في 24 فبراير 2022. بعد أسابيع من التوتر المتصاعد بين روسيا والقوى الغربية، دفع «فلاديمير بوتين» أوروبا إلى الحرب، حيث أمر بغزو أوكرانيا بقوة يزيد عددها على 150.000 جندي. وحذر المحللون الغربيون من احتمالية المزيد من التصعيد ونشوب صراع طويل الأمد. ووفقًا لـ«آنا بورشيفسكايا»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، فإن بوتين «أخطأ التقدير» في غزو أوكرانيا، حيث توقع «نصرًا سريعًا وسهلاً». وبشكل عام، فإن احتمالية تأثير الحرب في أوكرانيا على أجزاء أخرى من العالم، قد ارتفعت بشكل ملحوظ، لا سيما في الشرق الأوسط؛ نظرًا إلى تاريخها كمنطقة تنافس على النفوذ بين روسيا والقوى الغربية. وحذرت «بورشيفسكايا»، من بعض التحليلات غير الواقعية، التي تميل إلى «الفصل» بين تأثير الحرب على الأصعدة الأوروبية والشرق أوسطية، قائلة إن: هذه «وجهة نظر مفرطة في السذاجة»، نظرًا إلى كون موقع دول الشرق الأوسط في «كامل الجناح الجنوبي لحلف الناتو». ومن المؤكد أن اندلاع الحرب في أوروبا وضع عددًا من دول الشرق الأوسط في موقف حرج، حيث تواصل موازنة علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وروسيا، وسط التوترات بين القوتين. وعلق «دانيال برومبرج»، من جامعة «جورج تاون»، قائلا: إن «الآثار واسعة النطاق للصراع الأوكراني على الشرق الأوسط والعالم العربي، هي نتيجة الدبلوماسية الإقليمية «الذكية» لروسيا في السنوات الأخيرة، والتي حافظت من خلالها على علاقات مع مجموعة من القوى الإقليمية في المنطقة». وبالمثل، أشار «خليل جهشان»، من «المركز العربي واشنطن دي سي»، إلى أن روسيا استغلت حقيقة أن الولايات المتحدة «تنحرف ببطء» عن «التزاماتها تجاه الشرق الأوسط». ونتيجة لذلك، كان رد فعل القادة ومقرري السياسات في جميع أنحاء المنطقة، ضرورة توخي الحذر عقب اندلاع الأعمال العدائية في أوكرانيا، حيث لم يرغبوا في الإضرار بعلاقاتهم مع موسكو بالانخراط في الإدانات الغربية الشديدة لأفعال بوتين. وكتب «ديفيد كلاود»، و«بينويت فوكون»، و«سومر سعيد»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن بعض الدول العربية، وكذلك إسرائيل «تخفف من انتقاداتها لموسكو»، ما يدل على تنامي نفوذها في المنطقة. وقالت «كارين يونغ»، من «معهد الشرق الأوسط»، إن «بوتين تمكن من خلق نفوذ مع القادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط»، تاركًا إياهم فوق حبل دبلوماسي مشدود بين الأطراف المتنافسة في هذا الصراع. ووفقًا لـ«راندا سليم»، من «معهد الشرق الأوسط»، فإن الحذر الذي تبديه القوى الإقليمية الفاعلة مدفوع بأسباب «سياسية واقتصادية»، حيث أصبح الوقوف على مسافة واحدة بين موسكو وواشنطن، «الخيار الاعتيادي»، خصوصا في ظل توتر العلاقات مع الأخيرة، مشيرة إلى أن «الحفاظ» على تحالف «أوبك بلس»، الذي تتشارك في قيادته السعودية وروسيا، هو «مفتاح» التعافي الاقتصادي للعديد من الدول المنتجة للنفط في المنطقة. وأوضح «كلاود»، و«فوكون»، و«سعيد»، أن السعودية والدول الأخرى المصدرة للنفط، لا تريد أن «تُخل» بالالتزام المتفق عليه بزيادة إنتاج النفط شهريًا، بمقدار 400 ألف برميل يوميًا، والذي ساعد في انتعاشها الاقتصادي بعد جائحة كورونا. وكما أوضحت «بورشيفسكايا»، فقد أدى ذلك الوضع إلى إخفاق بعض شركاء واشنطن بالمنطقة في الالتزام بنهج إدارة بايدن، في ظل أن روسيا لا تتمتع بعلاقات جيدة مع جميع دول الشرق الأوسط فحسب، بل طورت أيضًا «نفوذًا نفعيًا». ولذلك، فإن العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية «حريصة» بشأن كيفية معالجة هذا الصراع علنًا. وعلى وجه الخصوص، رفضت السعودية بالفعل طلب الولايات المتحدة ضخ المزيد من النفط، بينما امتنعت الإمارات عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي، الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. ووفقًا لـ«ديفيد جاردنر»، من صحيفة «فاينانشيال تايمز»، فإن استمرار «الغموض أو التناقض» من دول الشرق الأوسط، قد يصبح «أكثر صعوبة»، إذا قرر بوتين «تدمير» المدن الأوكرانية الكبرى في محاولة لتسريع تقدم قواته. ومع ذلك، وعلى الرغم من الانقسام الواضح بين واشنطن وبعض حلفائها، أشار كل من «كلاود»، و«فوكون»، و«سعيد»، إلى أن هناك «اتفاقا أكبر بكثير مما هو مُعلن»، حول «خطوات لتهدئة أسواق الطاقة، وتجنب الصدمات الاقتصادية، إذا أطالت روسيا أمد الصراع». ووفقًا لمسؤول أمريكي، فإن المحادثات رفيعة المستوى المستمرة بين البيت الأبيض ونظرائهم السعوديين؛ تهدف إلى ضمان تنسيق البلدين وتقبلهما لقرارات بعضهما البعض. ومع استمرار الصراع في أوكرانيا، سيتعين على دول الشرق الأوسط أيضًا أن تكون حذرة من اكتساب روسيا نفوذًا أكبر بشأن الأمن الغذائي لدول المنطقة. وكما أوضح «برومبرج»، فإن الوقف المحتمل لصادرات الحبوب الأوكرانية «يطرح مشكلة إنسانية ضخمة للشرق الأوسط»، ويؤدي إلى تفاقم «الأزمة القائمة في بلدان مثل لبنان وسوريا». وحذرت «بورشيفسكايا»، من أن بوتين قد يكون قادرًا على ممارسة المزيد من الضغط الاقتصادي على دول الشرق الأوسط، إذا تمكن من السيطرة على المناطق الصناعية الساحلية في أوكرانيا. ووفقًا لـ«بريان كاتوليس»، من «معهد الشرق الأوسط»، فإن «نصف صادرات القمح الأوكرانية تذهب إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، بينما توفر روسيا «الكثير من قمح المنطقة أيضًا»، ما يوضح أهمية هذه القضية. لذلك، لاحظت «سليم»، أن الحياد الذي أبدته بعض دول شمال إفريقيا على وجه الخصوص يدل على رغبتها في تقليل تأثير الصراع على أمنها الغذائي». وعلى عكس القوى الإقليمية الأخرى، كانت تركيا أقوى في إدانتها لأعمال روسيا على الرغم من احتفاظ الأخيرة بنقاط نفوذ قوية نحو أنقرة؛ بالنظر إلى أنها توفر ما يقرب من نصف احتياجات الغاز الطبيعي التركي وثلثي وارداتها من القمح. وترى «جونول تول»، من «معهد الشرق الأوسط»، بأن وصف تركيا للغزو الروسي لأوكرانيا، بأنه «حرب»، كان بمثابة تحول دراماتيكي لخطابها، ورسالة منها إلى واشنطن بنيتها «إصلاح العلاقات مع الغرب»، والعمل وفقًا لبقية دول الناتو. وفي نفس المنحى، وصف «سونر كاجابتاي»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، موقف أنقرة من الصراع، بأنه اتسم «بالحيادية المغلفة بالتأييد الكامل لكييف»، ما يعني أنها تتبنى الحياد علنًا، لكن مع دعمها لأوكرانيا بمهارة وحنكة، من خلال توفير التكنولوجيا العسكرية مثل الطائرات المسيرة. وعلى هذا النحو، علق بأن هناك فرصة لأن يؤدي الصراع في أوكرانيا إلى «دخول العلاقة بين أردوجان وبوتين دائرة الضوء»، وإنهاء «الرابطة القوية» التي تمتع بها الزعيمان سابقًا. وربما قد يكون لهذا التقارب المحتمل بين تركيا وحلفائها بالناتو تأثير كبير على ميزان القوى في المنطقة، لا سيما بالنظر إلى محاولات أردوجان الأخيرة إصلاح العلاقات مع دول الخليج. ونتيجة لذلك، حذر «تشارلز ليستر»، من «معهد الشرق الأوسط»، من أن تدهور العلاقات الروسية التركية، قد يجعل الوضع في شمال سوريا «هشًا للغاية»؛ نظرًا إلى أهمية التعاون الأمني، الذي يوليه كلا البلدين لتلك المنطقة تحديدًا، مضيفًا أن الغزو الروسي لأوكرانيا، «يبدو أنه سيكون له تأثير عميق في سوريا»، مؤكدا أن العملية الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة في تلك الدولة التي مزقتها الحرب، ربما تكون قد «تعرضت لضربة قاتلة» نتيجة لقرار بوتين غزو أحد جيرانه المباشرين، محذرًا من أن روسيا قد تستخدم الآن حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن الرئيسية، التي تسمح بتقديم المساعدة لسوريا عبر تركيا، ما قد «يعجل بأزمة إنسانية خانقة». وفيما يتعلق بالسياسة الأمنية على وجه التحديد، أشار «ليستر»، أيضًا إلى أنه من «المحتمل جدًا» الآن أن تبدأ القوات الروسية «قريبًا في تحدي خطوط عدم التضارب مع واشنطن»، المعنية بمنع الصدام بين القوات والطائرات الروسية والأمريكية على الأراضي والأجواء السورية، ما قد يدفعها إلى مواجهة مع الولايات المتحدة. لكن في الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك أي نية لدى الأمريكيين لتغيير وجودهم العسكري في الشرق الأوسط. وحول هذه النقطة، رأى «جرانت روملي»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أنه لن يكون هناك «تأثير كبير» على المدى القريب في الوجود الأمريكي جراء غزو أوكرانيا، ولا سيما أن معظم التعزيزات التي تم إرسالها إلى الجناح الشرقي لحلف الناتو، كانت من الدول الأوروبية فحسب. وبالنسبة إلى التوقعات المستقبلية، لا يتوقع «روملي»، تغييرات كبرى في مراجعة الموقف العالمي لإدارة بايدن من وجود القوات الأمريكية في الخارج، ولكن «هناك توجه إلى إعادة تخصيص» الموارد العسكرية المتاحة بالشرق الأوسط. على العموم، حذر «جورج كينان»، مهندس سياسة الاحتواء الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي عام 1998 من أن توسع الناتو إلى حدود روسيا، يمكن أن يكون «بداية حرب باردة جديدة». والآن بعد أن طالبت الولايات المتحدة مرة أخرى حلفاءها بمساعدتها في زيادة العزلة الدبلوماسية لروسيا في أعقاب غزو أوكرانيا؛ يمكن للعالم أن يتجه إلى حقبة من التنافس بين القوى العظمى، يكون لها تداعيات كبرى على الشرق الأوسط. وفي ظل أن موسكو أقامت علاقات أوثق مع العديد من دول الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، فإن هذه الدول تواجه الآن وضعًا جيوسياسيًا حساسًا، حيث من المتوقع أن تتصاعد حدة المنافسة الاستراتيجية الغربية مع روسيا بشكل حاد. وحتى الآن، حاولت العديد من القوى الإقليمية البقاء على مسافة واحدة من هذه التطورات. ومع تعمق الانقسامات، قد تنتشر الآثار المباشرة للنزاع في المنطقة؛ حيث سيكون تزايد القلق بشأن نقص الغذاء والتصعيد المحتمل في سوريا، في طليعة أذهان صانعي السياسات.
مشاركة :