مانديلا.. مناضل حرية العقل قبل حرية الجسد

  • 12/8/2013
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

بالأمس نرثي أحمد فؤاد نجم، ولم يمضِ يومان والآن نرثي المناضل مانديلا، ويا لتقارب الاثنين بين حرية الكلمة وحرية الإنسان ومطالبة الحقوق، الأول عزف على أوتار الكلمة، والثاني ناضل بالفكر والتضحية بالروح والجسد، والعزل الذي اختاره طوعاً في سجنه الطويل، كل منهما تعود على السجن من أجل حرية العقل قبل حرية الجسد. •• مانديلا ضرب مثالاً نادراً للإنسان الذي يتنازل عن حريته الشخصية، عن المادة، عن الشوارع، عن المدينة، ليطالب بحقوق السود الضائعة والمهضومة والمنسية، فلم يهتم بماذا تعني حرقة السجن وكتم الأنفاس واختفاء ضوء الشمس، لأن داخله وُلدت شمس جديدة، ولأن رؤيته كانت تنظر للعمق وروح الإنسانية، يقترف من نور الحكمة والمعرفة بمعنى لا مستحيل، شاهد قيمة الإنسان الجوهرية التي تمثلت في الكرامة والحقوق والمساواة التي مع الأسف منذ عصر الإنسانية تعاني منها بعض الفئات البشرية الذين طالتهم العنصرية، وتلونت ملامحهم بالسواد، أو من ضاعت حقوقهم بالاستعمار، أو من أهلكهم الجوع والفقر ولم يجدوا المعين في وسط عالم جشع يشبع حتى الثمالة والقيء. •• مانديلا في سجنه ضرب عدة قواعد إنسانية لا يستطيع أحد الوصول إليها كما وصل مانديلا إلا قليلون، القلة الصادقة مع الذات قبل الجسد والماديات وغرور الإنسان وطمع الإنسان وجشعه، القلة التي عرفت جوهر وحقيقة قيمة الإنسان بالحب والعطاء والتضحية والرؤية الصائبة، مارسته بصمت أحياناً، ومارسته بالعصيان تارة، يتحدثون الحقيقة التي لا تخاف لومة لائم، ولا حكم حاكم، ولا عتب قلم، ولا الوقوع ضحية في مغريات الزمن، هذا ما وصل إليه مانديلا بنور قلبه الذي عرف الحكمة ومنظورها الإنساني وجوهر وحقيقة الوجود، الذي جعل مانديلا يقبل السجن سبعة وعشرين عاماً صامتاً.. درسٌ مهم للفترة التي نعيش فيها في زمن الصراعات والحروب والمنازعات الحزبية والطائفية والأيديولوجية، ونجد في كل حزب وطائفة أنها منشقة عن ذاتها، وربما لو دخلنا إلى أعماق كل شخصية منهم لوجدناها مختلفة عن ذاتها، ويبقى الصراع الأزلي بين حقيقة الإنسان الكريمة وبين حب السلطة والاستبداد والشهرة سواء كان بإدراك أو غير إدراك، وهنا مصيبة أخرى عندما لا يدرك خطر ما يقدم عليه من فُرقة وعنصرية. •• مانديلا بعد سجنه وصمته وسلامه كان رمزاً واضحاً صريحاً وقوياً اهتز له العالم دون نقطة دم، دون غضب، دون حقد، مارس الحب ثم الحب ثم الحب ثم السلام، كان نموذجاً يقتدي به القريب والبعيد على الكرة الأرضية، وكما شاهدنا جميعاً بعد خروجه من السجن لم يخلع ذلك الثوب المتواضع، والثقة في النفس، ثوب الحب والعطاء، كان رمزاً يعلِّم حكام العالم، يعلِّم الصغير قبل الكبير ماذا تعني حرية، وكرامة الإنسان، هو رمز وسيظل رمزاً، لكن هل تعلمنا من الرموز التي تمر بحياتنا من عظماء أو بسطاء قلوبهم نضرة، وعقولهم منيرة، وعطاؤهم عنوانهم؟ رحم الله مانديلا وكل من كان على طريق مانديلا من عظماء التاريخ القديم إلى يومنا هذا.

مشاركة :