قفزت تقلبات أسعار السلع إلى مستوى عالٍ مع تطور الصراع الروسي الأوكراني واحتمالية فرض حظر على النفط الروسي. وتأرجحت أسعار الطاقة والمعادن والحبوب، الأمر الذي يدعم توقعات بارتفاع التضخم. وقد قال جون وين- إيفانز، رئيس استراتيجية الاستثمار بشركة إدارة الاستثمار (إنفستك ويلث آند إنفستمينت)، إنه حتى لو لم ينتشر الصراع نفسه أكثر من ذلك، "فمن شبه المؤكد أن آثاره الاقتصادية ستنتقل بشكل أساسي من خلال ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مع التركيز على الغاز الطبيعي والنفط والحبوب". فقد لامست العقود الآجلة الهولندية القياسية للغاز الطبيعي لفترة وجيزة مستوى قياسيا مرتفعا بلغ 345 يورو (375 دولارا أمريكيا) لكل ميجاوات/ ساعة يوم الاثنين. وأظهرت إحصاءات رسمية أن روسيا تمثل نحو 40 في المائة من واردات الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي. وتجاوزت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا قطاع الطاقة إلى حد كبير، لكن التجار مازالوا قلقين بشأن احتمال تعطل الإمدادات. وصرح فو شياو، رئيس استراتيجية أسواق السلع الأساسية في بنك الصين الدولي، لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن "أوروبا لا يزال لديها ما يكفي من الإمدادات لتلبية الطلب على التدفئة هذا الربيع"، مضيفا "ولكن إعادة التخزين خلال الصيف لموسم التدفئة التالي يمكن أن يمثل تحديا كبيرا". شهدت أسعار النفط تقلبا يوميا كبيرا يوم الاثنين، حيث ارتفع خام برنت، وهو معيار عالمي، إلى أكثر من 139 دولارا في التعاملات المبكرة بسبب الخوف من حظر نفطي محتمل، ليصل إلى أعلى مستوى منذ 14 عاما تقريبا. وكان قد بلغ 147.50 دولارا في يوليو 2008. ضربت هذه الزيادة أسواق الأسهم الأوروبية، "لأن الصدمات التي تتعرض لها سوق النفط غالبا ما تمهد الطريق لحالات من الركود"، حسبما ذكرت شركة التكنولوجيا المالية (فينتيك). أدت تقلبات السوق الجارية حاليا إلى ارتفاع سعر الذهب العالمي إلى أكثر من ألفي دولار للأونصة. ومع قلق المستثمرين بشأن العواقب الجيوسياسية والاقتصادية للصراع الروسي الأوكراني، استمر الطلب على أصول الملاذ الآمن في الزيادة. وفي هذا الصدد، قال كريس بوشامب المحلل بمزوِّد خدمات التداول، شركة (آي جي) البريطانية، إنه بعد الأداء القوي، سيتجه السعر إلى المستوى المرتفع الذي سجله في أوائل أغسطس 2020 وبلغ 2075 دولارا. أما كريج إيرلام، المحلل في شركة تداول العملات الأجنبية والسمسرة (أواندا)، فقال "لا يزال الوضع مشوبا إلى حد كبير بحالة من عدم اليقين، والأسواق شديدة التقلب مما يضمن بقاء الذهب مفضلا بقوة"، مشيرا إلى أن "بلوغه أعلى مستوياته على الإطلاق ليس بالأمر البعيد جدا وفي ظل البيئة الحالية، من المحتمل جدا أن نشهده وهو يتجاوز ذلك المستوى في مرحلة ما". ووفقا للمحلل إد مويا بشركة (أواندا)، فإن "حالة عدم اليقين المرتفعة للغاية تجاه أسعار السلع الأساسية وآفاق النمو الاقتصادي ستبقي أسعار الذهب مرتفعة" حتى يصبح المستثمرون متفائلين من أن هناك نهاية تفاوضية للصراع العسكري تلوح في الأفق. بالنسبة لبعض المعادن الأخرى، ارتفع سعر النيكل، المستخدم بشكل كبير في الفولاذ المقاوم للصدأ، بأكثر من 110 في المائة في بورصة لندن للمعادن يوم الثلاثاء ليسجل 100 ألف دولار للطن، وهو أكبر تغير في الأسعار على الإطلاق. كما قفز سعر البلاديوم، المستخدم بشكل رئيسي في المحولات الحفازة، إلى مستوى قياسي جديد. وتعتبر روسيا منتجا رئيسيا للمعادن. كما تأججت المخاوف بشأن إنتاج الحبوب وتصديرها. فتعد روسيا وأوكرانيا من كبار موردي المواد الغذائية، وخاصة الحبوب. وشكلتا معا ما يتراوح بين 25 و30 في المائة من صادرات القمح العالمية، وحوالي 80 في المائة من صادرات بذور عباد الشمس العالمية، حسبما ذكرت شركة (كابيتال إيكونوميكس) الاستشارية ومقرها لندن. وقال وارين باترسون، مدير استراتيجية السلع في مجموعة (آي إن جي غروب)، وهي شركة خدمات مالية هولندية، إن "حالة عدم اليقين الحالية تشير إلى أن أسواق الحبوب والبذور الزيتية ستستمر في التسعير بعلاوات مخاطر كبيرة". ولفت باترسون إلى أن "فقدان إمدادات التصدير من أوكرانيا وروسيا من شأنه أن يضيق أرصدة القمح والذرة العالمية بشكل كبير، وهذا سيغير بالتالي التوقعات للموسم المقبل على الأقل". ويمكن أن تنتشر تداعيات ارتفاع أسعار السلع الأساسية بسرعة، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الحياة اليومية للناس وتأجيج التضخم المرتفع. و"سيجد محافظو البنوك المركزية أن مهاراتهم تواجه اختبارا أكبر الآن، خاصة إذا تفاقمت ضغوط التضخم بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية نتيجة لنقص السلع"، هكذا ذكر وين- إيفانز. وأضاف أن "هذا يأتي في وقت يتراجع فيه النمو، على الرغم من قوته وفقا لمعايير ما قبل الجائحة، وفي وقت تتعرض فيه هوامش الشركات وأرباحها للتهديد من ارتفاع تكاليف المدخلات".
مشاركة :