فخار غريان يباع عبر الإنترنت في ليبيا وخارجها

  • 3/11/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تراجعت كثيرا مبيعات الفخار الذي يشكّل فخر صناعة مدينة غريان الجبلية الموصوفة بـ”عاصمة الفخار” في شمال غرب ليبيا، وفي محاولة لإنقاذ حرفتهم التي يتوارثونها منذ أجيال، يراهن الحرفيون اليوم على خدمة الإنترنت لزيادة إيرادات مبيعات الفخار المحلي. على مسافة 80 كيلومترا جنوب طرابلس تنتشر العشرات من المتاجر لبيع الفخار في غريان. ومع وفرة المعروض وقلة الطلب، أطلق مؤيد الشبعاني (35 عاما) مشروع “الفخار عند باب البيت” لتوصيل الفخار إلى الزبائن داخل ليبيا وخارجها. وتعرض في المتاجر المئات من الأصناف من قطع الفخار الليبي، من الأطباق الملونة وأواني شرب المياه بزخارفها المميزة وفسيفسائها، إلى جانب قطع زينة للجدران وأواني المشاتل. ودخل مؤيد الأب لطفلين عالم الفخار “صدفة” عقب تخرجه ونيله شهادة جامعية في الفيزياء. وأوصله البحث عن وظيفة إلى عمل بعيد عن تخصصه، إذ أصبح يبيع الفخار “إلكترونيا” ويقتني معملا صغيرا لصنعه. انتشار الإنترنت فرصة للاقتراب أكثر من فخار غريان بطريقة سهلة لا تكلف الناس عناء السفر إلى ورش الصناعة ويشارك في مشروعه لبيع الفخار عبر فيسبوك وإنستغرام فريق مكون من عشرة أشخاص يقومون بكل مراحل البيع الإلكتروني، يستقبلون الطلبات، يفرزونها، يسجلون الحوالات المالية للزبائن، وصولا إلى عملية الشحن والتسليم. ويقول الشبعاني “أغرق السوق بمنتجات مستوردة من الصين وتركيا ودول مجاورة، ولم يمنح فرصة تنافسية للمحلي… ومشروع فخار لعند باب البيت يستقبل طلبات الشراء عبر الإنترنت ويشحنها إلى منزل الزبون”. وأطلق المشروع قبل نحو أربعة أعوام، وواجه صعوبات عدة في البداية، لكنه بدأ يقطف ثمار النجاح قبل نحو عامين، بتحقيق نسبة مبيعات لافتة. ويتابع الشبعاني “يجب تغيير طرق الشراء، والاهتمام بالتغليف مثلا. لذلك، استثمرت أموالا لا بأس بها في معدات التغليف العصرية، ليَسهُل وصول الفخار إلى كل زبون في ليبيا، ثم طوّرنا عملنا وبدأنا نشحن منتجاتنا إلى الخارج، لنصل بفخارنا إلى بريطانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة”. ويعد الشحن خارج ليبيا واستقبال الحوالات المالية من أكبر العوائق التي تواجه تسويق الفخار، إذ يتطلب شحن الطلبية شهرا للوصول إلى الوجهة النهائية، إلى جانب قيود حكومية على عمليات التحويل الإلكتروني. وتغرق ليبيا في الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011، ومن مظاهرها النظام المصرفي الذي لا يزال يعمل بشكل بدائي. ويقول الشبعاني “لا توجد منصات تحويل مالية دولية في ليبيا، لذلك نتسلم الأموال في أوروبا، ومن ثم تسلم عبر أشخاص إلينا لاحقا في طرابلس، إلى جانب الشحن البحري الذي يحتاج وقتا طويلا”. حرفة تحتاج إلى التطوير حرفة تحتاج إلى التطوير ويتابع “لا تتوافر لدى ليبيا خطوط شحن دولية ما يدفعنا إلى تجنب التوريد إلى متاجر أو شركات بكميات ضخمة، ونلجأ إلى الشحن مباشرة للزبائن بطلبات محدودة، وهذا عمل مضن يتطلب وقتا وأموالا إضافية”. ويرى علي الزرقاني (47 عاما)، وهو حرفي ليبي يصنع الفخار التقليدي منذ نحو 25 عاما، أن “التسويق الإلكتروني” صار حاجة وليس ترفا، في ظل الجاذبية التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي. ويقول “اليوم، جميع الناس ينشطون عبر المواقع، وبالتالي هي فرصة للاقتراب أكثر من الفخار بطريقة سهلة لا تكلفهم عناء السفر إلى المكان الذي يشتهر فيه”. كذلك تواجه صناعة الفخار في ليبيا تحديات عدة، أبرزها فنية مرتبطة بندرة اليد العاملة، وأخرى مالية تتعلق بغلاء أسعار المواد الخام. يأتي الحرفي الزرقاني باكرا إلى محترفه صباح كل يوم، يجلس بين قطع فخارية يضع عليها نقوشا ويلونها، في عملية دقيقة تستنزف تركيزه الكامل. ويحتضن الفناء الذي يجلس فيه المئات من القطع التي لا تزال رطبة، وتفوح منها رائحة الطين. ويروي الزرقاني الذي كان والده حرفيا، أن “عوامل كثيرة أخرت تطوير الفخار، أهمها نقص المواد الخام التي تدخل في الصناعة، نظرا لارتفاع أسعار توريدها من الخارج”. PreviousNext ويشير إلى “تناقص عدد الحرفيين كثيرا، وغياب جيل جديد من الحرفيين يكمل مسيرة الأجداد الرواد”. لكنه يريد أن يبقى متفائلا، ويقول “عندما نقول غريان، يعني مدينة الفخار، على الرغم من الصعوبات، سيقاوم من تبقى من الحرفيين لاستمرار الحرفة التقليدية التي تعبر عن هويتنا وارتباطنا بأرضنا”. وتمر صناعة الفخار عبر ثلاث مراحل: إحضار كميات ضخمة من الطين الخاص بلونه الأصفر، وهو موجود بوفرة في جبال المدينة. يوضع في طاحونة مخصصة لذلك، ويفرغ الطين بعد تنقيته في قوالب وبأشكال مختلفة. وتقوم المرحلة الثانية على الزخرفة والتلوين، باقتناء ألوان صديقة للبيئة غير مصنعة، تستخدم من الطين الملون. أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فتجفف فيها طبيعيا قطع الفخار، الأمر الذي يستغرق بين ست إلى 12 ساعة، ثم تنقل إلى أفران حرارية تصل إلى ألف درجة مئوية، وتستمر عملية التحميص داخل الفرن في حدود يوم، ثم تصبح القطع جاهزة للبيع. ويشاطر الشبعاني رأي الزرقاني، ويؤكد أن حرفة صناعة الفخار لم تواكب التطور، وتوقفت مراحل تطويرها قبل 35 عاما. ويرى ضرورة “أن يتعلم الشباب الحرفة، وتشجيع أصحاب المشاريع والمستثمرين على ضخ أموال في هذه الصناعة الواعدة”، خاصة وأن ليبيا يمكن أن تكون وجهة سياحية هامة إذا ما شهدت اسقرارها السياسي لما تحتويه من معالم أثرية وصحراء وبحر إضافة إلى التقاليد والعادات التي تستحق الاكتشاف.

مشاركة :