قضية الشاعر الفلسطيني أشرف فياض أخذت منحنى بعيدا عما كان من المفترض أن تأخذه، حيث جاء الحكم عليه بالردة بسبب بعض قصائده التي تم تأويلها دينيا وحكم عليه بالإلحاد رغم أن القصائد في طبيعتها متعددة أوجه القراءة. صحيح أن الحكم ليس نهائيا ومن الممكن استئناف القضية، ولعلها تدخل في منحنى أفضل مما كانت عليه. والد أشرف توفي بسبب الجلطة بعد سماعه الحكم على ولده، وتكفي هذه المأساة أن تكون مضاعفة لهذه العائلة التي لم تتوقع أن تصل بها الأمور إلى هذا المستوى، فوجع أشرف وأسرته يتضاعف بعد هذه القضية التي يمكن أن أصفها بالغريبة. لماذا؟ غرابة القضية تكمن في كون حكم بالردة جاء بسبب نصوص شعرية، والشعر في طبيعته خاضع إلى عدد كبير من التأويلات لكونه نصا أدبيا بغض النظر عن جودة ذلك النص، ولذلك فغالب نظريات القراءة الحديثة للنصوص الأدبية تعتمد على رؤية القارئ ومدى اتساع أفقه الثقافي، أو ضيقه، فتأتي أحكامه وفق رؤيته الخاصة بمعنى ألا قراءة وحيدة هي الصحيحة مهما كان ذكاء القارئ ومدى عمقه في الوصول إلى خبايا النص وغموضه والكشف عن مقاصده البعيدة، وإذا كانت النصوص الدينية وهي مجال اختصاص أهل الشريعة والفقه والقضاء الشرعي خضعت إلى عدد من التفسيرات التي ربما تكون أحيانا تختلف ما بين عصر وعصر وما بين شخص وآخر مما أعطانا عددا من المذاهب الدينية التي تقرأ النص الديني قرآنا وسنة حسب المذهب واتساع أفق القارئ للنص. أقول: إذا كان النص الديني وهو مجال اختصاص أهل الشريعة في قراءته وتأويله خضع إلى مثل تلك القراءات المتعددة فكيف بالنص الشعري الذي هو ليس مجال اختصاصهم، خاصة أن النص الحديث في طبيعته نص متجاوز للقراءات القديمة للنصوص الأدبية، بمعنى يحتاج قارئا يستطيع التواصل مع النص الحديث، ومعرفة مغلقاته النصية، وليس إلى قارئ تقليدي أو حتى قارئ لا علاقة له بمفهوم الشعر والأدب، فكيف يفسر غير أهل الاختصاص نصوصا لا تمت إلى عالمهم الفكري، لكن النص الحديث خاضع إلى المجازية والتصويرات والأخيلة الشعرية الذاتية التي تؤلف بين المتباعدات لتخلق نصا جديدا في تكوينه الشعري، وهذا ما حصل إذ تم تفسير نصوص أشرف فياض من غير أهل الاختصاص، حيث حسب الأخبار التي ذكرت قصة القضية كاملة بأن مراجعة النصوص كانت من عند أهل الفتوى في أبها، وليس من أهل النقد الحديث الذين هم أعرف في مثل هذه النصوص، إذ لا يمكن أن يكون النص الأدبي خاضعا إلى مفهوم الفتوى لكونه ليس مسألة فقهية، بل هو نص مفتوح الدلالة، والنصوص الأدبية مجالها النقد الأدبي وليس الفتوى وإلا فسوف تتم محاكمة غالب الشعر العربي وشعرائه القديمين والحديثين ما دام القارئ يخضع النص الأدبي لمفهوم الحلال والحرام حتى لو كان النص الشعري يستخدم الألفاظ القرآنية أو التراكيب القرآنية وبيانها، لكون المعنى سوف يختلف بالكلية من المعنى القرآني إلى معنى جديد لا علاقة له بالمعنى القرآني، وهذه قضية نقدية قديمة ومعروفة عند أهل النقد القديم والحديث على حد سواء، وتدرس لكل طلاب اللغة العربية، ويميل أهل الأدب إلى الجواز لسبب اختلاف المعاني التي ذكرناها من النص الأدبي والنص القرآني. غرابة القضية تكمن، من جهة أخرى، في أنها تحوي شكوى كيدية وسبق أن شهد الشهود بذلك وتم إطلاق أشرف من التوقيف لعدم ثبوت الأدلة، فلماذا عادت القضية من جديد؟ ولماذا لم تؤخذ أقوال الشهود؟ فكيف تؤخذ القضايا الكيدية بهذه الجدية ويحكم على إنسان بالردة من أجل نصوص شعرية؟ في الحكم الصادر ذكروا أن عدم أخذ أقوال الشهود بسبب اعتراف المدعى عليه في حين ينفي الشاب أشرف تهمة الإلحاد فما هو الاعتراف الذي أدلى به أشرف إذا كان ينفي عن نفسه _ كما نشر في الصحف _ الإلحاد أو الترويج له؟ شخصياً لست مخولا بالتعقيب على الحكم القضائي لكون أن أهل الاختصاص من المحامين هم الأقدر في مثل هذه الأمور، وقد استلم المحامي عبدالرحمن اللاحم القضية وهو أعرف في حيثيات الرد على هذه القضية لتخصصه في المحاماة، فضلا عن أن القضية لم تنتهِ حتى الآن، ومازالت هناك فرصة لإعادة النظر في القضية، لكن المسألة في نظري ثقافية بمعنى ذلك الخلط بين ما هو ثقافي أو أدبي، وما هو ديني إضافة إلى معرفة الحقوق الإنسانية في مثل هذه القضايا، وأين تذهب مسألة حرية التعبير في مثل هذه القضايا، خاصة في مسألة النصوص الأدبية التي تجاوز الزمن الحكم عليها بمفاهيم الفتوى لكون المعاني فيها مفتوحة؟!
مشاركة :