تجددت المشاحنات في البرلمان الأردني المنقسم على نفسه الاثنين، بين عدد من النواب والرئيس عبدالكريم الدغمي، الذي يواجه ضغوطا من أجل الاستقالة أو الإقالة من رئاسة البرلمان. واتخذت الضغوط أشكالا متعددة، من مقاطعة النواب جلسات التصويت على مشاريع القوانين، ما يؤدي إلى رفع الجلسة بسبب فقدان النصاب، إلى الدخول في مناوشات مباشرة مع الرئيس أخذة في التفاقم منذ أكثر من شهر. وتربك الضغوط السير العادي لجلسات البرلمان، ما يولّد حالة من الغليان تفاقم الاحتقان في البرلمان المنقسم على نفسه، والذي تهزه تجاذبات سياسية حادة منذ بداية مناقشته توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. ودخل الدغمي في مناوشة حادة مع النائبين رائد سميرات وصالح العرموطي، اللذين اعترضا على عدم منحهما الكلمة خلال مناقشة قانون الأحزاب، ليتحول الاعتراض بعد ذلك إلى تبادل للاتهامات، ما أخل بسير الجلسة. عبدالمنعم العودات: يجب ألا نساهم في أن تكون شروط تأسيس الأحزاب سيفا مسلطا على رقابها ووجه العرموطي انتقاده لرئاسة المجلس بسبب تأخير مداخلته في التعليق على مشروع قانون الأحزاب السياسية. وقال “أنا أشعر بالغربة، وياريت أن ينتهي هذا المجلس قريبا”. وحذر الدغمي، النائب سميرات من تحويله إلى لجنة السلوك، وهي لجنة تأديبية تصل عقوباتها إلى حد عزل النائب من مهامه تماما، حيث سبقت وإن اتخذت قرارا بعزل النائب أسامة العجارمة، بعد تصريحات انتقد فيها أزمة الكهرباء في بلاده، وفسّرت على أنها تحمل إهانة للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. وقال الدغمي “أنا أتحمل من الزميل ما أتحمل، وللصبر حدود، وبعد مدة سأطلب منكم إحالته إلى لجنة السلوك، إذا بقي يستفزني بهذه الطريقة”. ويرى محللون تلويح الدغمي باللجوء إلى لجنة السلوك سلاحا ذا حدين، يمكن أن يتيح نتائج عكسية تعمق حالة الاحتقان والتشنج بين النواب، بدل تطويق “حالة التشويش” التي يغرق فيها البرلمان. ويشير هؤلاء إلى أن استعجال الحكومة الأردنية في تمرير توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فاقم الضغوط من جهة أخرى على رئيس البرلمان الذي وجد نفسه مستعجلا بدوره. ويؤكد هؤلاء أن هذه التعقيدات إذا ما قررت لجنة السلوك اقتحامها ستصبح المسألة معقدة أكثر، وقد تهدد التواريخ المضبوطة سلفا لانعقاد الجلسات، وهو ما تنبه له عمليا نائبان هما سالم العمري وصالح العرموطي عندما نُقل عنهما قولهما “نتعرض لضغوط لتمرير التعديلات الدستورية وبصفة الاستعجال”. وافتتح البرلمان الأردني التاسع عشر جلساته للدورة الحالية على زخم توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ما جعله مسرحا للخلافات والتجاذبات. والشهر الماضي، شهد البرلمان فوضى عارمة وتبادلا لشتائم وعراكا بين نواب، خلال أول جلسة لمناقشة تعديلات دستورية مقترحة، أدت إلى رفع الجلسة وتأجيل انعقاد المجلس لمرتين متتاليتين. صالح العرموطي: أشعر بالغربة، ياريت ينتهي هذا المجلس في القريب العاجل وأثار ما شهده المجلس موجة سخرية شعبية عارمة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدر حينها وسم “مجلس النواب” قائمة الأكثر تداولا بالمملكة، وسط انتقادات لاذعة لما جرى، فضلا عن انتشار واسع لمقاطع مصورة لحادثة العراك في مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية. وشهدت الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في نوفمبر 2020 تراجعا في نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع، والسبب يرجع بحسب مراقبين، إلى تراكمات سابقة مردها أزمة ثقة شعبية في العملية الانتخابية من جهة، وأداء النواب من جهة أخرى. واقتصرت أعداد مقاعد الأحزاب في البرلمان الأردني هذه الدورة على 12 مقعدا فقط، و118 مستقلا (من إجمالي 130 هي جميع مقاعد المجلس). ووصف بدر الماضي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية – الأردنية (حكومية)، المشهد البرلماني بأنه “نتيجة حتمية لمجموعة من العوامل والأسباب”. وأوضح الماضي أن تلك العوامل والأسباب “ليس أقلها نوعية الأفراد المنتخبين، مرورا بقوانين انتخاب تحصر وتحدد نوعية الأعضاء المطلوبين لتمثيل الشارع، وانتهاء بتغول بعض أجزاء السلطة التنفيذية وسيطرتها على توجهات وسلوك النواب التشريعي، والذي أصبح مصدر استهجان من قبل الشارع الأردني، لا بل عدم مبالاة”. وأضاف “مجلس الأمة (البرلمان بشقيه)، وتحديدا مجلس النواب، الجناح التشريعي الآخر بالمملكة، قد فقد بريقه كمؤسسة وسلطة تشريعية يجب أن تحظى بثقة الجماهير”. وتابع “الخطوط المرسومة للسلطة التشريعية، وبخاصة مجلس النواب، لا تساعد في إفراز مجلس تشريعي قادر على أن يكون سلطة تُحدث نوعا من التوازن في السلطات الأردنية، لذا فإن رفع الوصاية عن المجلس أصبح من الضرورات الحتمية لتطور الدولة، وإنشاء علاقات متوازنة بين السلطات الثلاث”. وأقرت لجنة التشريعات في البرلمان الاثنين عددا من النصوص المنظمة لقانون الأحزاب السياسية، كتحديد مدة الأمين العام للحزب بدورتين متتاليتين وتخفيض نسبة تمثيلية الشباب والمرأة داخل الأحزاب من 20 في المئة إلى 10 في المئة، ما أثار انتقادات نيابية نسوية رأت في الخطوة تراجعا عن تمكين المرأة. وتطالب ناشطات أردنيات بضرورة إيجاد قانون انتخاب عصري يلبي الطموحات، ويعزز المشاركة في الانتخابات. استعجال الحكومة الأردنية في تمرير توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فاقم الضغوط من جهة أخرى على رئيس البرلمان الذي وجد نفسه مستعجلا بدوره وأوضح رئيس اللجنة القانونية عبدالمنعم العودات أن “تخفيض النسبة جاء للوصول إلى النموذج الديمقراطي الذي نهدف إليه، فالانتقال السريع هو قفزة في الهواء، فنحن نريد الصعود المتوازن والمتزن”. وأضاف “يجب ألا نساهم في أن تكون شروط تأسيس الأحزاب سيفا مسلطا على رقابها”. وأشار إلى أنه سيتم التدرج في زيادة النسبة مع مرور الوقت”. وتراجعت نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب الـتاسع عشر الذي تم انتخابه في 2020 بنسبة وصلت إلى 11.5 في المئة، مكتفية بمقاعد الكوتا النسائية التي بلغت 15 مقعدا، بعد أن كانت قد حصلت على 20 مقعدا في مجلس النواب السابق. ويرى مراقبون أن النظام الانتخابي على الرغم من تضمينه نسبة حضور للمرأة حسب نظام الكوتا، إلا أنها نسبة لم تنسجم مع دور المرأة السياسي والاجتماعي والثقافي في المملكة.
مشاركة :