«أزمة أوكرانيا» وتأثيرها على المدى الطويل في الشرق الأوسط

  • 3/10/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭. ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬المتصاعد‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والقوى‭ ‬الغربية،‭ ‬دفع‭ ‬‮«‬فلاديمير‭ ‬بوتين‮»‬‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬الحرب،‭ ‬حيث‭ ‬أمر‭ ‬بغزو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بقوة‭ ‬يزيد‭ ‬عددها‭ ‬على‭ ‬150.000‭ ‬جندي‭. ‬وحذر‭ ‬المحللون‭ ‬الغربيون‭ ‬من‭ ‬احتمالية‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬ونشوب‭ ‬صراع‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭. ‬ووفقًا‭ ‬لـ«آنا‭ ‬بورشيفسكايا‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬واشنطن‭ ‬لسياسة‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬بوتين‭ ‬‮«‬أخطأ‭ ‬التقدير‮»‬‭ ‬في‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬حيث‭ ‬توقع‭ ‬‮«‬نصرًا‭ ‬سريعًا‭ ‬وسهلاً‮»‬‭.‬ وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬فإن‭ ‬احتمالية‭ ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬قد‭ ‬ارتفعت‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬تاريخها‭ ‬كمنطقة‭ ‬تنافس‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والقوى‭ ‬الغربية‭. ‬وحذرت‭ ‬‮«‬بورشيفسكايا‮»‬،‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬التحليلات‭ ‬غير‭ ‬الواقعية،‭ ‬التي‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الفصل‮»‬‭ ‬بين‭ ‬تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الأصعدة‭ ‬الأوروبية‭ ‬والشرق‭ ‬أوسطية،‭ ‬قائلة‭ ‬إن‭: ‬هذه‭ ‬‮«‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مفرطة‭ ‬في‭ ‬السذاجة‮»‬،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬كون‭ ‬موقع‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬‮«‬كامل‭ ‬الجناح‭ ‬الجنوبي‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‮»‬‭.‬ ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وضع‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬حرج،‭ ‬حيث‭ ‬تواصل‭ ‬موازنة‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا،‭ ‬وسط‭ ‬التوترات‭ ‬بين‭ ‬القوتين‭. ‬وعلق‭ ‬‮«‬دانيال‭ ‬برومبرج‮»‬،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬‮«‬جورج‭ ‬تاون‮»‬،‭ ‬قائلا‭: ‬إن‭ ‬‮«‬الآثار‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬للصراع‭ ‬الأوكراني‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والعالم‭ ‬العربي،‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الإقليمية‭ ‬‮«‬الذكية‮»‬‭ ‬لروسيا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬والتي‭ ‬حافظت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮»‬‭. ‬وبالمثل،‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬خليل‭ ‬جهشان‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬واشنطن‭ ‬دي‭ ‬سي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬استغلت‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬تنحرف‭ ‬ببطء‮»‬‭ ‬عن‭ ‬‮«‬التزاماتها‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬‭.‬ ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬القادة‭ ‬ومقرري‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬المنطقة،‭ ‬ضرورة‭ ‬توخي‭ ‬الحذر‭ ‬عقب‭ ‬اندلاع‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يرغبوا‭ ‬في‭ ‬الإضرار‭ ‬بعلاقاتهم‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬بالانخراط‭ ‬في‭ ‬الإدانات‭ ‬الغربية‭ ‬الشديدة‭ ‬لأفعال‭ ‬بوتين‭. ‬وكتب‭ ‬‮«‬ديفيد‭ ‬كلاود‮»‬،‭ ‬و‮«‬بينويت‭ ‬فوكون‮»‬،‭ ‬و«سومر‭ ‬سعيد‮»‬،‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وكذلك‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬تخفف‭ ‬من‭ ‬انتقاداتها‭ ‬لموسكو‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬تنامي‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وقالت‭ ‬‮«‬كارين‭ ‬يونغ‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬إن‭ ‬‮«‬بوتين‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬نفوذ‭ ‬مع‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬تاركًا‭ ‬إياهم‭ ‬فوق‭ ‬حبل‭ ‬دبلوماسي‭ ‬مشدود‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنافسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭.‬ ووفقًا‭ ‬لـ«راندا‭ ‬سليم‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬الحذر‭ ‬الذي‭ ‬تبديه‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الفاعلة‭ ‬مدفوع‭ ‬بأسباب‭ ‬‮«‬سياسية‭ ‬واقتصادية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واحدة‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وواشنطن،‭ ‬‮«‬الخيار‭ ‬الاعتيادي‮»‬،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬توتر‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحفاظ‮»‬‭ ‬على‭ ‬تحالف‭ ‬‮«‬أوبك‭ ‬بلس‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬تتشارك‭ ‬في‭ ‬قيادته‭ ‬السعودية‭ ‬وروسيا،‭ ‬هو‭ ‬‮«‬مفتاح‮»‬‭ ‬التعافي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وأوضح‭ ‬‮«‬كلاود‮»‬،‭ ‬و«فوكون‮»‬،‭ ‬و«سعيد‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬السعودية‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط،‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تُخل‮»‬‭ ‬بالالتزام‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬بزيادة‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬شهريًا،‭ ‬بمقدار‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬والذي‭ ‬ساعد‭ ‬في‭ ‬انتعاشها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بعد‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭.‬ وكما‭ ‬أوضحت‭ ‬‮«‬بورشيفسكايا‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬الوضع‭ ‬إلى‭ ‬إخفاق‭ ‬بعض‭ ‬شركاء‭ ‬واشنطن‭ ‬بالمنطقة‭ ‬في‭ ‬الالتزام‭ ‬بنهج‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لا‭ ‬تتمتع‭ ‬بعلاقات‭ ‬جيدة‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬طورت‭ ‬أيضًا‭ ‬‮«‬نفوذًا‭ ‬نفعيًا‮»‬‭. ‬ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬الإقليمية‭ ‬‮«‬حريصة‮»‬‭ ‬بشأن‭ ‬كيفية‭ ‬معالجة‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬علنًا‭. ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬رفضت‭ ‬السعودية‭ ‬بالفعل‭ ‬طلب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ضخ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬النفط،‭ ‬بينما‭ ‬امتنعت‭ ‬الإمارات‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬الذي‭ ‬يدين‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬ووفقًا‭ ‬لـ«ديفيد‭ ‬جاردنر‮»‬،‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬فاينانشيال‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬استمرار‭ ‬‮«‬الغموض‭ ‬أو‭ ‬التناقض‮»‬‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬صعوبة‮»‬،‭ ‬إذا‭ ‬قرر‭ ‬بوتين‭ ‬‮«‬تدمير‮»‬‭ ‬المدن‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتسريع‭ ‬تقدم‭ ‬قواته‭.‬ ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬الواضح‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبعض‭ ‬حلفائها،‭ ‬أشار‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬‮«‬كلاود‮»‬،‭ ‬و«فوكون‮»‬،‭ ‬و«سعيد‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬اتفاقا‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬مُعلن‮»‬،‭ ‬حول‭ ‬‮«‬خطوات‭ ‬لتهدئة‭ ‬أسواق‭ ‬الطاقة،‭ ‬وتجنب‭ ‬الصدمات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬إذا‭ ‬أطالت‭ ‬روسيا‭ ‬أمد‭ ‬الصراع‮»‬‭. ‬ووفقًا‭ ‬لمسؤول‭ ‬أمريكي،‭ ‬فإن‭ ‬المحادثات‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬المستمرة‭ ‬بين‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬ونظرائهم‭ ‬السعوديين؛‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬تنسيق‭ ‬البلدين‭ ‬وتقبلهما‭ ‬لقرارات‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭.‬ ومع‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬سيتعين‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حذرة‭ ‬من‭ ‬اكتساب‭ ‬روسيا‭ ‬نفوذًا‭ ‬أكبر‭ ‬بشأن‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭. ‬وكما‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬برومبرج‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬الوقف‭ ‬المحتمل‭ ‬لصادرات‭ ‬الحبوب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬‮«‬يطرح‭ ‬مشكلة‭ ‬إنسانية‭ ‬ضخمة‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬ويؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬‮«‬الأزمة‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‮»‬‭. ‬وحذرت‭ ‬‮«‬بورشيفسكايا‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬بوتين‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إذا‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬الصناعية‭ ‬الساحلية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬ووفقًا‭ ‬لـ«بريان‭ ‬كاتوليس‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬نصف‭ ‬صادرات‭ ‬القمح‭ ‬الأوكرانية‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‮»‬،‭ ‬بينما‭ ‬توفر‭ ‬روسيا‭ ‬‮«‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قمح‭ ‬المنطقة‭ ‬أيضًا‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يوضح‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭. ‬لذلك،‭ ‬لاحظت‭ ‬‮«‬سليم‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الحياد‭ ‬الذي‭ ‬أبدته‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬تأثير‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬أمنها‭ ‬الغذائي‮»‬‭.‬ وعلى‭ ‬عكس‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الأخرى،‭ ‬كانت‭ ‬تركيا‭ ‬أقوى‭ ‬في‭ ‬إدانتها‭ ‬لأعمال‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬احتفاظ‭ ‬الأخيرة‭ ‬بنقاط‭ ‬نفوذ‭ ‬قوية‭ ‬نحو‭ ‬أنقرة؛‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬توفر‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬احتياجات‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬التركي‭ ‬وثلثي‭ ‬وارداتها‭ ‬من‭ ‬القمح‭. ‬وترى‭ ‬‮«‬جونول‭ ‬تول‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬بأن‭ ‬وصف‭ ‬تركيا‭ ‬للغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬حرب‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬تحول‭ ‬دراماتيكي‭ ‬لخطابها،‭ ‬ورسالة‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬بنيتها‭ ‬‮«‬إصلاح‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الغرب‮»‬،‭ ‬والعمل‭ ‬وفقًا‭ ‬لبقية‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭.‬ وفي‭ ‬نفس‭ ‬المنحى،‭ ‬وصف‭ ‬‮«‬سونر‭ ‬كاجابتاي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬واشنطن‭ ‬لسياسة‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‮»‬،‭ ‬موقف‭ ‬أنقرة‭ ‬من‭ ‬الصراع،‭ ‬بأنه‭ ‬اتسم‭ ‬‮«‬بالحيادية‭ ‬المغلفة‭ ‬بالتأييد‭ ‬الكامل‭ ‬لكييف‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬تتبنى‭ ‬الحياد‭ ‬علنًا،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬دعمها‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬بمهارة‭ ‬وحنكة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬مثل‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭. ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬علق‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬لأن‭ ‬يؤدي‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬دخول‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬أردوجان‭ ‬وبوتين‭ ‬دائرة‭ ‬الضوء‮»‬،‭ ‬وإنهاء‭ ‬‮«‬الرابطة‭ ‬القوية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تمتع‭ ‬بها‭ ‬الزعيمان‭ ‬سابقًا‭. ‬وربما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لهذا‭ ‬التقارب‭ ‬المحتمل‭ ‬بين‭ ‬تركيا‭ ‬وحلفائها‭ ‬بالناتو‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬محاولات‭ ‬أردوجان‭ ‬الأخيرة‭ ‬إصلاح‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭.‬ ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬حذر‭ ‬‮«‬تشارلز‭ ‬ليستر‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تدهور‭ ‬العلاقات‭ ‬الروسية‭ ‬التركية،‭ ‬قد‭ ‬يجعل‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭ ‬‮«‬هشًا‭ ‬للغاية»؛‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني،‭ ‬الذي‭ ‬يوليه‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬لتلك‭ ‬المنطقة‭ ‬تحديدًا،‭ ‬مضيفًا‭ ‬أن‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬‮«‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬عميق‭ ‬في‭ ‬سوريا‮»‬،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬العملية‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬مزقتها‭ ‬الحرب،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬‮«‬تعرضت‭ ‬لضربة‭ ‬قاتلة‮»‬‭ ‬نتيجة‭ ‬لقرار‭ ‬بوتين‭ ‬غزو‭ ‬أحد‭ ‬جيرانه‭ ‬المباشرين،‭ ‬محذرًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬قد‭ ‬تستخدم‭ ‬الآن‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬ضد‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الرئيسية،‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بتقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬لسوريا‭ ‬عبر‭ ‬تركيا،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬‮«‬يعجل‭ ‬بأزمة‭ ‬إنسانية‭ ‬خانقة‮»‬‭.‬ وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسياسة‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬أشار‭ ‬‮«‬ليستر‮»‬،‭ ‬أيضًا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬‮«‬المحتمل‭ ‬جدًا‮»‬‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬‮«‬قريبًا‭ ‬في‭ ‬تحدي‭ ‬خطوط‭ ‬عدم‭ ‬التضارب‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‮»‬،‭ ‬المعنية‭ ‬بمنع‭ ‬الصدام‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬والطائرات‭ ‬الروسية والأمريكية على‭ ‬الأراضي‭ ‬والأجواء‭ ‬السورية،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬لدى‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لتغيير‭ ‬وجودهم‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وحول‭ ‬هذه‭ ‬النقطة،‭ ‬رأى‭ ‬‮«‬جرانت‭ ‬روملي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬واشنطن‭ ‬لسياسة‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬تأثير‭ ‬كبير‮»‬‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬الأمريكي‭ ‬جراء‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬التعزيزات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إرسالها‭ ‬إلى‭ ‬الجناح‭ ‬الشرقي‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬فحسب‭. ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬التوقعات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬‮«‬روملي‮»‬،‭ ‬تغييرات‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬مراجعة‭ ‬الموقف‭ ‬العالمي‭ ‬لإدارة‭ ‬بايدن‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬ولكن‭ ‬‮«‬هناك‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تخصيص‮»‬‭ ‬الموارد‭ ‬العسكرية‭ ‬المتاحة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ على‭ ‬العموم،‭ ‬حذر‭ ‬‮«‬جورج‭ ‬كينان‮»‬،‭ ‬مهندس‭ ‬سياسة‭ ‬الاحتواء‭ ‬الأمريكية‭ ‬ضد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬توسع‭ ‬الناتو‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬روسيا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬بداية‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬جديدة‮»‬‭. ‬والآن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طالبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬حلفاءها‭ ‬بمساعدتها‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬العزلة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لروسيا‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا؛‭ ‬يمكن‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬يتجه‭ ‬إلى‭ ‬حقبة‭ ‬من‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تداعيات‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ وفي‭ ‬ظل‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬أقامت‭ ‬علاقات‭ ‬أوثق‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تواجه‭ ‬الآن‭ ‬وضعًا‭ ‬جيوسياسيًا‭ ‬حساسًا،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتصاعد‭ ‬حدة‭ ‬المنافسة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬بشكل‭ ‬حاد‭. ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬حاولت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭. ‬ومع‭ ‬تعمق‭ ‬الانقسامات،‭ ‬قد‭ ‬تنتشر‭ ‬الآثار‭ ‬المباشرة‭ ‬للنزاع‭ ‬في‭ ‬المنطقة؛‭ ‬حيث‭ ‬سيكون‭ ‬تزايد‭ ‬القلق‭ ‬بشأن‭ ‬نقص‭ ‬الغذاء‭ ‬والتصعيد‭ ‬المحتمل‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬أذهان‭ ‬صانعي‭ ‬السياسات‭.‬

مشاركة :