1- انسحاب روسيا بمعجزة على نهر دينبرو 2- غرق موسكو فى مستنقع المقاومة الأوكرانية 3- عودة بوتين للستار الحديدى حتى لا ينتهى حكمه 4- حرب نووية تنهى العالم تبدأ بتدخل الناتو الصين الرابح الوحيد فى الحرب بسيطرتها على التجارة والطاقة فى روسيا والتجهيز للغزو القادم على تايوان! بوتين استقبل الرئيس الإيرانى وهو يمضغ «اللبان» وجاء بكلب قبل مصافحة إنجيلا ميركل واقترح على صحفى عملية ختان ليعرف ما يجرى فى حرب الشيشان! سيناتور أمريكى يطالب باغتيال بوتين وزيلينيسكى نجا من محاولة اغتيال بتسريب من ضباط أمن روسيين كتب علينا أن نبشر بالحب وليس فى العالم سوى رماح الحرب. نتحدث عن أزهار الشعر فلا نجد على خرائط الدنيا سوى خراب الشر. نسيت المرأة فى أوكرانيا طعم القبلة بعد أن أمسك الرجل بالقنبلة. ترصد رادارات المشاعر العربية تحيزا عاطفيا لروسيا فى الحرب ليس كرها فى أوكرانيا وإنما نكاية فى الولايات المتحدة التى تساندها. سبقت الولايات المتحدة روسيا فى غزو دولة أخرى بالقوة وأسقطت نظامها وحاكمت رئيسها وخربت ديارها ولفقت أدلة وهمية لتبرير جريمتها بمشاركة الأمم المتحدة ونسيت جرائم الحرب التى ارتكبتها هناك. فعلت الولايات المتحدة فى العراق ما فعلت روسيا فى أوكرانيا فلم يقف العرب إلى جانبها؟. وليست هناك قنبلة حولت أطفالنا فى فلسطين ولبنان وسوريا ومصر ذات يوم إلى «بودرة» إلا وكانت صناعة أمريكية. ومنذ أن عرفنا الولايات المتحدة وهى تصر على أن العرب جنينا متخلفا عقليا وحضاريا وتقنيا وفرضت وصايتها السياسية والعسكرية على هذه المنطقة التى تجلس على نصف موارد الطاقة فى العالم. وعينت خفيرا يتولى ضربهم كلما رفعوا رؤوسهم. خفير يرتدى ثياب جيش الدفاع الإسرائيلى ولكنه أمريكى التدريب والولاء ويقبض راتبه فى آخر الشهر من واشنطن. نعم كل صفحات أمريكا معنا سوداء ولا نكف ليل نهار على الدعاء عليها لينتقم الله منها ولكن ما ذنب أوكرانيا حتى نقف ضدها؟. ما ذنب شعب نال حريته بطلوع الروح أن يحتل ويقتل ويشرد فى الأرض دون ذنب ارتكبه سوى أنه أراد أن يحكم نفسه بنفسه؟. هل نستحسن قتل الأطفال الرضع فى حضاناتهم بقنابل روسية عالية الدقة فى مستشفيات الولادة الأوكرانية انتقاما من أمريكا؟. تعمد بوتين أن يستقبل المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ــ وقت أن كانت سيدة أوروبا الأولى ومعه كلب أسود لكنه اختار كلبا آخر (أبيض) راح يلاعبه فى حضور وفد صحفى يابانى وعندما زار قاعدة عسكرية فى روسيا منعت حراسته الخاصة الرئيس بشار الأسد من السير إلى جواره. وطوال مباحثاته مع الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى لم يكف عن مضغ «اللبان» وجلسا متباعدين على مائدة طويلة لا تصلح للمفاوضات سبق أن جلس عليها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وأثارت سخرية حادة على شبكات التواصل الاجتماعى. وحرص على إبقاء الرئيس التركى رجب طيب أردوجان منتظرا عدة دقائق قبل أن يلقاه وفيما بعد أسقط مقعده وهما مع الرئيس الإيرانى. وفى سنوات حربه على الشيشان سأله صحفى أمريكى عن جرائم الجيش الروسى التى ترتكب هناك فأجاب: «إذا أردت أن تكون إسلاميا سنجرى لك ختانا وسنحرص ألا ينمو من جديد». استسهل محللو سلوكيات الحكام فى وكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) تصرفات بوتين ووصفوها بأنها «عقدة نقص» سببها طفولته المتواضعة فى عائلة بدأت بجده الذى كان طباخ لينين وستالين. ولكن ذلك التحليل النفسى الساذج لا يقترب من حقيقة أن بوتين يعتبر نفسه رمزا للهيبة الروسية التى تعيد الهيبة إليها من جديد بعد أن دفنت فى قبر واحد مع الإمبراطورية الشيوعية. منذ أن أصبح بوتين «سيد الكرملين» وهو يصر على سياسة خارجية تعيد روسيا إلى نادى «القوى العظمى» ويؤمن بأن النظام العالمى بعد الحرب الباردة لم يكن منصفا متوازنا وتجاهل استيعاب المصالح الأمنية والاقتصادية الروسية. وطوال الخمسة عشر سنة الأخيرة حاولت روسيا إقناع الغرب بأنها شريك يعتد سلما به لكنها فشلت فما كان منها إلا أنها غزت جورجيا وتدخلت فى سوريا ونشرت مرتزقة فى إفريقيا وضمت شبه جزيرة القرم وبعد ثلاثة أيام من حربها على أوكرانيا اعترفت بالجمهوريات الانفصالية فى أقيلم دونباس شرقى البلاد وأربكت العالم. بدا واضحا أن بوتين مستعد أن يصل إلى حافة الهاوية النووية ليحقق ما يريد فلا قيمة لعالم ليست فيه روسيا دولة قوية مؤثرة. أصبحت كل المفاتيح فى يده. وبات مؤكدا أن خرائط الجغرافيا ستتغير وترتيب القوى العظمى سيعاد النظر فيه وتعدد الأقطاب سيكون ثمة النظام الدولى الجديد. استمر ليندسى جرهام عضوا جمهوريا فى مجلس النواب الأمريكى أكثر من عشرين سنة وهو يحمل الدكتوراه فى القانون وقبل أن يتفرغ للمحاماة شغل منصب المدعى العام فى كارولينا الجنوبية ورغم ذلك كله فوجئ العالم بتغريدة دعا فيها إلى اغتيال بوتين على طريقة «بروتس» الذى طعن صديقه قيصر أو تفجيره غرار عملية فالكيرى التى نجا منها هتلر ونفذها العقيد فون شتاوفينبرج. على أرض الواقع خططت الوحدة «آيدار» الأوكرانية أكثر من محاولة للتخلص من بوتين ولكنها لم تستطع الوصول إليه. آيدار كتيبة من النخبة تكونت فى شرق أوكرانيا بعد الغزو الروسى الأول فى عام ٢٠١٤ بها ٤٠٠ مقاتل من القوات الخاصة كونها ملياردير يهودى متطرف يعيش فى إسرائيل هو أهار كورفسكى بعد تعرض النصب التذكارى لضحايا النازية فى «باين بار» بالقرب من كييف العاصمة حيث قتل ٣٤ ألف يهودى خلال يومين فى عام ١٩٤١. وضع كورفسكى قائمة أسعار لخطف الجنود الروس أو قتلهم أو الحصول على سلاحهم. صنفت موسكو «آيدار» منظمة إرهابية وحاولت تصفيتها أكثر من مرة خاصة بعد أن اشترت شخصيات فى الكرملين لعلها تنجح فى اغتيال بوتين وتنهى حربه على أوكرانيا بتكلفة بشرية أقل. على الجانب الآخر فكرت موسكو فى الفكرة نفسها ودفعت برجال من فرقة «قدرفيتش» للتخلص من الرئيس الأوكرانى فلودامير لزيلينيسكى. فرقة قدرفيتش تنتمى إلى القائد الشيشانى رمضان قدروفيتش الذى تحالف مع بوتين لإنهاء حرب الشيشان ضد الانفصاليين هناك. تسللوا إلى كييف قبل الغزو الروسى ووضعوا أكثر من خطة اغتيال ولكن ضباطًا فى الأمن الروسى كشفوا الخطة قبل تنفيذها. وأغلب الظن أن الخطة لو نجحت لحققت الحرب أحد أهم أهدافها وهو إسقاط الحكومة القائمة واختيار حكومة موالية للروس. بل ربما توقفت الحرب. وحتى لا يتحقق هذا الهدف أمد الغرب زيلينيسكى بتكنولجيا حماية شخصية وفى الوقت نفسه اختار أكثر من بديل يخلفه فى الرئاسة إذا ما قتل. تجاهلت الحكومة الإسرائيلية منظمة آيدار وسافر رئيسها نيفتالى بنيت إلى موسكو ليلعب دور الوسيط بين بوتين وبايدن ومستجيبا فى الوقت نفسه لدعوة زيلينيسكى اليهود بالخروج عن صمتهم. كان مصير تلك الوساطة الفشل مثلها مثل وساطة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ومثل وساطة المستشار الألمانى أولاف شولتس. وجاء الدور على الرئيس الصينى شى جين بينج. والحقيقة أن بينج منحاز إلى روسيا واستنكر فرض العقوبات عليها بل أكثر من ذلك خدع بايدن قبيل ساعة الصفر. تصور بايدن أنه يمكن أن يتوسط بينج لدى بوتين للتراجع عن استخدام القوة لتحقيق مطالبه وقدم بايدن إليه كل ما لديه من معلومات سرية قدمتها إليه وكالات الاستخبارات الأمريكية فما كان من بينج إلا أن قدمها إلى بوتين على طبق من فضة وكل ما طلبه منه تأجيل إطلاق الرصاصة الأولى حتى تنتهى دورة الألعاب الشتوية فى بكين التى حضر افتتاحها بوتين. ولكن ما أن بدأت الحرب حتى بدا جليا أن الصين المستفيد الأول ــ وربما الوحيد ــ منها. كونت منطقة «سوفت كود» باليوان (لا بالروبل) بينها وبين روسيا بعد إخراج روسيا من السوفت كود المستخدم فى العالم كله فى تحويل الأموال بين البنوك. وما أن أعلنت شركتا فيزا وماسترد كارد إيقاف بطاقتهما الائتمانية فى روسيا حتى تدخلت شركة الخدمات المالية الصينية يونيو باى فى شنغهاى إلى إصدار بطاقات ائتمانية بديلة يستخدمها الروس. وعند فرض العقوبات الغربية على روسيا لم يوضع فى الحسبان خروج الشركات العاملة هناك إلا أن تلك الشركات خرجت من تلقاء نفسها وأغلقت مقارها (مثل آبل ومايكروسوفت وشل وأديدس وبوينج وفلولكس فاجن وفلولفو) مثلا. وصل عدد تلك الشركات فى نهاية الأسبوع الثانى من الحرب إلى ألف شركة دعتها الصين للانتقال إليها بتسهيلات لا تحلم بها. واشترت الصين من روسيا شحنات غاز ونفط لسنوات بأسعار أقل عن السعر العالمى وقبلت روسيا خشية مقاطعة ما تنتج من نفط وغاز. وعند استكمال خط الغاز بين البلدين لن تشترى الصين منها سوى نصف ما تبيعه روسيا إلى أوروبا لينخفض دخلها اليومى من ٢٥٠ مليون دولار إلى ١٣٠ مليون دولار. وبتنفيذ العقوبات خسرت روسيا ٢٣ ٪ من صادراتها السلعية إلى أوروبا لن تستقبلها الصين المنافسة على كسب الأسواق بمنتجاتها الرخيصة. وقبل ذلك كله ستمنح العملية الأوكرانية الصين سابقة يمكن تكرارها إذا ما أعلنت استرداد تايون رغم أنف الحماية الأمريكية لها. كل يوم فى الحرب على أوكرانيا يقرب الصين من عرش القوى العظمى ويبعد روسيا عنها. لن يكون الدب الروسى أكثر من وصيف فى بلاط التنين الصينى أما النسر الأمريكى فكف عن التحليق فوق رأس الجميع وانضم إليهما فى نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب. ما أن أمر بوتين جنرالاته بوضع الأسلحة النووية الروسية فى «حالة تأهب» حتى وضع العالم يدا على قلبه ويدا على بطنه. حسب إحصاء دقيق تمتلك روسيا ٥٩٧٧ رأسا نوويا هددت باستخدام واحدة منها إذا ما تدخل حلف الناتو فى الحرب. لكن المؤكد أن التهديد لا يعنى بالضرورة التنفيذ. باعتراف بافيل بودفيج الخبير والباحث فى معهد الأمم المتحدة: «لا نعرف كيف يعمل نظام التحكم فى الأسلحة النووية بالضبط ولكن يمكن النظام الذى صمم فى وقت السلم الذى لا يسبب الضغط على الزر شيئا وقد يفسر ذلك سبب استخدام بوتين لعبارة حالة تأهب قصوى ليؤكد على أن التهديد حقيقى وليس تمثيلا». من جانبه رفض بايدن تقديم أسلحة هجومية إلى أوكرانيا ــ رغم قتل وفرار أكثر من مليون شخص ــ حتى لا يورط بلاده فى الحرب وإن أرسل قوات إلى دول البلطيق الثلاث المجاورة (ليتوانيا واستونيا ولاتفيا) لتمتعها بعضوية الناتو. تدخل الناتو فى الحرب يعنى أن الحرب الإقليمية تصبح حربا عالمية. من الناحية الفنية يمكن أن يتسبب بوتين فى تدمير شامل للولايات المتحدة برؤوس نووية روسية. تعتمد الولايات المتحدة على الردع النووى للدفاع عن نفسها أكثر مما تعتمد على نظام دفاع صاروخى متطور منها ٤٤ صاروخا اعتراضيا فى داخل أراضيها إلا أنها لن تكون كافية للحماية من مئات الرؤوس النووية الموجهة إليها. تشير مؤسسة الأبحاث الأمريكية «هيرتتيج» إلى أن الأسلحة النووية فى دولة ما دليلا على أنها تريد أن تصبح قوى عظمى. لكن استخدامها من جانب روسيا سيسبب إما حربًا عالمية ثالثة أو يسبب خروج روسيا من نادى القوى الكبرى. والواضح أن فشل بوتين فى تحقيق أهداف الحرب بالطريقة الخاطفة التى تصورها أصابه باكتئاب وبشعوره بالحصار لم يجد أمامه سوى التهديد بالأسلحة النووية. يضيف الدكتور بيتر كاديكا آدامز المؤرخ البريطانى العسكرى البارز: أن الكرملين يشعر بالغضب إلى درجة الرغبة فى إشعال حرب بينه وبين الناتو. لا يوجد إنسان واحد على ظهر الغرب يتصور فكرة استخدام الأسلحة النووية لذلك فهم لا يفكرون فى الأمر خاصة أن الحرب الباردة فى القرن الماضى أثبتت أنها غير صالحة للاستعمال حسب جيريمى شابيرو مدير الأبحاث فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية فى مقال بعنوان «التأهب النووى الروسى يعنى أن على الناتو أن يخطو بحذر نحن نعيش الآن فى عالم مختلف». يضيف: «إن الحرب فى أوكرانيا وتغيير تفكير القيادة الروسية وموقعها العسكرى غير المستقر يعنى أن التصعيد النووى احتمال أكبر مما كان عليه منذ ثمانينيات القرن الماضى». يستطرد: «لا يزال خيار الحرب النووية غير محتمل ولكن نحن فى حاجة إلى النظر فى زيادة فرص عدم حدوثه». والسؤال المثير للدهشة: كيف يمكن لحرب روسيا فى أوكرانيا أن تؤدى إلى مواجهة نووية؟». الطريق الأكثر احتمالا هو استخدام روسيا سلاحا نوويا تكتيكيا صمم لاستخدامه فى الحرب التقليدية إذا ما عجزت عن كسبها حسب خطتها وبرنامجها وأهدافها. وتمتلك روسيا ما بين ألف وألفى سلاح نووى تكتيكى محدود التأثير إذا ما قورن بالأسلحة النووية الاستراتيجية. يمكن للقنبلة النووية التكتيكية تدمير بلدة بأكملها. والمثير للرعب أن العقيدة العسكرية الروسية أصبحت منذ عشر سنوات أكثر اعتمادا على الأسلحة النووية. ولكن لا تزال فى الترسانة الروسية من الأسلحة غير النووية ما يضمن لها السيطرة على الأرض منها قنابل حارقة مخيفة تسحب الأكسجين لإحداث انفجار مكثف وهى أكثر من كافية ويمكنها تجنب بوتين تحمل وصمة العار النووية. يمثل حلف الناتو نوعا مختلف تماما من المشاكل بالنسبة لروسيا. فى عام ٢٠٠٩ قال نيكولاى بتروشيف المستشار المقرب من بوتين: إن روسيا قد تشن حربا نووية وقائية «لصد عدوان عليها بأسلحة تقليدية ولو فى حرب إقليمية أو محلية. مثل أن تهاجم قوة تقليدية متفوقة من الناتو روسيا. والرسالة هنا: أن الأسلحة النووية التكتيكية ستعوض ضعف الأسلحة التقيلدية الروسية المتخلفة عما يملك الناتو من أسلحة تقليدية أكثر تطورا إذا ما اشتعلت الحرب حتى نموت جميعا فلن يحيا أحد من بعدنا. المؤكد أن روسيا ستستخدم سلاحا نوويا تكتيكيا لمنع تدخل الناتو فى الحرب على أوكرانيا أو يسعى إلى إنهائها. لكن ليس لدى الغرب نية للتدخل ومن ثم ليست هناك فرصة كبيرة للتصعيد النووى. على أن المشكلة فى التفسير الغربى تكمن فى جنون العظمة لدى القادة الروس ما يجعلهم يتوقعون تدخل الناتو وربما اعتبروا تقديم شحنات الأسلحة الدفاعية والمعلومات المخابراتية والمساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا نوعا من التدخل وربما اعتبروا مستودعات الأسلحة فى الدول المجاورة التى تمد القوات الأوكرانية أهدافا مشروعة. الهجمات النووية التكتيكية الروسية ليست محتملة ولكنها ممكنة. إنها تسبب حجما مخيفا من الوفيات والتداعيات المشعة وتعتبر العتبة النووية الأولى منذ قنبلتى هيروشيما ونجازاكى عام ١٩٤٥ وبالتالى تفتح الطريق أمام المزيد من التصعيد النووى إلى المستوى الاستراتيجى الذى ينهى العالم. هنا يفكر الغرب فى اتخاذ خطوات تجعله أقل احتمالا. ويتطلب ذلك التفكير بعمق فى مفهوم الروس للتدخل. على أن ذلك لا ينفى أن العالم يمشى على حافة سلك رفيع معلق فى الهاوية لن ينجو من السقوط عند أقل خطأ. سيكون للغزو الروسى المستمر لـ «أوكرانيا» عواقب أساسية على النظام الأمنى الأوروبى والعالمى حسب رؤية مركز «ويلسون» للأبحاث فى الولايات المتحدة. فى الخمسة عشر سنة التى مضت كانت السياسة الخارجية الروسية تهدف إلى وضع موسكو فى منافسة مع القوى العظمى بعد أن سيطر عليها شعور بأنها ظلمت فى نظام ما بعد الحرب الباردة وأهملت مصالحها المختلفة. وعرضت روسيا نفسها شريكا متساويا للغرب فى مسائل الأمن والسلم ما يسمح لها باقتحام مناطق نفوذها السابق قبل تفكك الاتحاد السوفيتى ولكن الغرب رفض مطالبها سلما فضغطت عليه حربا فى جورجيا وسوريا وأوكرانيا. أجمع المحللون والخبراء على أن بوتين وصقوره العسكريين ارتكبوا خطأ استراتيحيا فادحا عندما غزا أوكرانيا. كان خيار الغزو الأبعد ترجيحا والأكثر تهورا وأقلها انسجاما مع مصالح السياسة الروسية العقلانية. عزز الغزو الوحدة بين الأوكرانيين بغض النظر عن آرائهم السياسية ومعتقداتهم الدينية وضاعف من المشاعر المعادية لروسيا وسهل التكامل الأوروبى الأوكرانى. بعبارة أخرى تستعد موسكو للحصول على عكس ما تريد تماما. لم تحصل روسيا على كثير من دعم الجمهوريات السوفيتية السابقة باستثناء بيلا روسيا التى تعتمد على موسكو بعد أزمة ما بعد انتخابات ٢٠٢٠ هناك. فى البيان الأول للحرب وصف بوتين أوكرانيا بأنها دولة مصطنعة وشكك فى وجود عشرات الدول الأخرى التى كانت أجزاء من الاتحاد السوفيتى ما يشير إلى أن روسيا سعت إلى خلق واقعها السياسى المفضل على الأرض باستخدام القوة العسكرية. بالتحديد قررت تشكيل محيطها الجيوسياسى بالطريقة التى تناسبها أكثر من غيرها لتنشئ مجال نفوذ حصرى بالقرب من حدودها. هذه بالتأكيد علامة خطيرة محتملة بالنسبة للجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى والدليل أن تبرير موسكو للحرب (الحياد والتحالف ونزع السلاح) يحرم تلك الدول من حقوقها السيادية الأساسية بما فى ذلك بيلا روسيا. وليس هناك أدنى شك أن غزو أوكرانيا اختبار لنظام الأمن الأوروبى الذى ينظر إليه منذ سنوات طوال على أنه عفا عليه الزمن بسبب التوترات المتصاعدة داخل الدول الغربية وصعود قوى إقليمية جديدة بما فيها روسيا بوتين مما أدى إلى تغيير الميزان الإقليمى للقوى الذى استند إلى حد كبير على انتصار ما بعد الحرب الباردة الذى حققته الديمقراطيات الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وجه هجوم روسيا على أوكرانيا فى عام ٢٠١٤ ضربة قوية لهيكل الأمن الأوروبى الأطلنطى ومن المفترض أن تكون الحرب الحالية بمثابة مسمار جديد فى نعشه بغض النظر عن نتائجها. لن يكون النظام الإقليمى كما كان. وبخسارة أوكرانيا الحرب فإنها إما ستنضم إلى المؤسسات الأوروبية الأطلنطية أو ستبقى إلى الأبد منطقة رمادية بين روسيا العدوانية والغرب الحذر. بوتين فى عجلة من أمره ليمسك بيده أوراقا قوية فى التفاوض من خلال الاستيلاء على الأراضى وتطويق القوات الأوكرانية والاستيلاء على كييف العاصمة فى أسرع وقت قبل أن يدرك حجم العقوبات الاقتصادية والقيود المالية وقبل أن تبدأ النخبة السياسية والتجارية الروسية تشكيا فى قيادته خاصة إذا فشل فى إقناعهم بالتضحية بثرواتهم. كلما طال أمد الحرب زادت صعوبات الجيش الروسى فى أوكرانيا ما يجبر بوتين على مضاعفة نفقات الحرب. حسب تقرير مركز أبحاث مجلس الأطلنطى القريب من البنتاجون فإن هناك أربعة سيناريوهات مختلفة لانتهاء الحرب ومع كل سيناريو سوف يتغير شكل العالم الذى نعرفه. السيناريو الأول: معجزة على نهر دنيبرو بدعم من المساعدة الدفاعية من أعضاء الناتو تنجح المقاومة العسكرية والمدنية الأوكرانية فى التغلب على الصعاب وتوقف تقدم موسكو وتمنع بوتين من الإطاحة بحكومة كييف وإقامة نظام دمية. تعمل هزيمة موسكو على تسريع الاستياء المحلى الذى بدأ فى الظهور فعلا فى جميع أنحاء روسيا ليتحول بوتين إلى التهديدات الداخلية المتزايدة ضد سلطته وفى غضون ذلك يتمتع الناتو بوضع أمنى أفضل فى وقت تتعرض فيه روسيا للتأنيب وتقترب أوكرانيا من الغرب. ومع ذلك فإن الوضع الأمنى فى أوروبا لن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب وفى الوقت نفسه ستزيد قبضة بوتين على الحكم فى بلاده. السيناريو الثانى: المستنقع بعد أسابيع من القتال العنيف فى كييف والمدن الكبرى الأخرى تتمكن روسيا من الإطاحة بالحكومة الأوكرانية وتنصيب نظام تحركه بأصابعها ومع ذلك لا تستسلم أوكرانيا وتبدأ التمرد المسلح على أوسع نطاق ضد الغزاة على الرغم من تضاؤل القوات النظامية بمرور الوقت. وعلى الرغم من احتلال المدن الكبرى والعاصمة إلا أن انتصار روسيا سيكون باهظ الثمن ستدفعه فى خسائر بشرية ومادية مستمرة ستتزايد مع تزايد الدعم الخارجى للمتمردين حتى يستنزف الصراع الخزانة الروسية ما يجبرها فى النهاية على الانسحاب. يكرر بوتين نخبته ما سبق أن تورط فيه رئيس الوزراء السابق ليونيد بريجنيف حين دفع بلاده إلى أفغانستان فى حرب لا يمكن الانتصار فيها. فى الوقت نفسه ستصبح روسيا دولة منبوذة فى نظر معظم دول العالم وستتعرض أوكرانيا للدمار ولكن هيبة بوتين ستضطرب أيضا ويصبح وضعه الداخلى غير مستقر ولن تطمئن إليه النخبة وسيعبر الشعب عن غضبه من الوضع الاقتصادى المتدهور وتراجع المكانة العالمية. السيناريو الثالث: ستار حديدى جديد تنهار أوكرانيا فى النهاية وتتمكن القوات الروسية من السيطرة على البلاد وتتصاعد المقاومة ضد الحكومة التى سيعينها بوتين فى كييف لكنها تخمد بقوة وحشية وهنا ينزل الستار الحديدى على أوروبا الشرقية على طول حدود دول البلطيق فى الشمال عبر حدود بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا فى الجنوب. فى الوقت نفسه تواجه روسيا تكاليف اقتصادية باهظة تضاعف من قبضة بوتين على السلطة على حساب المعارضة. وسيكون حلف الناتو أكثر اتحادا فى أعقاب الأزمة وتنضم إليه السويد وفنلندا لتعزيز أمنهما ضد مخططات انتقامية روسية. السيناريو الرابع: حرب بين الناتو وروسيا هذا السيناريو الأكثر خطورة على مستقبل أوروبا والنظام العالمى وستمهد له الحرب فى أوكرانيا. هناك مسارات متعددة للوصول إلى مثل هذه النتيجة. يقوم الناتو بالتصعيد بمشاركته فى أوكرانيا بفرض حظر طيران فوقها مثلا أو أى شكل آخر من أشكال التدخل المباشر. فى الوقت الحالى رفضت الولايات المتحدة وحلفاء آخرون فى الناتو تطبيق منطقة حظر الطيران لكن هذه الحسابات يمكن أن تتغير إذا استمرت روسيا فى تصعيد قصفها للمدنيين. إذا تدخل الناتو ستضطر روسيا إلى التراجع أو الاشتباك المباشر مع قواته المسلحة الأخير يعنى تصعيد النزاع المسلح بين الناتو وروسيا بشكل خطير. يمكن لروسيا أن تضرب عن غير قصد أراضى أحد أعضاء الناتو ما يؤدى إلى اتخاذ إجراءات مضادة من قبل الحلف (هاجمت روسيا فعلا أهدافا قريبة من الحدود البولندية). وإذا ما تضاءل مخزون الجيش الروسى من الذخائر الموجهة بدقة فإن خطر وقوع مثل هذا الحادث ــ الذى يؤدى إلى تصعيد غير مقصود مع الناتو ــ يتكرر. سيشهد هذا السيناريو بدايات صراع مباشر ربما جوــ جو أو جو ــ أرض فى المناطق الحدودية الأوكرانية وفى المقابل يمكن أن يؤدى هذا إلى بدء دورة من الضربات والضربات المضادة تصل إلى أعمال عدائية مفتوحة. لا يمكن ذلك كله أن تكون لبوتين مخططات أوسع بكثير خارج أوكرانيا إذا أحرزت القوات الروسية تقدما سريعا فى أوكرانيا وحققت سيطرة فعالة على البلاد. ربما وجه بوتين انتباهه إلى الدول التى يطمع فيها ليحقق رغبته فى إعادة تشكيل مجال نفوذ على نطاق واسع من أراضى الاتحاد السوفيتى السابق. ستكون دول البلطيق (وكلها أعضاء فى الناتو) مرشحة بقوة لاختبار مخططاته. وربما اعتقد بوتين أن الناتو سيتراجع إذا ما ضغط عليه. فى المقابل يصر الناتو على أنه سيواجه التوغل الروسى فى دول الحلف وفى تلك الحالة سيكون هناك مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا قد تتحول إلى حرب نووية. فى تلك الحالة لن يكون من المهم معرفة كيف ستغير الحرب شكل العالم لأن فى حالة اندلاع حرب نووية لن يكون هناك عالم.
مشاركة :