خلال العقد الأخير شهد الكتاب السعودي حضوراً كثيفاً طباعةً ونشراً، وشهدت المرحلة ولادة عدد كبير ومتعدد من المبدعين في أجناس كتابية إبداعية مختلفة، زامَنَه تفاعل أكثر كثافة من قبل وزارة الثقافة والإعلام كجهةٍ مركزية، أو حتى المؤسسات التابعة لها كالأندية الأدبية من خلال تقديم جوائز متعددة ومتنوعة للكتب المتميزة منها. لعل أهمها جائزة كتاب العام التي تمنحها وزارة الثقافة والإعلام في مجالات إبداعية متنوّعة وغيرها من الجوائز التي استحدثها عدد من الأندية الأدبية في عدد من الأجناس الإبداعية، وهي خطوة تفاءل بها كثيراً المجتمع الثقافي من حيث كونها مساحة نوعية وهامة لصناعة الكتاب في بلادنا، لاسيما وكل المؤشرات تشير إلى إقبالٍ قرائي كبير من قبل فئة غير قليلة من شبابنا. خلال كل هذا تناولت الصور والأخبار عدداً من الإصدارات المحكّمة والمختارة لتكون فعلاً إبداعياً نوعياً يستحق بموجبه المبدع المتميز الجائزة والتقديم وبالتالي تكون المحصلة كتاباً نوعيّاً مقارنة بغيره من الإصدارات ومبدعاً متميزاً استحق التكريم والاحتفاء به، مما أشعل الحماس والمنافسة الوجودية لدى المبدعين، لكنّ هذه الجوائز ظلّت قاصرة للأسف الشديد عن صناعة متكاملة للكتاب. على الرغم من أن الهدف الأبعد لها دائماً خلق مستقبل ثقافي متكامل يبدأ بالمبدع وينتهي بالقارئ، حدث هذا القصور جرّاء اتكائها في آلياتها على الحدث كفعلٍ إعلامي وترويجي لهذه المؤسسة أو تلك، دون النظر للأمر على أنه فعل ثقافي مؤثر وتاريخي. فالكتاب المتميز يحضر في مسرح التكريم ثم يختفي بعدها تماماً ولو طرحنا سؤالاً عشوائياً عن الكتاب الفائز بجائزة وزارة الثقافة في فن الشعر على سبيل المثال قبل عام أو عامين فقط لتعثر كثير من المثقفين في الإجابة عليه جرّاء غياب الكتاب عنه بعد الإعلان عن فوزه بهذه الجائزة أو تلك. وإذا كنا نؤمن دائماً بالجائزة أيّاً كانت مرجعيتها وآلياتها كأحد أهم الروافد المعنوية والمادية لدعم حركة التأليف والنشر وإذكاء روح المنافسة الإيجابية بين المبدعين بكل ما تشتمل عليه من مكافآت عينية حاولت دائماً الأخذ بيد المبدع ومساعدته على شؤونه المعيشية التي قد يؤدي انشغاله بها لانصرافه عن الفعل الإبداعي جرّاء ضغوطات الحياة واحتياجاتها، فإننا في الوقت ذاته نتوق لأن تتحول هذه الجوائز لمصانع ثقافية يعم نفعها الجميع، فالجوائز أحياناً ذات قيمة مالية معقولة يمكن توزيعها بين المبدع ومنتجه وبالتالي خلق أفق ثقافي رحب وشامل يشترك في محصّلته ونتائجه القارئ الذي سيجد كتاباً متميزاً ومحكّماً في متناول يديه وفي كل مكان يتجه إليه. إن هذا الكتاب المتميز أو ذاك والذي تم اختياره وتمييزه عن غيره ووضع الثقة فيه كعمل خلاّق واستحق المبدع من خلاله المكافأة والدعم والتشجيع لابدَّ أن يحضر في كل مكان وأن يشيع بين الناس وأن يخصص جزء من الجائزة له، وأن يكون حضوره التسويقي الكبير أحد أهم أشكال الدعم أولا لجودته وقيمته الفنية التي خوّلته للفوز من جهة ولعمومية نفعه وإشراك المتلقي فيه من جهة ثانية، وثانياً لتقديم مبدعه حضوراً وتوثيقاً، ففي آخر الأمر تبقى الكتابة أثراً أخلد من حياة، ويبقى الذكر غاية المبدع الحقيقي. إن اقتطاع جزء من الجائزة حين تكون محدودة بمبلغٍ ما لخدمة الكتاب تسويقياً لا تتنافى مطلقاً مع حاجة المبدع لقيمتها بل على العكس تماماً تخدم إنتاجه على مدار حضوره حين يثق فيه القارئ كمبدع قدّم له كتاباً نوعياً ومتميزاً اختارته جهة مسؤولة وموثوق بها ليكون كتاب العام من بين أقرانه من الكتب. وإذا كانت وزارة الثقافة والإعلام قد تنبّهت لهذه الصناعة عبر جائزتها بأن جعلتها مناصفة بين المبدع والناشر فإنها ولا نعرف لماذا حرصت على النشر دون التسويق في الوقت الذي تدرك الوزارة قبل غيرها أن أزمة الكتاب لدينا تسويقية في المقام الأول ولا نخال الأمر معضلاً على الإطلاق إذ يمكن التعاقد مع شركات تسويقية مختصة في هذا الشأن قادرة على إغراق السوق المحلي بالكتاب، من خلال اقتطاع جزء من الجائزة لهذه العملية التسويقية، والتواصل مع المبدع ذاته لتسويق كتابه عن طريقها وبصورة مثمرة على المستويين الإعلامي والمادي. نحن ندرك نبل أهداف مثل هذا الجوائز ونثق كثيراً في اختياراتها وترشيحاتها لكننا نأمل في الوقت ذاته أن تتحول العملية برمّتها لصناعة كتاب قادر وحاضر معاً. وأن تشمل بآليتها أكبر شريحة ممكنة من المثقفين، فمن المحزن فعلاً أن يفوز كتاب ما ب"الشو" الإعلامي ثم يهزم بالتغييب فيتجاهله التاريخ في غفلةٍ منا.
مشاركة :