أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة خلال اجتماع عقده مع مجلس الأمن القومي أنه سيتم السماح للمتطوعين الراغبين بالقتال بالذهاب إلى أوكرانيا، في وقت أكد فيه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن 16 ألف متطوع من الشرق الأوسط مستعدون للقتال في منطقة دونباس الانفصالية في أوكرانيا، بعد أيام من إعلان كييف فتح الطريق أمام ما يعرف بالفيلق الدولي للانخراط في الحرب ووصول 20 ألف متطوع غربي أغلبهم عسكريون متقاعدون أو تابعون لشركات أمنية. وتأتي هذه الحقائق بعد أن تم التمهيد لها بحملة دعاية من الجهتين، حيث اتهم كل طرف الجهة الأخرى بالاستنجاد بالمرتزقة. وزاد الترويج لتجنيد الشبيحة والدواعش والمرتزقة والمتطرفين القوميين والمتطوعين إلى جانب روسيا وأوكرانيا، ولم يعد قاصرا الدعاية بين الفريقين، فقد بدأت الفكرة تتحول إلى واقع ملموس، على الرغم من التحفظ عليها سياسيا ومخالفتها للقوانين الدولية، ففرق الكراهية يمكن أن تثير الكثير من الأزمات. فيما لا يثق الغربيون بأي متطوع إسلامي يحارب إلى جانبهم، يستعد بوتين لزج قوة سورية سبق وأن دربها مستشاروه وفيما لا يثق الغربيون، ومثلهم الأوكرانيون، بأي متطوع إسلامي يحارب إلى جانبهم للانتقام من روسيا عن دورها في الشيشان أو سوريا، ها هو بوتين يستعد لزج قوة سورية “علمانية” سبق وأن دربها مستشاروه العسكريون وتستطيع الاندماج بسهولة مع القوات الروسية المقاتلة في أوكرانيا. واستبعدت العديد من المصادر استعانة روسيا بمتشددين إسلاميين في بيئة مسيحية بحتة مثل أوكرانيا، وبعد المخاطر التي تولدت عن تسفير هؤلاء من دول غربية وعربية إلى سوريا مع بدء حربها وما جلبته من نتائج سلبية لا تزال بعض المجتمعات الأوروبية تعاني تداعياتها. وجاء الرد على تشكيل فيلق تابع لأوكرانيا بآخر تابع لروسيا كنموذج لما يمكن أن يترتب على الدعاية السوداء والمدى الذي يمكن أن تصل إليه من انعكاسات. ومن شأن هذا التوجه أن يؤدي إلى إطالة أمد الحرب وخروجها عن تحكم القيادات الرسمية، فظهور فيالق وميليشيات على مقربة من دول أوروبية حيوية ينطوي على كوارث في المستقبل. ويقول متابعون إن الكذب والتهويل والتخويف من أهم المعطيات في الدعاية المتداولة في الحروب. وتظهر هذه الدعاية عادة في الحروب وانتشارها جاء لتعدد وسائل الإعلام وراجت خلال الحرب في يوغسلافيا في تسعينات القرن الماضي، مستفيدة من الرواسب التي خلفها الغزو السوفييتي لأفغانستان وما خلفه من ذكريات أليمة حول قتال جماعات إسلامية في هذه الحرب مهدت الطريق لبروز تنظيمات متطرفة على الساحة الدولية مثل تنظيم القاعدة ولاحقا تنظيم داعش. وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية عمرو فاروق لـ”العرب” إن التنظيمات الجهادية لديها تاريخ طويل من الصراع مع روسيا والحركات التي خرجت من رحمها كالقاعدة وطالبان شاركت في حرب الشيشان الأولى والثانية. وليس مستبعدا أن يعيد التاريخ نفسه وتعود أفغانستان محطة رئيسية للتدريب والتأهيل، مع ولاية القوقاز التي انتقل منها خمسة آلاف إرهابي إلى سوريا والعراق بعضهم عاد إلى موطنه الأصلي. وهناك حركة تمرد متشددة بالفعل ضد روسيا من خلال “مجاهدي القوقاز”، و”مجاهدي التوحيد والجهاد”، و”حركة أوزباكستان الأصولية” تتمركز في مناطق بين أوروبا وآسيا بالقرب من روسيا. تجنيد المرتزقة يفاقم الوضع تجنيد المرتزقة يفاقم الوضع ويشير اعتراف موسكو بتجنيد سوريين للقتال في أوكرانيا إلى أنها تريد تطوير الحرب بالوكالة، بعد استفادتها من حرب سوريا، وتسعى لتكبيد من يقفون وراء الزج بالمتطوعين الغربيين في أوكرانيا خسائر باهظة. ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أيام عن مسؤولين أميركيين أن روسيا تجند مرتزقة سوريين من ذوي الخبرة في حرب العصابات بالمدن للقتال في أوكرانيا. وصرح مسؤول أميركي للصحيفة أن بعض المقاتلين السوريين موجودون بالفعل في روسيا ويستعدون للانضمام إلى المعارك في أوكرانيا، كنوع من إضفاء إثارة إعلامية. وأخذت الحرب الدعائية بين الجانبين أشكالا متباينة وبرز منها ملف التجنيد ذي الجاذبية العربية لتداوله كثيرا نظريا وعمليا في الصراعات الجارية في المنطقة. واتهمت وزارة الدفاع الروسية المخابرات المركزية الأميركية بتجنيد مقاتلين من شركات للأمن وإرسالهم إلى أوكرانيا، وأشارت إلى أنه “تم نقل 200 مقاتل من كرواتيا”، في رسالة تشي بأن الفيلق الدولي بدأت تظهر نواته على الأرض. وأعربت بعض الدول العربية والأفريقية عن رفضها لما قامت به سفارات أوكرانيا بها من نشر إعلانات تدعو إلى تجنيد مرتزقة ومتطوعين للقتال ضد روسيا، وهي علامة على أن ثمة حرب كراهية من نوعية جديدة يمكن أن تتحرك سريعا. وزارة الدفاع الروسية تتهم المخابرات المركزية الأميركية بتجنيد مقاتلين من شركات للأمن وإرسالهم إلى أوكرانيا وعبرت السنغال لأوكرانيا عن استيائها من دعوة سفارتها في داكار لتجنيد مقاتلين للمشاركة في الحرب ضد روسيا، بعد الإعلان عن تجنيد 36 شخصا في السنغال. وشدد قائد هيئة أركان القوات المسلحة البريطانية الأميرال توني راداكين، الأحد، على أن انتقال مواطني المملكة المتحدة إلى أوكرانيا للقتال عمل “غير قانوني وغير مفيد”، داعيا إلى البحث عن وسائل أخرى لدعمها في مواجهة الغزو الروسي. ويناقض هذا التصريح موقف وزيرة الخارجية ليز تراس التي أعربت عن دعمها للراغبين بالتطوع للقتال وتلبية نداء بهذا المعنى عقب إعلان أوكرانيا عن تشكيل ما يسمى بـ”الفيلق الدولي”. وأشارت بعض وسائل الإعلام، نقلا عن وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، إلى أن قرابة 20 ألف مقاتل أجنبي أعلنوا استعدادهم للتطوع لمساعدة كييف على محاربة موسكو، وهم ينحدرون بشكل أساسي من دول أوروبية. واستثمر البعض ما نشره رئيس الشيشان رمضان قديروف من مقاطع فيديو لمقاتلين شيشان في أوكرانيا قال إن بعضهم قُتل في المعارك كدليل على أن عملية التجنيد حقيقية ويمكن أن تأخذ شكلا واسعا. وأكد خبير إدارة المخاطر الأمنية اللواء إيهاب يوسف أن الفيالق الداعشية جاهزة وليست في حاجة إلى تشكيل جديد، وهناك عشرات الأسئلة التي تطرح نفسها منذ أن جرى الحديث عن تحريك أعداد كبيرة من المرتزقة الموجودين في سوريا والعراق، حيث ذهب جزء منهم إلى ليبيا وأفريقيا ولا أحد يعرف أين وجهة الباقين. ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن تأثير المرتزقة لن يكون مباشرا في الحرب الروسية - الأوكرانية مع وجود إدراك أوروبي أن روسيا تستهدف من تدخلها فتح ثغرات على البحر الأسود واستخدام المعارضة الأوكرانية لتمددها واشتداد الحروب بالوكالة.
مشاركة :