذلك، فإن استخدام روسيا لمواجهة التحدي الذي تمثله الولايات المتحدة مع الاستفادة من الطاقة الروسية وقوة تكنولوجيا الدفاع لن يؤدي في نهاية المطاف إلا إلى تعزيز السياسة الواقعية الصينية. ووطد الرئيس الصيني ونظيره الروسي فلاديمير بوتين صداقة "لا حدود لها" خلال لقاء ودي في شباط (فبراير)، لكن بعد شهر واحد فقط، أتت الحرب في أوكرانيا لتختبر متانة تلك الروابط. ومع الغضب الدولي والعقوبات المتزايدة ضد روسيا، تسعى بكين جاهدة لتجنب تضررها من الشراكة مع موسكو، وفي الوقت نفسه، للحفاظ على العلاقات الوثيقة بينهما. ومنذ تولي شي جينبينج السلطة قبل نحو عقد، حققت الصين وروسيا البلدان اللذان كانا عدوين لدودين خلال الحرب الباردة، تقاربا غير مسبوق وتجمعهما، خصوصا الرغبة في مواجهة النفوذ الأمريكي. ويعرض فشل بكين في التعامل مع الموقف بحذر، لإمكانية اعتبارها عامل تمكين لبوتين ما قد يؤدي إلى نفور شركاء تجاريين غربيين وتعريض التوازن الهش للروابط، التي أقامتها الصين في الأعوام الأخيرة مع كل من روسيا وأوكرانيا للخطر. وقال ريتشارد جياسي الخبير في مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية، إن الوضع المستجد شل الصين فعليا، وأوضح لـ"الفرنسية" أن "المصالح الأمنية تتفوق دائما على المصالح الاقتصادية" في حسابات الصين، وهي لن تتحول بشكل جذري نحو موقف أكثر تأييدا لأوكرانيا. وأشار إلى أن روسيا "بلد مجاور عملاق ومسلح نوويا وغني بالموارد"، ولن تخاطر الصين باستفزازها. وما يزيد من صعوبة وضع الصين محنة المواطنين الصينيين البالغ عددهم ستة آلاف في أوكرانيا، الذين يتم إجلاؤهم تدريجيا عن طريق البر، وفي القطارات إلى بلدان مجاورة مع النازحين الآخرين.
مشاركة :