منذ نهاية الحرب الباردة ومنظمات دولية مثل حلف شمال الأطلسي والبنك الدولي وهي تجتهد لتثبيت هويّتها إلا أن الحالة مع منظّمة التعاون الإسلامي تختلف. ومع كونها ثاني أكبر مُنظَّمة أمميَّة في العالم بعد الأمم المتحدة فقد استهلّت عقدها السادس وهي قادرة على التركيز في مهمّتها الأساسية والتي بقيت نابعة من أهدافها رغم تقلّب الزمن. في هذا السياق التاريخي أحرزت منظمة التعاون الإسلامي الصدارة. على وجه التحديد، ظلت المملكة العربية السعودية وعلى مدى نصف قرنٍ من الزمان هي السند الأقوى للمنظمة في مواجهة مشكلاتٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى، وتتطوَّر معها كل مرةٍ مستجداتٌ مثل قضايا المرأة وأضرار التغيُّر المناخي. وعلى نطاق أوسع، ظلت منطقة الخليج العربي في قلب الجهود والمبادرات الرامية إلى تعزيز السلام العالمي والتسامح والتفاهم مثل اتفاقيات إبراهام. في حالة منظمة التعاون الإسلامي فقد ساهمت المبادئ الدينية المشتركة في ضمان المستوى المطلوب من التضامن بين عضويتها ولهذا ظل التفكير الاستراتيجي في قلب المبادئ الأساسيَّة التي استلهمتها مُنظَّمة التعاونِ الإسلاميِّ في أيامها الأولى إذ تأسَّست المُنظَّمة أولاً باسم مُنظَّمة المؤتمر الإسلاميِّ للقيام بواجب حماية المسلمين؛ لا سيما المستضعفين منهم والمنتمين للأقليَّات المضَّطهدة. هذه الأيام وبشكلٍ مأساوي، تستمرُّ السلالة الأيديولوجية للتعصُّب في ذات الأفعال في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يؤكّد على الدور متعاظم الأهمية لمنظمة التعاون الإسلامي. وممَّا يشهد لهذا أننا في الخامس عشر من آذار (مارس) من هذا العام، يتم إحياء الذكرى السنويَّة الرابعة لمذبحة كرايستشيرش المروِّعة وهو يعتبر يوما عالميا للتصدي للإسلاموفوبيا بالنسبة للمنظمة. بل إننا نشهد عودة مقيتة لظاهرة الإسلاموفوبيا العنيفة في جميع أنحاء أوروبا والعالم الغربي. هذه النزعة مثيرة للقلق والمخاوف وبشكل أخص مع مجريات الأحداث في أوروبا الشرقية. في المجر على سبيل المثال لم يكتف حزب فيدسز الحاكم بانتقاد وجود المسلمين في ذلك البلد وفي أوروبا بشكلٍ عام، ولكن مؤخرًا شكَّك ممثل لفيدسز عمَّا إذا كان يمكن للبوسنة الانضمام إلى الاتِّحاد الأوروبي بسبب العدد الكبير لمواطنيها المسلمين. وفي هذا الأمر، يدعم فيدسز ويشجِّع أسوأ تياريْن من الإسلاموفوبيا في أوروبا وهما العداء للمهاجرين المسلمين أو من ذوي الأصول الإسلاميَّة والعداء للمسلمين الأصليِّين في دول البلقان. شهدت مدينة إستانبول مؤخراً اجتماعاً غاية في الأهمية عقدته منظمة التعاون الإسلامي في حول قضايا الأقليات المسلمة وتوجهات المنظمة. لقد قامت العديد من الدول الأعضاء في مُنظَّمة التعاونِ الإسلاميِّ مثل المملكة العربيَّة السعوديَّة وجيبوتي بأعمال مهمِّة من أجل لفت الانتباه إلى محن الأقليَّات المسلمة وتوصل مؤتمر إستانبول إلى مقترحات عديدة من ضمنها اللجوء إلى المقاطعة التي يعلنها أعضاء المنظمة ويضاف إلى هذا مراقبة مستمرة للمناطق المأزومة في أوربا الشرقية. أيضا يجب على المُنظَّمة تعيين مبعوث خاص للتصدي للإسلاموفوبيا؛ الأمر الذي سيعيد المُنظَّمة إلى سيرتها أيام تأسيسها. أيضا يجب على هذا المبعوث إعطاء الأولويَّة ليس فقط لزيادة موارد الدول الأعضاء في مُنظَّمة التعاونِ الإسلامي، ولكن أيضًا للشراكة مع الهيئات الحكوميَّة الدوليَّة ذات التوجُّه المماثل حيثما أمكن ذلك. هذا ليس مفيدًا لمُنظَّمة التعاونِ الإسلامي وحدها ولكنه مفيدٌ لمحاربة التعصِّب ضد المسلمين في العالم، وللدول الأعضاء؛ منفردةً كانت أم مجتمعة. تعتبر الإسلاموفوبيا الممنهجة والمُنظَّمة في أوروبا الشرقيَّة مصدراً للقلق للاتحاد الأوروبي والمجلس الأوربي، وإذا كان العلاجُ الناجع لها هو إحداث فرص التعاونِ بين الأديان فهو أمر يحقِّق ما هو أكثر من نزع فتيل الإسلاموفوبيا، عِوضاً عن أنه يعزِّز ضرورة وجود مُنظَّمة التعاونِ الإسلاميِّ بوصفها مُنظَّمة عالميةً داعمةً للسلام والتعاون والثَّقة. ولكن نظرًا لأنَّ الإسلاموفوبيا – وبكلِّ أسف – تمثِّل تحديًا في قضايا متعدِّدة وفي دول أخرى، ومثال ذلك مأساة الروهينجا، فإنَّ أهميَّة وجود مبعوثٍ لمكافحة الإسلاموفوبيا من طرف المنظمة وفق إطار عمل ومسؤوليَّات محددة سيكون مفيداً للعالم بأسْره وليس مُنظَّمة التعاونِ الإسلاميِّ وحسب. إنَّها دعوة سامية ومسؤوليَّة أخلاقيَّة والتزامٌ يشمل الجميع.
مشاركة :