عبّرت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز عن انزعاجها من التقارير الإعلامية ومواقف الأطراف الليبية التي انتقدت مبادرتها الأخيرة واعتبرتها بمثابة انحياز لرئيس الحكومة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، وهو ما يبدو أنه دفعها للاستعانة بالسفير الأميركي ريتشارد نورلاند لمواجهة التوافقات التي جرت مؤخرا وينظر إليها كفرصة تاريخية يمكن البناء عليها لتحقيق الاستقرار في البلاد التي تتقاذفها الفوضى والانقسامات منذ سنوات. وينظر ليبيون إلى مبادرة ويليامز على أنها تمثل “قفزا على التعديل 12 للإعلان الدستوري” و”تمهد لانقسام بالبلاد”. وينص التعديل 12 من المادة 30 من الإعلان الدستوري الذي نال ثقة البرلمان في فبراير الماضي، على أن تُشكل لجنة خبراء من 24 شخصاً يتم اختيارهم مناصفة بين مجلسي النواب و”الأعلى للدولة”، لتتولى مراجعة المواد محل الخلاف في مسودة الدستور المنجز وإجراء التعديلات خلال 45 يوماً. والجمعة أطلقت ويليامز مبادرة دعت فيها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين إلى “اختيار 6 ممثلين عن كل منهما لتشكيل لجنة معنية بوضع قاعدة دستورية تقود البلاد إلى الانتخابات”. وقالت ويليامز في تغريدة إنها تتابع “بأسف الحملات الإعلامية التي تستهدف الجهود الرامية لإنهاء حالة التشظي والانقسام في ليبيا”. وأضافت “أريد التأكيد أنني أقف في صف الملايين من الليبيين الراغبين في تغيير هذا الواقع غير المقبول وتجديد شرعية المؤسسات عبر صناديق الاقتراع”. وأوضحت أن “المبادرة التي أطلقتها تهدف إلى تفعيل وتثبيت التوافق الذي حدث بين مجلسي النواب والدولة من خلال لجنتي خارطة الطريق”. وتابعت “المبادرة نابعة من حرصي الشديد على مساندة الليبيين في مسعاهم لإنهاء شبح الانقسام وبناء توافق حقيقي ومتين من أجل إعداد قاعدة دستورية تمكّن من إجراء الانتخابات في أقرب وقت”. ويقول مراقبون إن مبادرة ويليامز ليست سوى انحياز ضمني للدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة خاصة وأنها تعلم جيدا أن فرص توافق مجلسي النواب والدولة على قاعدة دستورية شبه معدومة بالمقارنة مع مفاوضات سابقة أجريت بين المجلسين وكان مصيرها الفشل. ويستغرب هؤلاء المراقبون دوافع ويليامز ومن خلفها واشنطن لرفض تنصيب الحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا، لافتين إلى أن المخاوف من اندلاع القتال التي عبّر عنها السفير الأميركي مبالغ فيها خاصة وأن موازين القوى تميل لصالح باشاغا الذي تدعمه أقوى التشكيلات العسكرية غرب ليبيا. وأجرى نورلاند اتصالين هاتفيين السبت مع باشاغا والدبيبة وعبّر بعدها عن موقف سلبي مفاده أن ما يهم واشنطن هو الحفاظ على وقف إطلاق النار وأن التنافس على السلطة بينهما شأن داخلي لا يعنيها. وأكد نورلاند “ثقته في رغبة كلا القياديين في تجنّب تصعيد العنف. مشجعا إياهما على النظر في السبل التي يمكن من خلالها إدارة شؤون البلاد في وقت تُبذل فيه جهود، بتيسير من الأمم المتحدة، لاستعادة الزخم بسرعة نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية”. ليبيون ينظرون إلى مبادرة ويليامز على أنها تمثل "قفزا على التعديل 12 للإعلان الدستوري" و"تمهد لانقسام بالبلاد" أما بخصوص اتصال نورلاند برئيس مجلس النواب عقيلة صالح فقد نقلت السفارة الأميركية عن صالح التزامه بالانخراط في جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق سريع على أساس دستوري، وتأكيده على الدور الحاسم للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات كما اتفق الطرفان على أن ليبيا “لا يمكن أن تعود إلى اضطرابات الماضي”. وتعزّز مواقف واشنطن المرتبكة بشأن ليبيا الاتهامات التي توجّه إليها منذ سنوات بالسعي لإدارة الصراع بدل إيجاد حل دائم له. ولا يجد مراقبون أيّ مبرر منطقي لتلكؤ واشنطن وويليامز التي توصف بأنها رأس حربة السياسة الأميركية والبريطانية في ليبيا، في دعم التوافقات الليبية خاصة وأن فتحي باشاغا لطالما حظي بثقة الأميركيين وتربطه علاقات جيدة بهم. واللافت للانتباه أن ويليامز كانت قبل أيام تتهم من قبل الدبيبة بالانحياز للبرلمان لتفاجئ الليبيين في ما بعد بموقف معارض للتوافقات. وراكمت ويليامز خلال السنوات الماضية رصيدا من الخبرة في ما يتعلق بالملف الليبي حيث عينت في البداية قائما بالأعمال في السفارة الأميركية بليبيا ليتم في ما بعد تعيينها نائبا للمبعوث الأممي السابق غسان سلامة لتعود مستشارة أممية في ديسمبر الماضي وهو ما يقلل احتمال أن يكون ارتباكها ناجما عن عدم دراية بالملف. وانتقد المندوب الليبي السابق في الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي موقف المستشارة الأممية وقال “السيدة ستيفاني ويليامز تبدو منزعجة من تشكيل حكومة ليبية بإرادة ليبية خالصة وترفض الجلوس في المقعد الخلفي مصرة على الاستمرار في التحكم بالمقود بدعوتها لمجلسي النواب والدولة لتشكيل لجنة تعمل تحت قيادتها للتوافق على قاعدة دستورية رغم معرفتها أن التوافق بين المجلسين غير ممكن. تكتيك لتأجيج الخلافات من جديد وإجهاض بوادر الاستقرار”. وأضاف في تدوينة على صفحته بفيسبوك “توافق أغلبية مجلس النواب وأغلبية مجلس الدولة على الحكومة الليبية الجديدة قد يكون عودة للوعي الوطني والعمل المشترك ويمنع الانقياد للأجندات الأجنبية”. وفي تدوينة أخرى لفت إلى أن “السيدة ستيفاني ويليامز التي تحمل صفة المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، وهي في الواقع رأس حربة السياسة البريطانية والأميركية في ليبيا، نجحت في تكريس الفوضى وتمكين الفاسدين والفاشلين والعملاء من مفاصل الدولة، وحشد الدعم الدولي لهم على حساب مصلحة الوطن، والآن يبدو أنها تريد أن تنتقم من الليبيين الذين تمكنوا من التوافق على حكومة استقرار وطني بعيداً عنها، فتصريح الناطق باسم الأمين العام، الذي يستند إلى المعلومات المقدمة من السيدة ويليامز، تبنّى مزاعم السيد الدبيبة وشكك في صحة منح الثقة لرئيس الحكومة الجديد السيد فتحي باشاغا، وهي بذلك تشجع مساعي السيد الدبيبة لإشعال الحرب في ليبيا من جديد للاحتفاظ بالسلطة”. وانضمّت السفيرة البريطانية في ليبيا كارولاين هرندل إلى ويليامز ونورلاند حيث أجرت اتصالا هاتفيا مع عقيلة صالح، وفي حين لم يؤكد البيان الصادر عن الطرفين عقب الاتصال موقف السفيرة البريطانية إلا أن التنصيص على أن عقيلة صالح دافع عن “قانونية الإجراءات المتخذة بين مجلسي النواب والدولة” في التعديل الدستوري الثاني عشر، واختيار رئيس حكومة جديد في البلاد، يشير إلى أن هرندل وجهت انتقادات للتوافقات.
مشاركة :