في عام 2000 كان مشروع الوسط التجاري الجديد لمدينة عمان مجرد فكرة انطلقت خلال لقاء بين ملك الأردن عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري. هذه الفكرة تحولت حلما للنجل الأكبر للرئيس الحريري بهاء الحريري الذي يشهد اليوم تحولها إلى واقع ملموس. أول شوارع الوسط التجاري الجديد لعمان حمل اسم رفيق الحريري. لم يكن الأمر فكرة - أو اقتراحا - من أحد أبناء الحريري، بل كان قرارا من الملك عبد الله الثاني، تبلغه بهاء الحريري، ونفذته شركة العبدلي التي تمتلك المشروع. بهاء الحريري الذي يترأس شركة «هورازين» شرح في حوار مع «الشرق الأوسط» تفاصيل المشروع، مشيرا إلى أن هذا المشروع يسعى لتحويل عمان إلى محطة للشركات والأعمال في المنطقة، متوقعا أن يكون للمدينة موقع مهم في محيطها مع عودة الاستقرار إلى سوريا والعراق، البلدين المجاورين للأردن، مبينا أنه «إذا اتجهت سوريا نحو تسوية سياسة، فهذا سينعكس بالتأكيد على حركة العمل في المنطقة، خصوصا من قبل الشركات الراغبة في المشاركة في عملية إعادة الإعمار، وهي عملية ستكون كبيرة جدا نظرا للدمار الهائل. كذلك، إذا استقر الأمن في العراق، فسيكون الأردن من كبار المستفيدين». ورد الحريري التأخر في إنجاز المشروع إلى الأزمة العالمية التي ضربت العالم في عام 2008، حيث لم يكن واردا حينها افتتاح مشاريع جديدة من دون أفق واضح، مؤكدا أن الوقت الآن مناسب جدا لانطلاق العملية، فكان القرار بالمباشرة فيه. ونفى بشدة وجود معوقات مالية وراء هذا التأخير، مؤكدا أن شركته هي الآن الثالثة على مستوى الأردن، وقد تكون الثانية بعد البنك العربي إذا ما احتسبت قيمة الأرض من ضمن المشروع. ويحصر الحريري عمله في القطاع العقاري بين الأردن ولبنان، فهما من وجهة نظره الأفضل في هذا القطاع، مشيرا إلى أن أهمية العقارات تنبع من أنها لا تتعرض لأي انهيارات، وتأثرها بالأزمات يكون بثبات أسعارها مرحليا لتعود السوق فتصحح نفسها بعد عودة الأمور إلى مسارها المعتاد. وفيما يأتي نص الحوار: * كيف انطلقت فكرة «العبدلي»؟ - قبل 14 عاما، حين كان والدي الرئيس الراحل رفيق الحريري في لقاء مع الملك عبد الله الثاني، كان الوالد يطلب نصائح من الملك، وفي المقابل طلب الملك اقتراحات كان أحدها كيف يمكن جلب الاستثمار إلى الأردن. كانت هناك عدة أفكار، إحداها وجود مركز في وسط عمان، يكون نبضها، بهدف استقطاب المستثمر الأردني والإقليمي والدولي في البلد. بالفعل، اكتملت المحادثات وأفضت إلى شراكة بين القطاع العام والخاص، وكنت موجودا بعد استشهاد الوالد لاستكمال هذه المسيرة. * هل بدأ التنفيذ العملي فورا؟ - نعم، وبدأ المشروع بالشراكة بين موارد شركة «سعودي أوجيه» قبل انتقالها إلى موارد «هورايزن» وهي شركة عقارية تمتلك استثمارات، ويكتمل اليوم بافتتاح المرحلة الأولى، على غرار مشروع «سوليدير» الذي افتتح على مراحل. اليوم نفتتح جزءا أساسيا من المشروع، وهو ما يعادل 50 في المائة تقريبا. * لماذا احتاج الافتتاح إلى 14 سنة؟ - كنا نفكر بالافتتاح قبل هذه الفترة، لكن الأزمة المالية العالمية في عام 2008، انعكست كسادا اقتصاديا (ديبرشن) على العالم، بحسب المحللين الاقتصاديين. لو لم تكن هناك طباعة للين والدولار، لكنا دخلنا كسادا عالميا في تلك الفترة. السؤال الذي طرحناه: هل يمكن افتتاح وسط عاصمة في ظل وضع مشابه؟ بالتأكيد لا نظرا لاعتباراتنا واعتبارات الأردنيين بأنها ستكون كارثة اقتصادية لو افتتحت. والأزمة لم تؤثر على أوروبا وأميركا فقط، بل على المنطقة بأكملها التي تأثرت بالانهيار المالي الذي شهده العالم في عام 2008. بالتأكيد، كان القرار بتأجيل المشروع. * هل كانت هناك صعوبات مالية؟ - أبدا. شركتنا تعد الثالثة في قيمة رأس المال الاستثماري بالمشروع بعد البنك العربي والبنك الإسلامي. كانت أضخم شركة في قضية رأس المال. * حُكي أن صعوبة بتأمين السيولة دفعت الكويتيين إلى الدخول في الشركة! - على العكس. الكويتيون دخلوا بمشروعين، هما المول والسباين، ولم نرَ منهم أي تقصير. التأخير كان عن قصد لأن الأزمة المالية أثرت على العالم بأكمله. وكان الكويتيون أيضا يعارضون فكرة افتتاح المرحلة الأولى من المشروع قبل هذا الوقت. الآن تحسن المناخ الاقتصادي في العالم والمنطقة والأردن، بدليل ازدياد نسبة ارتياد السياح للأردن 15 في المائة في كل من العامين 2012 و2013. لذلك، نرى أن المناخ السائد في هذا الوقت هو أفضل مناخ اقتصادي يناسب افتتاح المشروع. * هل كانت هناك معوقات أخرى دفعت للتأخير في المشروع؟ - نعم، كانت هناك مشاريع مرتبطة، مثل افتتاح مطار عمان الدولي، وهو شراكة خاصة بين القطاعين العام والخاص، وأثبتت نجاحها. كان المشروع سيفتتح قبل عامين أو ثلاثة، وجرى تأخيره على ضوء السؤال عن جدوى افتتاح مشروع لتسعة ملايين مسافر من غير أن تكون له جدوى اقتصادية. الآن، افتتح المطار، والجدوى قائمة، ما دفع الناس لزيادة حركتها عليه. * الأوضاع السياسية في العالم العربي إلى أي مدى أثرت سلبا؟ - بالتأكيد كانت لها تأثيراتها. لكن لا تنظر إلى العبدلي بصفته مشروعا فقط. الملك لا يمتلك نظرة تنافسية تجاه مدن أخرى. هو يعتقد بالتكامل السياحي. بصفتك سائحا عربيا، يمكنك زيارة إيطاليا وإسبانيا واليونان وغيرها... الملك يرى أن العالم العربي يجب أن يعطي تعددية سياحية مثل مصر ولبنان والأردن ودبي وغيرها.. هذه الرؤية تقوي السياحة ولا تضعفها. والوالد كان يفكر بهذه الطريقة. التعددية السياحية تمنح السائح عدة خيارات، سواء أكان عربيا أم خليجيا أم أجنبيا. واليوم الأردن يمتلك مواقع سياحية نشطة مثل البتراء والبحر الميت ووادي روم وجرش والعقبة... هي مراكز سياحية تقدمت كثيرا منذ وقت إلى اليوم. كان البحر الميت قبل 14 عاما موجودا عليه فندق واحد، اليوم يوجد أكثر من سبعة فنادق. اليوم، يسير الأردن ككل في مخطط استراتيجي بالمعنى السياحي، وفي الوقت نفسه العبدلي ينظر إليه بوصفه مركزا إقليميا لرجال الأعمال الأردنيين والإقليميين والأجانب.. وبالفعل استقطب عدة شركات خليجية وعربية ليكون العبدلي مركزا أساسيا لها لسببين أساسيين، الأول: أن هناك «دياسبورا» عراقية تبلغ المليوني شخص. إذا كان هناك استقرار مستقبلي في العراق، على خلفية أن الأردن معروف تاريخيا بأنه نافذة العراق، فسيكون الأردن نافذة إقليمية لاستقطاب العمل في العراق وبين البلدين. كذلك في سوريا حين يتحقق الاستقرار، لأن هناك ورشة ستبلغ تكلفة إعمارها ما يزيد على 200 مليون دولار. عندها سيكون الأردن مركزا لاستيعاب العمل الذي سيكون بين سوريا والأردن. * المسار الزمني للمشروع، كيف تتوقعونه؟ - في حال لم تكن هناك أزمة مالية عالمية أخرى، بإذن الله، نرى أن المشروع سوف ينجز بالكامل في عام 2018. نحن لئن أنجزنا قرابة نصف المرحلة الأولى، وخلال العام 2016 يفترض أن تنجز المرحلة الأولى بالكامل، ثم هناك المرحلة الثانية التي يفترض أن تنتهي تماما بعد سنتين. في الأردن، هناك مناطق سياحية معروفة، كالعقبة وجرش والبحر الميت، وهي عامل جذب سياحي مهم، لكن الملك يعتقد بفكرة التكامل السياحي في الأردن، وفي العالم العربي في الوقت نفسه. هو لا يعتقد بفكرة المنافسة بين المدن، وهذا ما من شأنه تعزيز التكامل السياحي والاقتصادي العربي، وفيه بعد نظر كبير، لأن العالم أصبح أكثر انفتاحا. * ما الرؤية المستقبلية للمشروع؟ - المشروع يراد له أن يكون نقطة أساسية في المنطقة للشركات الراغبة في العمل في المنطقة، وقد لاحظنا بالفعل اهتماما لافتا لهذه الشركات. لا تنس أن المنطقة مقبلة على تطورات مهمة، فإذا اتجهت سوريا نحو تسوية سياسة، فهذا سينعكس بالتأكيد على حركة العمل في المنطقة، خصوصا من قبل الشركات الراغبة في المشاركة في عملية إعادة الإعمار، وهي عملية ستكون كبيرة جدا نظرا للدمار الهائل. كذلك، إذا استقر الأمن في العراق، فسيكون الأردن من كبار المستفيدين. ونحن نأمل إذا حصلت التسوية واستقر الوضع في العراق وسوريا، أن تتطور الأمور نحو الأفضل. * ماذا لو لم تحصل؟ - أعتقد أن هذا لن يؤثر على النمو المتوقع في الأردن، خصوصا أن الاتجاه الآن هو نحو المزيد من التنمية، وهذا أمر جيد. * ما أسس المشروع؟ - هو شراكة بين القطاعين العام والخاص. الدولة تقدم الأرض، ونحن نقوم بالإعمار، وهذا التكامل بين القطاعين الخاص والعام أثبت نجاحه لجهة التكامل بين عاملي الديناميكية التي يتمتع بها القطاع الخاص، والثبات الذي يتمتع به القطع العام. إن فكرة التعاون بين هذين القطاعين تقدم الكثير من الفرص، ومن شأنها تطوير العمل بشكل كبير وزيادة التنمية. * ماذا يقدم هذا المشروع للأردنيين؟ - لا تنس أن هذا المشروع يؤمن آلاف الوظائف للأردنيين، وفرص العمل والاستثمار. وهذه فوائد مباشرة، يضاف إليها الفوائد غير المباشرة جراء النمو في الأعمال في وسط المدينة، وما له من تأثير على الدورة الاقتصادية بشكل عام. * ما الكلفة النهائية للمشروع؟ - خمسة مليارات دولار، لكن إذا أضفنا إليها عامل الأرض، وأدخلنا قيمتها في المشروع، فهذا من شأنه أن يزيد قيمته بنحو 1.5 مليار دولار على الأقل، وهذا من شأنه أن يجعلنا الشركة الثانية على مستوى الأردن بعد البنك العربي. * لاحظنا وجود أبراج سكنية في المشروع، فهل السكن جزء أساسي من المشروع؟ - كلا على الإطلاق. السكن هو أصغر أجزاء المشروع، وهو لا يتعدى الـ20 في المائة من المشروع، فيما تذهب الأجزاء الأخرى لصالح الأعمال والشركات. * متى تتوقعون قطف ثمار المشروع ماديا؟ - لقد بدأنا بالفعل. المشروع بدأ بالإنتاج بالفعل، فالكثير من الشركات بدأت في العمل، والأبراج السكنية المنجزة بيعت بالكامل وهي تنتظر تسجيلها على أسماء المشترين. * أين تعمل شركة «هورايزن» تحديدا؟ - في لبنان والأردن، فهما منطقتان ممتازتان للعمل في قطاع العقارات. * ولماذا تركزون على القطاع العقاري دون سواه؟ - لقد أثبتت التطورات الأخيرة أن القطاع العقاري هو القطاع الأقل تأثرا بالاهتزازات السياسية والاقتصادية. فالعقار قد تمد أسعاره في حال حصول أمر ما، لكنها لا تنهار، بل تقفز مجددا في حال عودة الاستقرار. فلم نجد أن هذا القطاع تعرض لانهيارات، بل في أسوأ الأحوال تجمد الأمور، لكن السوق تعود لتصحيح نفسها بمجرد عودة الأمور إلى مسارها الطبيعي لتعوض خسائرها.
مشاركة :