تظل ملحمة “الكوميديا الإلهية” للشاعر الإيطالي دانتي أليغييري منتجا أدبيا خالدا على الدوام، وهي من أكثر الأعمال الملحمية التي ألهمت عددا كبيرا من المبدعين في العالم عبر المئات من السنين وترجمت في مجالات متعددة من الأعمال الإبداعية المختلفة في الفن والأدب والموسيقى والراديو والسينما والتلفاز والرسوم المصورة والرسوم المتحركة والفن الرقمي وألعاب الحاسوب. ويصادف أن تحتفي إيطاليا وسائر بقية دول أوروبا هذه السنة بالذكرى 700 سنة على وفاة هذا الشاعر الإيطالي الخالد الملقب بالشاعر الأعلى أو أب اللغة الإيطالية الذي صنفت ملحمته من أهم أعمال الأدب العالمي والتي بفضلها جعل دانتي من اللغة الإيطالية لغة أدبية عالمية ساعدت في تشكيل الفكر وشحذ عالم الخيال في أوروبا. وإيمانا بقيمة هذا العمل الخالد ورغبة في الالتحاق بركب المبدعين الذين قدموا هذه الملحمة، قرر المخرج التونسي حافظ خليفة أن يخوض مغامرة تناول هذا الأثر الإنساني بطريقته الخاصة وبفكر وتصور مغاير تكون في صياغة طريفة تجمع بين جحيمي الشرق والغرب في مزيج من “الكوميديا الإلهية” لدانتي ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري و”كتاب الموتى” الفرعوني و”الافيستا” الزردشتية ألف بينها القاص التونسي الأسعد بن حسين. المسرحية تجمع بين عوالم الشرق والغرب وقدم أخيرا العرض ما قبل الأول للعمل المسرحي الجديد بعنوان “الكوميديا الإلهية”، بمسرح الجهات في مدينة الثقافة بتونس العاصمة. وأدى الأدوار في هذه الملحمة المسرحية التجريبية، الممثلون بشير الغرياني وبشير الصالحي وعبدالرحمن محمود ومحمد توفيق الخلفاوي وجميلة كامارا وهناء الوسلاتي وآدم الجبالي ومحرز غالي وكمال زهيو وهادية عبيد وأحمد روين. و”الكوميديا الإلهية” لـ”دانتي” متألفة من 100 أنشودة موزعة على ثلاثة أجزاء هي “الجحيم” و”المطهر” و”الجنة”. ويعتبر “الجحيم” هو الجزء الأكبر والأهم، بحسب النقاد والدارسين لهذا العمل. كما تعتبر “الكوميديا الإلهية” البيان الأدبي الأعظم الذي أنتجته أوروبا، وهي واحدة من الأعمال الرئيسية التي تنتقل بالفنّ من العصور الوسطى إلى عصر النهضة الفكرية، ويرى الكثير من النقاد والمؤرخين بأنها من أفضل الأعمال الأدبية على المستوى العالمي. وفي هذه المسرحية، اقتصر المخرج على رحلة دانتي في عالم الجحيم، حيث وادي الظلمات ووادي العذاب الأليم، وحيث أرواح الناس المعذبة تتساقط كالأوراق، فيعبر البطل الوادي مستعينا بالشاعر فرجيل رمز الحكمة ويتجولان معا في الطبقات السبع من الجحيم بداية بالدرك الأسفل منها. والمميز في هذا العمل المسرحي، الذي تم عرضه مرفقا بترجمة إلى الإيطالية، هو التكامل بين شاعرية النص وجمالية الخشبة من الناحية السينوغرافية، فالمكان غرائبي عجائبي خارج عن المألوف، وبدا وفيا إلى العالم الروحي للشخصية البطلة في رحلتها الوجودية بحثا عن المعنى والكمال في العالم الآخر. والمثير في المسرحية أيضا أن بدايتها كانت تراجيدية، إذ انطلقت من حالة من التيه والضياع للبطل الذي وجد نفسه في غابة مظلمة تعج بالذنوب والمعاصي، ليتحرر دانتي بعد ذلك من المأساة شيئا فشيئا ويواصل رحلته في عالم الجحيم نحو الجنة والخلود. وتثير المسرحية العديد من القضايا المتصل أهمها بالحب والخير والشر والفكر والثقافة، إذ ما رحلة دانتي في عالم الآخر بداية من الدرك الأسفل للجحيم صعودا نحو المطهر ثم الجنة، إلا رحلة للبشرية من الجهل والظلام نحو النور وهذا لا يتم إلا عبر المرور بـ”المطهّر” أي عبر الفكر والمعرفة وإعمال العقل والحكمة. PreviousNext ولذلك كانت نهاية المسرحية بضوء ساطع صوّبه المخرج من الركح نحو الجمهور، أثناء مغادرة البطل “دانتي” والممثلين للجحيم في اتجاه الجنة، وكأن المخرج أراد أن يوجه رسالة للناس إن كنتم تودون الجنة فطريقها العقل والمعرفة والحكمة. ويعتبر حافظ خليفة أن هذا العمل المسرحي الجديد هو خطوة هامة في مسيرته المسرحية التي قدم من خلالها عديد الأعمال التي تبحث في الذات والفكر والتراث الإنساني، وقد حرص على أن يوفر له جميع أسباب النجاح من حيث الكتابة والتمثيل والملابس والكوريغرافيا والإنارة والموسيقى كي لا يقل توهجا وإبداعا عن الأعمال العالمية التي قدمت سابقا. ويذكر أن العرض من إنتاج شركة الضفتين للإنتاج بدعم من وزارة الشؤون الثقافية وبالشراكة مع المركز الثقافي الإيطالي بتونس والمركز الثقافي والاجتماعي التونسي بروما والمركز الجهوي للرقص بأومبريا (إيطاليا) وجمعية قرطاج موزاييك بروما.
مشاركة :