لماذا تشتد نزعات العنف ولا تشتد نزعات السلم عند المسلمين؟

  • 11/29/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الإسلام الذي جعل من السلام ذكرا في خاتمة الصلوات الخمس اليومية، واتخذ منه شعارا وتحية بين المسلمين ومع الناس كافة، وجاء اسمه مشتقا من مادته اللغوية، ونص عليه وورد ذكره مرارا وصريحا في القرآن الكريم وفي السنة الشريفة، وعد من أسماء الله الحسنى التي أمرنا الله بالدعاء بها، فلماذا تشتد نزعات القوة والعنف في ساحة المسلمين ولا تشتد نزعات السلم والسلام؟ وتتابعا لهذه القضية وتفصيلا لها، تطرح وتثار التساؤلات الآتية: لماذا تظهر في مجتمعات المسلمين جماعات القوة والعنف وتزداد وتتكاثر وتمتد وتتوسع، ولا تظهر جماعات السلم والسلام؟ لماذا نسمع عن دعاة السلام أصحاب الشهرة الواسعة من غير المسلمين، ولا نسمع عن دعاة السلام من المسلمين؟ لماذا تشتعل في ديار المسلمين نيران النزاعات والصراعات والحروب، ولا ترتفع فيها رايات الأمن والسلم والسلام؟ لماذا الإنسان المسلم بدل أن يصبح داعية سلم وسلام في بلاد المسلمين وفي العالم وبين الناس كافة، أصبح هناك من يبث الخوف والهلع بين الناس، ومن ينشر الأحقاد والكراهية، ومن يدعو إلى العنف والإرهاب، ومن يمارس الذبح والقتل بطريقة متوحشة تسلب من الإنسان إنسانيته، ومن يفجر نفسه انتحارا لسفك الدماء وازهاق الأرواح والرغبة في القتل، ومن يخرب إرث الحضارات الإنسانية؟. لماذا أصبح الإسلام في العالم يقترن خطأ وتشويها بالعنف والإرهاب، بدل أن يقترن بالسلم والسلام؟. هذه تساؤلات جادة وحقيقية لا بد من المكاشفة بها، وضرورة أن نطرحها على أنفسنا بلا خشية وبلا حرج وبلا مواربة، وقد أصبح العالم يطرحها علينا، ويواجهنا بها، ولا يصح التهرب منها، أو التنكر لها، أو التغافل عنها، لأنها لم تأت من فراغ، ولا هي من نسج الخيال، وليس من الصواب التعامل معها بوصفها تساؤلات مغرضة تستهدف محاصرتنا، وتشويه صورتنا! أمام هذه التساؤلات فحصا وتبصرا، يمكن الإشارة إلى بعض التفسيرات الممكنة والمتعددة في هذا النطاق، من هذه التفسيرات: أولا: هناك من يرى أن هذه القضية لها علاقة بالعلم تقدما وتراجعا، فكلما تقدم العلم نضجت فكرة السلم وتسيدت، وكلما تراجع العلم انكمشت فكرة السلم وتقلصت، وبناء على هذا الرأي فإن المجتمعات المتقدمة علميا هي المجتمعات التي تنعم بالسلم كحال المجتمعات الأوروبية المعاصرة، بخلاف الحال مع المجتمعات غير المتقدمة علميا فهي مجتمعات لا تنعم بالسلم كحال أغلب مجتمعات دول العالم الثالث، ومنها المجتمعات العربية والإسلامية التي تنشط فيها النزاعات والحروب، وتتغلب فيها نزعات العنف والقوة. هذا التلازم في العلاقة بين العلم والسلم، يحصل نتيجة أن العلم يقود إلى التخلي عن خيارات العنف والقوة، ويقف في وجه فكرة الحرب، ويسد عليها الطريق، ويجعل منها سبيلا ممتنعا، ويقدم بدائل وخيارات أخرى تتخذ من مبدأ السلم أساسا ومرتكزا. يتبنى هذا التفسير ويدافع عنه ويتمسك به في المجال العربي، المفكر السوري الأستاذ جودت سعيد الذي كشف عن هذا الموقف منذ وقت مبكر يرجع إلى منتصف ستينات القرن العشرين حين نشر كتابه المثير للجدل في وقته الموسوم بـ (مذهب ابن آدم الأول.. مشكلة العنف في العمل الإسلامي) الصادر سنة 1966م، داعيا فيه وبشدة إلى التمسك بخيار السلم، ومنتقدا ورافضا بشدة خيار العنف. وفي طور آخر، تدعم هذا الموقف وتطور مع صهره الدكتور خالص جلبي الذي جعل من فكرة العلم والسلم الإطار الناظم لجميع كتاباته ومؤلفاته، فتحت هذا العنوان نشر سلسلة كتابات صغيرة سنة 1994م، ومن شدة تمسكه به فقد اختاره عنوانا كذلك لزاوية مقالاته التي نشرها على مدى سنوات في صحيفتي الوطن والشرق السعوديتين. ثانيا: لعل في تفسير البعض أن هذه القضية لها علاقة بطبيعة تأثيرات وسياقات التاريخ السياسي الحديث لهذه المنطقة المعروفة بممراتها الإستراتيجية الحيوية، والغنية بثرواتها الطبيعية والزراعية، والمتفوقة في إرثها الديني والحضاري، فقد شكلت محطة أنظار وأطماع القوى الأجنبية التي تنافست على استعمارها واستتباعها وتحكيم السيطرة عليها، ما جعلها ساحة تستقطب الصراعات الدولية. إلى جانب ذلك، فقد شهدت هذه المنطقة وما زالت نزاعات وصراعات وحروبا داخلية واقليمية وحتى دولية جعلت منها منطقة متوترة ومضطربة، وبتأثير هذه الوضعيات اشتدت وتغلبت نزعات العنف والقوة، وتراجعت نزعات السلم والسلام. ثالثا: لعل في تقدير البعض أن هذه القضية لها علاقة بطبيعة الموروثات الدينية والتاريخية والأدبية والاجتماعية في المجال العربي والإسلامي، التي تمجد القوة والرجولة والشجاعة والبسالة، وترفع منزلة الفرسان والمحاربين والمقاتلين، وتعظم الجهاد والمجاهدين على أساس اقتران الجهاد بالقتال، وتجعل الحق متلازما مع القوة، وهذا ما أبانت عنه بعض الحكم والأمثال والمأثورات، وكثير من القصائد والأبيات الشعرية التي كونت أدبا خاصا عرف بأدب الحرب والقتال. في حين أن هذه الموروثات لا تعطي السلم هذه المنزلة، ولا تتعامل معه بهذه الطريقة، وتفاضل بينهما ولا تساوي، حتى أصبح في الانطباع العام أن السلم هو أقرب إلى موقف اللين، وأميل إلى الضعف، وأكثر تشبها بالاستسلام. وهذا يعني أننا أمام صورة وأدب وموروثات ينبغي أن تتغير، وأمام تاريخ بحاجة لأن يتغير كذلك، وأمام علم بحاجة لأن يتقدم، حتى نستعيد فكرة السلم.

مشاركة :