لم يحدث إعلان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي عزوفه عن الترشّح للانتخابات أي ردة فعل داخل الساحة السنية، في وقت قالت فيه أوساط سياسية لبنانية إن الأمر كان متوقعا خاصة بعد إعلان سعد الحريري انسحابه من قبل، وإن الرهان الآن هو أن يوفر هذان الانسحابان مناخا ملائما لصعود قيادات سنية جديدة تكون قادرة فعلا على تعديل الكفة لفائدة الطائفة المهمشة سياسيا. وقال ميقاتي في كلمة وجّهها من دارته في طرابلس (شمال) عشية إقفال باب الترشيحات “أعلن عزوفي عن الترشّح للانتخابات النيابية، متمنيّا التوفيق للجميع”. ◙ لا عودة للحريري وتياره إلا بمنطق اليأس وتعزيز الفشل وبرّر ميقاتي قراره بجملة من الأسباب، من بينها إيمانه “بحتمية التغيير وبضرورة إفساح المجال أمام الجيل الجديد ليقول كلمته ويحدد خياراته عبر الاستحقاق النيابي المقبل”، داعيا في الوقت ذاته أهالي طرابلس “إلى المشاركة في الانتخابات، إذ لا يجوز التلكؤ عن القيام بهذا الواجب الوطني، لأي سبب كان”. وأشارت الأوساط السياسية اللبنانية إلى أن غالبية المكون السني باتت تعتقد أن المشكلة تكمن في هذه الأسماء الكبيرة التي حققت عبر التسويات المختلفة الجاه والمال، وكان ذلك على حساب مصالح الطائفة ودورها السياسي، معتبرة أن الساحة باتت مهيأة الآن للتغيير، وأن نتائج الانتخابات ستوفر فرصة من أجل تغيير الآليات القديمة وكذلك الوجوه التي لم يعد الشارع يثق بها. وقللت هذه الأوساط من قدرة رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة على ملء الفراغ الذي تركه انسحاب الحريري والآن ميقاتي، لافتة إلى أن شخصا في سن وتحفظات السنيورة لا يمكنه أن يكون قائدا للسنة في هذا الوقت العصيب، وأن أقصى ما يمكن أن يفعله هو لملمة الوضع لا أكثر، والمساعدة على اتخاذ قرار المشاركة في الانتخابات بدل المقاطعة التي دعا إليها الحريري والتي وصفت على نطاق واسع بأنها ستقود إلى تهميش السنة ودورهم السياسي في لبنان. ويسعى السنيورة لتفادي التداعيات السلبية على المكون السني جراء مقاطعة الحريري للانتخابات وقيادة السنة في الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في الخامس عشر من مايو القادم، فيما يشاطره في هذا التوجه نادي رؤساء الحكومات السابقين. واعتبر السنيورة في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا في بيروت أن دعوة رئيس تيار المستقبل إلى مقاطعة الانتخابات النيابية تنطوي على شبهة الرضوخ للهيمنة الإيرانية. اقرأ أيضا: سمير جعجع يناشد السعودية العودة إلى لبنان وشددت الأوساط السابقة على أن لا عودة للحريري وتياره إلا بمنطق اليأس وتعزيز الفشل وتجريب المجرب، وأنه بدلا من ذلك على السنة أن يبحثوا عن تجديد قياداتهم، واختيار عناصر تحسّ بنبض الشارع وقريبة من الناس وتعرف مشاكلهم وقادرة على خدمتهم. ولم يكن تراجع الحضور لدى الشخصيات السنية الكبيرة، بمن في ذلك أولئك الذين شغلوا منصب رئيس الوزراء، أمرا طارئا؛ بل هو أمر ملحوظ منذ سنوات مع ميلهم إلى تسويات ترضى بزيادة نفوذ حزب الله، وقد قاد هذا الموقف كذلك إلى خسارة الدعم السعودي الذي كان عنصرا أساسيا بالنسبة إلى لبنان ككل وإلى السنة بصفة خاصة. وكان الحريري أعلن قبل أكثر من شهرين “تعليق” عمله السياسي وعدم خوضه مع حزبه تيار المستقبل الانتخابات البرلمانية، معتبرا أن “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبّط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”. وانسحب الحريري من الحياة السياسية بعد توتر العلاقات على مدى سنوات مع السعودية الداعم السابق للبنان في المنطقة بسبب ما اعتبرته المملكة ضعفا منه في مواجهة جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران، والتي زاد نفوذها في لبنان.
مشاركة :