الفكر العربي والمذاهب الفكرية المعاصرة

  • 3/16/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الليبرالية شوهت مفهوم الحرية عندما اختزلته في المعنى المادي الفردي المتحرر من جميع القيود التي تفرضها الأديان أو القيم المشتركة أو الضرورة المجتمعية، وإنما يكون القيد الوحيد لها، هو عدم انتهاك حرية الآخرين.. بنى الفكر العربي رؤيته للتطور على افتراضات تستند إلى أن الواقع العربي المتشكل في التراث يعتبر واقعاً متخلفاً وأن الحل يكمن في تبني أي نموذج فكري خارج التراث، ولذلك جرب القومية، والماركسية والوجودية، والشيوعية فكل مذهب أو فكرة خارج التراث صالحة للتجريب في عرف الفكر العربي بغض النظر عن أصولها الفلسفية. ولذلك ذابت شخصية الفكر العربي، أو تماهت مع مختلف التيارات التي اتخذت جانب المخاصمة مع التراث. [وهو اختلال ناشئ من تصور منهزم للتوجه الحضاري لأمة كاملة أتتها الهزيمة من قبل من يفترض أنهم قادة الفكر] لننظر فيما يقوله الدكتور زكي نجيب محفوظ: هذا التراث كله بالنسبة لعصرنا فقد مكانته فالوصول إلى ثقافة علمية تقنية وصناعية لن يكون بالرجوع إلى تراث قديم وإنما بالاتجاه إلى أوروبا وأمريكا. ولا حظ معي ما يقوله الدكتور طه حسين: إن الطريقة الحضارية واحدة فذة وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا ولنكون لهم شركاء في الحضارة. أو ما يقوله سلامة موسى: فلنولِ وجوهنا شطر أوروبا ونجعل فلسفتنا وفق فلسفتها ونؤلف عائلاتنا على غرار عائلاتهم. أو الدكتور هشام شرابي: التراث الذي ينبغي دراسته والحفاظ عليه والحفاظ على إنجازاته هو التراث الذي صنعته الأجيال الثلاثة أو الأربعة الماضية. وهذا تأكيد على الالتزام بالمضي في الخط الثقافي الاستعماري. فهل هذا هو الفهم الصحيح لمعنى الاستقلال الحضاري. فإذا ما نظرنا مثلاً إلى الليبرالية واتخاذ الغرب نموذجاً مثاليًا لفكرة التقدم وتحديث الحياة، وفق التقاليد الليبرالية الأوروبية والذي يجسده التقدم الغربي الرأسمالي والتبني الكامل للفكر الإنساني الذي تمثل أوروبا نموذجه. واعتباره أسياسيات المشروع النهضوي العربي. وهنا يردنا سؤال عن العلاقة المنهجية بين الفكر العربي والفكر الليبرالي.  فإذا ما نظرنا إلى الليبرالية في الخطاب العربي نجدها لا تختلف عن النسخة الغربية من حيث التنظير وإن اختلفت من حيث الممارسة والتطبيق. فالليبرالية الغربية مرت بسلسلة مرحلية طويلة ابتداء من العلمانية، فالليبرالية، فالديمقراطية، إذ لا يمكن عزل تلك المراحل عن بعض، في حين أن الفكر العربي اختزل تلك المراحل التسلسلية وتمثلها. ولذلك شكك بعض المفكرين في وجود ليبرالية عربية حقيقية ذات مشروع تأسيسي بنائي خصوصًا في الجانب الفكري فبصفة عامة لا يوجد فكر ليبرالي عربي متكامل، كما يقول الدكتور أسامة الغزالي حرب: إن هذا الفكر يبدو غير قادر على بلورة ذاته. فقد اقتصر الخطاب الليبرالي العربي على التبشير بمدنية وثقافة حديثتين هما مدنية أوروبا وثقافتها، ولأن المنظومة الفكرية الغربية جاهزة وفي حوزتها من المعطيات المعرفية والأدبية والفكرية الكثير وهو ما تسعف به تيار الليبرالية العربية، فقد اكتفى هذا التيار باستعادة تلك المعطيات وإعادة إنتاجها في الثقافة العربية بغير جهد تأصيلي. [وإن كان ما حصر طبيعة العلاقة بين التيارات الفكرية العربية المختلفة وبين الليبرالية بالموقف من الإسلام وما يزال هذا التآلف قائمًا مع المد الليبرالي الجديد الذي يعود الآن وفق مواصفات جديدة حيث أصبح يجمع فلولًا لكل منها خلفيته التي وظفها في مضادة الخطاب الإسلامي، فهناك الخلفية اليسارية التي كانت موظفة ضد التيارين الديني والليبرالي ثم تحول أصحابها بسقوط اليسار دولياً إلى ليبراليين]. وهناك الخلفية القومية التي لا هوية لها إلا التنقل والتماهي مع التيارات. فالقضايا التي يكثر طرقها في أدبيات الليبرالي العربي سواء عبر قنوات الإعلام أو شبكات الإنترنت أو المؤتمرات والندوات والفعاليات الفكرية والثقافية أو الكتاب والمقالة والرواية كثيرة ومتنوعة ومن بينها الحرية، ولذلك اندفع التيار الليبرالي دون تدقيق أو روية أو نقد وتمحيص بين ما يتفق وديانات المجتمع وثقافته، وما يتعارض منها فأعطى للحرية مفهومًا خاصًا به. وإن كانت الليبرالية شوهت مفهوم الحرية عندما اختزلته في المعنى المادي الفردي المتحرر من جميع القيود التي تفرضها الأديان أو القيم المشتركة أو الضرورة المجتمعية، وإنما يكون القيد الوحيد لها، هو عدم انتهاك حرية الآخرين.

مشاركة :