يحتفل العالم في الثامن من مارس كل عام بيوم المرأة العالمي، في إطار موضوع تُحدد أهدافه كل عام بما يخدم تحقيق مزيد من التنمية المأمولة للمرأة في مختلف المجالات، ويسهم في تعزيز سبل تحسين حالتها الاجتماعية والاقتصادية، ويسعى نحو معالجة ما تواجه من تحديات وعراقيل مجحفة، بوضع سياسات وإجراءات موجهة تدفع نحو تحقيق التمكين الفعلي للمرأة، بما يشمل جميع مستحقاتها في إدارة حياتها وأسرتها وبما ينعكس على تنمية اجتماعية مستدامة. «المساواة بين الجنسين القائمة على النوع الاجتماعي اليوم من أجل غد مستدام»، هو الموضوع المستهدف في 2022، والذي تمحور حول تعزيز المساواة المبنية على النوع الاجتماعي في ظل أزمة المناخ والحد من أخطار الكوارث، كأحد أكبر التحديات العالمية في القرن الحادي والعشرين، باعتبار أن النساء أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ من الرجال، لكونهن يشكلن غالبية فقراء العالم وهن أكثر اعتمادًا على الموارد الطبيعية التي يهددها تغير المناخ بشكل خاص، رغم انخفاض نسبة امتلاكهن لتلك الموارد (كالأراضي الزراعية)! إذ تساهم النساء في إنتاج الغذاء في العالم بنسبة 50-80% من العاملين، لكنهن يمتلكن أقل من 10% من الأرض المزروعة. على الصعيد العملي يؤكد التقرير الأممي؛ أن النساء والفتيات قائدات فعالات وصانعات تغيير في معظم المجالات التي يعملن بها، بل إنهن شريكات ومساهمات بارزات في الجهود والمبادرات ذات الصلة بالتخفيف من حدة التغير المناخي والتكيف معه؛ فينخرطن في المبادرات المتعلقة بالاستدامة حول العالم، وإن مشاركتهن وقيادتهن دائمًا ما تثمر عن عمل مناخي أكثر فعالية. وعليه فإن دراسة الفرص والعوائق التي تعرقل تمكين النساء والفتيات، وتحول دون إيصال أصواتهن ومشاركتهن في صنع القرارات، جديرة بالاهتمام والدراسة وتستحق تسليط الضوء عليها لمعالجتها، ومنها تلك المسائل المتعلقة بالتغير المناخي والاستدامة، إذا أردنا تحقيق مبدأ التنمية المستدامة وترسيخ المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، حيث إنه لا يمكننا الاطمئنان لمستقبل مستدام أو متساو من دون تحقيق المساواة المبنية على النوع الاجتماعي. تشير البيانات الدولية إلى ضعف وخلل في سياسات تمكين المرأة في حال تجاهل المساواة في النوع الاجتماعي في الفرص المتاحة المجزية- ذات الأجر المدفوع- إذ إن ما تقوم به النساء من أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر تساوي ثلاثة أضعاف ما يقوم به الرجال، وإنه في حال استمرار ذلك التباين في الحقوق والفرص، سيستغرق تحقيق المساواة بين الجنسين في المناصب العليا نحو 130 عاما! وعلى الرغم من أن 70% من العاملين في المجال الصحي على المستوى العالمي من النساء، فإنهن يشكلن 70% من عدد 1.3 مليار شخص في العالم يعيشون في ظروف من الفقر والفاقة، وإنهن يتحملن مسؤولية إعالة 40% من الأسر الفقيرة في المناطق الحضرية، ومن جانب آخر فإن النساء والفتيات يشكلن 40% من النازحين حول العالم بسبب الكوارث والتغيرات المناخية. القضاء على أشكال التمييز ضد النساء والفتيات لا يمثل حقا أساسياً من حقوق الإنسان فحسب، وإنما هو عامل حاسم نحو التعجيل بتحقيق التنمية المستدامة، بالمشاركة في دفع عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي، ومما لا شك فيه فإن العنف والاستغلال والعبء غير المتكافئ، والعمل في مجال الرعاية غير مدفوعة الأجر، والتمييز في المناصب العامة، تظل حواجز جسيمة في سبيل تحقيق المساواة بين الجنسين. تعزيز السياسات والتشريعات والقوانين الخاصة بتمكين المرأة، ومنحها حقوقها الشخصية والتشريعية فيما يتعلق بالحياة العامة ونظام العمل وآليته بما يتيح تقلدها مناصب قيادية؛ سيسهم في تحقيق مزيد من التمكين للمرأة، ويساعد في تحسين ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، إذ إن مشاركة المرأة في صنع القرارات المؤسسية ومساهمتها في وضع الخطط التنموية والاستراتيجية؛ يعالج الكثير من التحديات التي تواجه الأسر والمجتمع في ظروف المعيشة، ويساعد في بناء سلوكيات صحيحة تخدم تحقيق التنمية المستدامة في الموارد الاقتصادية كافة، ومختلف المجالات الاستهلاكية العامة، باعتبار المرأة راعية ومربية وشريكة في مسؤولية الأسرة والمجتمع. على الصعيد الوطني، بفضل من الله ثم بفضل قيادة حكيمة واعية تستشعر المسؤولية الوطنية وتلتزم وتهتم بمعالجة ما نواجه من تحديات في تحقيق تنمية مستدامة لبناء حاضر زاهر وغد أجمل ومستدام؛ فإن السعودية حققت قفزة تنموية غير مسبوقة في مجال تمكين المرأة خلال الخمس سنوات السابقة، ما جعلها تحتل مرتبة متقدمة عالمياً في ما يتعلق بالسياسات الإصلاحية والتشريعات التي حظيت بها المرأة، وذلك عبر قاعدة متينة من الإصلاحات التشريعية القانونية والامتيازات الحقوقية المطورة لقوانين وأنظمة الأحوال الشخصية والمدنية الخاصة بالمرأة، والتي كانت سابقاً سبباً في ضعف تمكين المرأة لعقود مضت، وأسهمت في تقييد مشاركتها الاجتماعية والاقتصادية في إطار من القوانين والأنظمة الجامدة، التي أعاقت قدرة المرأة وتمكينها من تحقيق تطلعاتها وعطلت من إمكانية مشاركتها الفاعلة في بناء المجتمع تنموياً، بل وحرمتها من تطوير مهاراتها وقدراتها بما يناسب تعليمها وتأهيلها. منظومة التشريعات وحزمة الإصلاحات الحقوقية الخاصة بالمرأة، أسهمت في تغيير صورة السعودية اليوم، وتسعى نحو إرساء قاعدة راسخة ومتينة من التحولات التنموية التي يحتاجها المجتمع، وتتطلبها حاجات المرأة وتطلعاتها المتنامية نحو المشاركة في بناء مستقبل أفضل لها ولأسرتها وللوطن الذي يحتضنها، في إطار من اللوائح والقوانين التي تحترم خصوصية المرأة ومستحقاتها، وتقدر حقوق الإنسان وحريته القائمة على مبدأ المساواة بين الجنسين، بما يستهدف تحقيق تنمية اجتماعية مستدامة، تستند على قوانين تشريعية، ومرتكزات دينية احتوتها نصوص القرآن والسنة.
مشاركة :