الغرب يقدم السودان على طبق من فضة لروسيا

  • 3/12/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تعمل موسكو على تعزيز علاقاتها مع السودان ذي الموقع الاستراتيجي في المنطقة الأفريقية وعينها على موارده الطبيعية ومناجم الذهب فيه، مستفيدة من ابتعاد الغرب عنه وفرض عقوبات عليه. ويقول دبلوماسي غربي فضل عدم الكشف عن هويته إن الغرب يفرض عقوبات و”بهذه الطريقة، نقدم السودان على طبق من فضة للروس”، مشيرا في تصريح لفرانس برس إلى أن “الجنرالات الذين عايشوا الحصار في ظل حكم البشير لن تؤثر عليهم تهديداتنا”. ويأتي التقارب بين البلدين في وقت خسرت الخرطوم إلى حد كبير الدعم الغربي الذي تجلّى بعد إسقاط نظام عمر البشير في 2019، بسبب الانقلاب الذي قام به قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في أكتوبر. وتندرج زيارة محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الذي يرأسه البرهان على رأس وفد رفيع إلى موسكو عشية بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، في إطار هذا التقارب الذي يخدم، وفق خبراء، مصالح موسكو ويساهم في توسيع النفوذ الروسي في أفريقيا. وامتدت زيارة دقلو المعروف بـ”حميدتي” لثمانية أيام، وتعدّ أطول زيارة لمسؤول سوداني كبير إلى روسيا، في وقت يشهد السودان اضطرابات واحتجاجات مستمرة منذ أن أطاح البرهان بشركائه المدنيين من الحكم بعد الانقلاب الذي أثار إدانة دولية واسعة. فاغنر ساعدت في تشكيل مثلث نفوذ روسي يربط بين السودان وأفريقيا الوسطى وليبيا لتعزيز مصلحة موسكو في أفريقيا ويقول المحلل السياسي والاقتصادي السوداني خالد التيجاني إن تتبّع مسار العلاقة السودانية – الروسية في العامين الأخيرين يشير إلى أن موسكو تنتهج سياسة واضحة الأهداف في علاقتها بالخرطوم “لخدمة مصالحها في المنطقة بما يتجاوز السودان نفسه”. وخلال حكم البشير شهدت العلاقات العسكرية تطورا كبيرا بين الخرطوم وموسكو، حتى أصبحت روسيا مصدر السلاح الرئيسي للجيش السوداني، وتزامن ذلك مع اندلاع حرب في دارفور في غرب البلاد من جهة، وحرب أخرى بين السودان ودولة جنوب السودان من جهة أخرى. علما أنه كان هناك حظر دولي على السلاح إلى السودان. وحصل السودان على مقاتلات روسية من نوع ميغ وسوخوي. وعقب وصوله إلى مطار الخرطوم الأسبوع الماضي قال حميدتي للصحافيين “نحن مستعدون للتعاون مع أي دولة تريد بناء قاعدة على ساحلنا الذي يبلغ طوله 730 كيلومترا طالما تحقّق مصالحنا ولا تهدد أمننا القومي سواء كانت روسيا أو غيرها”. وفي عام 2017 وقّع البشير اتفاقا مع روسيا لإنشاء قاعدة على البحر الأحمر تستضيف سفنا روسية بما فيها تلك التي تعمل بالوقود النووي، على أن يتمركز فيها 300 جندي. لكن رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين أعلن في مقابلة تلفزيونية في يونيو الماضي أن السودان بصدد مراجعة الاتفاق مع موسكو. وكانت الولايات المتحدة أعلنت آنذاك رفع السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب. ونفى حميدتي أن يكون بحث في وضع القاعدة خلال زيارته إلى روسيا. وقال “كل الدول فيها قواعد، النيجر، وجيبوتي (…) وعندنا أهل شرق السودان لا يجدون مياه الشرب”. ويرى الباحث السوداني أحمد آدم حسين أن الاتفاق حول إقامة القاعدة على البحر الأحمر “لا بدّ أنه كان حاضرا في الذهن الروسي خلال الزيارة”. ويتابع “الروس يريدون الوصول إلى المياه الدافئة، لذا فالبحر الأحمر جزء أساسي من هذا الطموح”. ويرى آدم أن روسيا تنظر من خلال علاقتها الحالية مع الخرطوم إلى ما وراء السودان من دول الساحل الأفريقي، في ظل صراع محتدم بينها وبين فرنسا على النفوذ في هذه الدول. ويضيف أن “هناك تواجدا عسكريا روسيا في دولة أفريقيا الوسطى المجاورة للسودان من جهة الغرب. لذلك تتجه موسكو لخلق علاقات مع حميدتي والجهاز الذي يرأسه (قوات الدعم السريع) لما لهذا الجهاز من روابط جغرافية واجتماعية في السودان ودول جواره”. وتمتد حدود السودان مع أفريقيا الوسطى على أكثر من 300 كيلومتر. ويرأس حميدتي قوات الدعم السريع التي أسسها البشير في عام 2013 من أفراد قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية والتي تنتشر في دول أخرى مثل تشاد والنيجر ومالي، وهي متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال نزاع دارفور. وعلى الرغم من كونه من رموز النظام السابق، وجد حميدتي موقعه في السلطة السودانية بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالبشير ودفعت بالجيش إلى تسلم السلطة. وقد تقاسم هذه السلطة لاحقا مع المدنيين الذين قادوا الانتفاضة الشعبية، ليعود فيحتكرها. وفي عام 2014 وقّع وزير المعادن السوداني آنذاك أحمد الكاروري اتفاقا مع وزير البيئة والموارد الطبيعية الروسي حول التنقيب عن المعادن والنفط. اقرأ أيضا: فيسبوك يسمح بـ"موت الغزاة الروس" ودخل سوق التنقيب السوداني عدد من الشركات الروسية بموجب هذا الاتفاق، وكان على رأسها شركة “سيبرين” التي وقعت اتفاقا عام 2015 بحضور البشير لإنتاج 46 طنا من الذهب خلال ستة أشهر، ولكنها فشلت في ذلك، ما دفع الحكومة إلى إنهاء امتيازها عام 2018. وفي عام 2017 دخلت شركات للعمل في ولايات نهر النيل والبحر الأحمر والولاية الشمالية مثل شركة “غولد ميرور” المرتبطة برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس مجموعة فاغنر الأمنية الروسية الخاصة. وندّدت كل من الولايات المتحدة وفرنسا مؤخرا بتورط فاغنر في الاضطرابات السياسية وقتل المدنيين في مالي وأفريقيا الوسطى. ويؤكد التيجاني أن “حجم ومجالات الاستثمارات الروسية في السودان خصوصا في مجال تعدين الذهب يحيط بهما الكثير من الغموض”. وأفاد تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية نهاية العام الماضي بأنه “تم توزيع أفراد تابعين لمجموعة فاغنر في مواقع التنقيب عن المعادن، قبل تقديم المساعدة السياسية والعسكرية لنظام البشير”. وأوضح المجلس أن هذا الانتشار جاء عقب اجتماع عام 2017 جمع بين البشير وبوتين في سوتشي. وأضاف أن مجموعة فاغنر ساعدت في تشكيل “مثلث نفوذ روسي يربط بين السودان وأفريقيا الوسطى وليبيا” لتعزيز “مصلحة موسكو الاستراتيجية في توسيع تواجدها في أفريقيا”. وفي يوليو 2020 فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بريغوزين، متهمة إياه “باستغلال موارد السودان الطبيعية للثراء الشخصي”. ويرى حسين آدم أن “روسيا، من خلال أذرع فاغنر، موجودة حتى في القوة الناعمة من خلال وسائل الإعلام والعلاقات العامة ومحتوى مواقع التواصل الاجتماعي”. ويؤكد عنصر في جهاز أمني سوداني لوكالة فرانس برس أن “خبراء من روسيا يعملون في أمن الاتصالات ويحللون مضمون مواقع التواصل لمؤسسات مرتبطة بالدولة”.

مشاركة :