هديل غنيم تروي حكايات تراثية بقالب عصري في 'ليالي شهرزيزي'

  • 3/12/2022
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

للقصة سحر قديم متجدد، سحر يعرفه من قرأ ومن كتب ومن استمع، وفي شهرزيزي يجتمع الحكي القديم مع المعاصرة، شهرزيزي تقرأ وعمرويارودينازوزو يستمعا وهديل غنيم تكتب ومن إصدار دار البلسم. حكاية داخل حكاية داخل حكاية، دائرة من الحكي الممتع الحقيقي للكبير والصغير، راعت فيها الكاتبة أن حكايات الأقدمين لا يمكن حكيها كما كتبت، وإنما يجب تنقيحها، وهذا ما أكدت عليه شهرزيزي البطلة الطفلة الصغرى لأختها دينازووزو، أحد المستمعين للقصص، حين استفسرت منها إن كان بإمكانها أن تقرأ تلك القصص من مصدرها، حيث قالت لها: " طبعا ممكن ولو أن لغة الكتاب قديمة وبعض ما فيه لا يناسب سنك، حكاياتي أنا مختلفة لأني غيرتها قليلا وحكيتها بطريقتي". ومن بداية العنوان تجد نفسك منجذبا للكتاب" ليالي شهرزيزي" فهي مستوحاه من ليالي ألف ليلة وليلة ومن بطلي الحكايات شهرزاد وشهريار. أما عن غلافه بالأبيض والأسود والذي يعطيك إحساسا بالقدم جاء معبرا جدا عن الحكايات التي رسمتها ببراعة واتقان متناهي سحر عبد الله فجاءت كل لوحات الكتاب بالأبيض والأسود وكأنك حين تفتح الكتاب تدخل كتابا قديما بالفعل، ليكمل هذا التناغم الرائع بين النص والرسوم أحمد سليمان الذي قام بإخراج الكتاب، فاختار نوع الخط وحجم الخط والهوامش والرموز بشكل جعل العمل وحدة متكاملة. ترشح الكتاب لثلاث جوائز هي: أفضل نص، أفضل إخراج، وكتاب العام، وهي الجائزة التي فاز بها من جائزة اتصالات عام 2020. تبدأ الحكاية بعمرويار، الطفل الصغير العاجز عن الحركة بسبب الجبس، والذي يتعامل مع من حوله بغضب، تسبب في أن الصغيرة دينازوزو لم تعد ترغب في اللعب معه، وانزعاج عمو سرور من طريقته غير اللائقة، لتتدخل شهرزيزي بالحكاية لتهديء ثورة عمرويار تماما كما اختارت شهرزاد الحكاية لتهديء من غضب شهريار، واتبعت نفس الأسلوب فهي لا تحكي أبدا حكاية كاملة، ودائما ما تقف عند جزء مشوق، وتتحمل غضب عمرويار، لأن الهدف ترويض هذا الغضب بالحكاية وتدريبه على الصبر من خلال التشويق، فها هي شهرزيزي تأخذ الطفل عمرويار في ثورة غضبه إلى قصة العفريت والصياد، والحيلة التي استخدمها الصياد لإغضاب العفريتوالتخلص منهبعد أن كان قرر هذا الأخير قتله لأنه أخرجه من القمقم، وبالفعل ينجح الصياد بالحيلة في أنيجعل العفريت يحبس نفسه في القمم من جديد ويتخلص الصياد من خطره، ثم تنتقل هديل للحكاية الثانية التي يحكيها الصياد للعفريت ليبرر له عدم تصديق توسله ووعده أنه لو أخرجه من القمم فإنه لن يؤذيه، فتحكي عن الحيلة مرة أخرى التي استخدمها هذه المرة الحكيم برهان مع الملك، حين مكر به الوزير ووشى به عند الملك لغيرته الشديدة من قرب الحكيم من الملك، الذي أهدى له حصانه وقربه منه، فقال له: أخشى عليك من علمه الواسع، فقد يؤذيك أو يقتلك كما عالجك، واستخدم الحكيم العلم الذي أخاف به الوزير الملك، الذي ما كان يستعمله لإيذاء الملك ولكنه استعمله لصد الأذى عن نفسه، والرابط هنا بين القصتين هو الحيلة في دفع الأذى عن النفس الذي سببه غضب العفريت والملك وكيف كان الهدوء والعلم الذي انتهجه كل من الصياد والحكيم برهان سببا في تحقيق ذلك. لتنقلنا هديل للقصة الثالثة المتداخلة مع القصتين الأولين، وهي حكاية السلطانة سيرين مع الصقر شاهين، الذي أنقذها من موت محقق ولكنها غضبت منه لجهلها بسبب فعله ودون أن تتحقق من السبب، فتقتله ثم تكتشف الثعبان فوق الشجرة فتفهم سبب إلقائه المشروب من يدها لأنه مسمم، فتندم أشد الندم نتيجة تسرعها بسبب غضبها، وكيف للغضب أن يجعلنا نندم على أشياء لا يمكن تعويضها، وهنا ينتبه عمرويار إلى خطئه في حق دنيازيزي، وكيف تسبب غضبه في ابتعادها عنه، ليصحح خطئه باقتناع وبطريق غير مباشر، وهذا ملمح تربوي هام وهو عدم المباشرة في توجيه الطفل، فالطفل يحب أن يتخذ هو القرار، وأن يُحترم ذكائه. أما القصة الرابعة وهي ختام الحكايات المتداخلة، فتحكي عن الأميرة المسحورة، وسبب سحرها، وكيف وصل إليها الملك ليخرجها من مكانها ويقضي على سحر الساحرة، ويفعل أيضا ذلك الملك بالحيلة وعدم المواجهة المباشرة، وهو الأسلوب المناسب حين يكون الخصم أقوى منك. وللقصة أهداف تربوية لا تخفى على قارئها، فبالإضافة للتحذير من الغضب، وتوضيح تأثيره على العلاقات الاجتماعية، وأهمية التريث قبل الحكم، والاعتراف بالخطأ وتصحيحه عند اكتشافه والانتباه له، فاللافت للنظر أيضا أن الكبير يعترف بخطئه للصغير وهذه قيمة تربوية عظيمة، حين يقول عمو سرور للصغير عمرويار محفزا له: أنت أشطر في المشي لأنك حاولت يا عمرويار، قبل ذلك كان غضبك وشعورك بالأسف على نفسك يمنعك من المحاولة، ليعترض عمرويار بصوت عال به حزن ولوم: " والوجع! كنت أخاف من الوجع إذا وقعت بالعكاز" فيوافقه عمو سرور ويقول: "عندك حق يا عمرويار. أحيانا أنس الوجع الذي تتعرض له" لتهدأ بعدها ملامح عمرويار الذي كان على وشك البكاء. رسم الشخصيات: شهرزيزي: والتي تقوم بدور شهرزاد العصرية التي تمتلك نفس الحكمة وأسلوب التوجيه غير المباشر، نفس المعرفة بكتب التراث، المقدرة على التشويق، الصبر على الغضب، لتكون قادرة بنهاية الحكايات قادرة على تعديل سلوك عمرويار. عمرويار: نشيط ولذلك فهو غاضبا لعدم قدرته على الحركة بحرية، فيرفض العكاز لأنه يريد أن يتحرك كما كان دون مساعدة، خفيف الظل، فهو يمرح مع دينازوزو فيقول لها: " نحلة على شعرك" فقفزت وضحك الجميع، متعاطف، فقد خشي على الحكيم برهان من غضبة الملك، وحزن على الصقر شاهين. دينازوزو: بريئة، تخاف نزول السلم وحدها خاصة بعد سماع قصص الخرافات، تغضب سريعا ولكنها تسامح بسرعة. عمو سرور: الكبير الناضج الذي يريد أن يوصل الرسالة والتوجيه بشكل مباشر قديم وغير عصري ولا يتناسب مع طفل اليوم، وهو بذلك مثال ونموذج لكثير من الآباء الذين لم يطوروا أساليبهم التربوية مع تطور العصر، لكنه مع ذلك لا يكابر في الاعتراف بالخطأ وتصحيح الموقف، فهو بذلك يقدم قدوة لعمرويار والقدوة في السلوك هي أحد أهم أساليب تعديله، فكان عونا لشهرزيزي لا عائقا أمامها. كلها شخصيات حقيقية من واقع حياتنا، بها مميزات وعيوب، ليست شخصيات مثالية، ورسم الشخصيات من لحم ودم بهذه الطريقة هو الذي يجعل الطفل يتعلق بها، فهي تشبهه وتشبه من حوله بعيدا عن العالم المثالي الذي كانت تكتب به قصص الأطفال في الماضي وتفترض بهم وتتوقع بل وتحاول إجبار الطفل على أن يكون مثاليا مثلها. ليالي شهرزيزي، عالم من الحكي الممتع بين الماضي والحاضر ولكن بشكل معاصر ومنقح من كل ما يشوب ألف ليلة وليلة من تفاصيل لا تناسب الحكي للأطفال.

مشاركة :