يشير المبدأ الثالث من مبادئ الخمسين سنة القادمة إلى أن: «السياسة الخارجية لدولة الإمارات، هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات. هدف السياسة، هو خدمة الاقتصاد، وهدف الاقتصاد، هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد»، هذا المبدأ يخبرنا بوضوح بأن سياسة دولة الإمارات الخارجية القادمة ستكون مرتبطة بالعمل على تقوية مركز الدولة على الصعيد الاقتصادي العالمي بمعنى أن الأولوية الأولى للسياسة الخارجية، هي تقوية الاقتصاد، وهذا مفهوم جديد في توجهات السياسة الخارجية للبلاد على مدى الخمسين سنة القادمة. وبالتأكيد فإنه لكي يمكن تحقيق ذلك لا بد من تقوية أداء الاقتصاد الداخلي أولاً، فإن لم يتم القيام بذلك، فلن يتم التمكن من التنافس الاقتصادي على الصعيد العالمي. وبالتأكيد أن هذا الأمر مهمة صعبة مثلما أنه يشكل معادلة صعبة في الأساس، لكن ما عودتنا عليه دولة الإمارات خلال الخمسين سنة الماضية، هو أنها دائماً ما تجد للمعادلات والمسائل الصعبة حلولاً سهلة، وهذا هو مربط الفرس في الأداء السياسي والاقتصادي للأمم الحية. الإمارات الآن سائرة نحو سياسات تجعلها قوة اقتصادية من الدرجة الأولى في عالم اليوم، لذلك فقد أصبح التوجه الجديد، هو أن تكون السياسة الخارجية داعماً أساسياً في هذا المجال. وينطلق هذا الدعم من أنه في المحصلة النهائية للتطورات الحاصلة في عالم اليوم، بدأت دولة الإمارات في تغيير مسارات عدد من مواردها الاقتصادية المتواجدة لكي تصبح أكثر إنتاجية وفائدة وقدرة على المنافسة على الصعيد العالمي لكي تعود فوائد ذلك وتنعكس بغزارة على الصعيد الداخلي وترفع من مستويات معيشة المواطن والمقيم على أرض الإمارات في عالم يعمه السلام والخير للجميع. ويرتبط بذلك أننا نطور سياساتنا الاقتصادية، كي تزداد ديناميكية وحركية وقدرة البلاد على الأداء الجيد، ومن ثم تزداد سياستها قوة وصلابة على الصعيد الخارجي، وبالتأكيد أن إدخال التعديلات على كل ما هو معيق هو منهج ثابت في سياسات الإمارات على كل صعيد، رغم أن مثل هذه الأمور غالباً ما يصاحبها تغيير في المسارات التي تتطلب جهداً ووقتاً وإمكانيات مادية وبشرية. وبالتأكيد أن المنافسة بين الأنواع المتعددة من اقتصادات السوق ستكون مظهراً مهماً من المشهد العالمي على مدى السنوات القادمة، لذلك فإن مهمة السياسة الخارجية الجديدة هي أن تستكشف هذا المشهد وتسبر أغواره وتقوم بدراسته بكل صبر وأناة لكي تقدم للبلاد في نهاية المطاف تصوراتها المفيدة وما يجب عليها أن تتخذه من قرارات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تقدم وارتقاء الإمارات في السنوات الأخيرة يخلق لها منافسين أكثر اهتماماً بالاقتصاد على الصعيد العالمي، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الميركنتيلية والحمائية التي يمكن أن تقوم بها العديد من الدول المتقدمة اقتصادياً في الغرب وفي الشرق على حد سواء. إن المضي قدماً في العمل السياسي الخارجي لمواجهة مثل هذه السياسات والتغلب عليها سيتطلب تعاملاً مع الخارج يقنع العديد من الدول بانتهاج سياسات عادلة في ممارساتها تجاه مصالح دولة الإمارات الاقتصادية، وهذا يشكل أمراً مهماً في استمرارية تفوق وقوة الإمارات الاقتصادية داخلياً وخارجياً. ونظراً لرؤية دولة الإمارات الجادة جداً لمثل هذه القضايا وأهميتها، فقد قامت بطرح المبدأ الثالث هذا ووضعته كأولوية قصوى لها ضمن مبادئ الخمسين القادمة لكي تحافظ على قدرتها التنافسية. وضمن قراءتي لما وراء طرح هذا المبدأ الخاص بالسياسة الخارجية، فإن ما أستشرفه لمستقبل علاقة دولة الإمارات بالخارج، هو أن تقوم الإمارات بالسعي لبناء قيادة جماعية لاقتصاد العالم، وهذه القيادة غير موجودة في عالم اليوم، الذي تسيطر عليه وتتحكم فيه دول بعينها، بحيث تنضوي في هذه القيادة الجماعية دول من شتى مناطق العالم، وهذا حق مشروع لها ينطلق من قوة نظرتها الثاقبة إلى مصالحها في إطار من تبادل المصالح الحقة على الصعيد العالمي.
مشاركة :