أكدت روسيا الثلاثاء تلقيها الضمانات المطلوبة من واشنطن بأن العقوبات التي تستهدفها بسبب أوكرانيا لن تشمل تعاونها مع طهران، ما يبدو أنه رفع عقبة أمام إعادة إطلاق الاتفاق النووي الإيراني. وكانت قوى أوروبية قد حذرت من أن مطالب روسيا بضمان الحفاظ على تجارتها مع إيران يمكن أن تفسد محاولة إحياء الاتفاق الذي رفع العقوبات عن طهران مقابل تقييد برنامجها النووي. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان "لقد حصلنا على الضمانات المطلوبة خطّيًا. تم شملها في الاتفاقات لإعادة إطلاق خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني". وحسب قوله، فإن التعاون النووي المستقبلي مؤمّن "خصوصا بشأن محطة بوشهر للطاقة النووية". وكانت موسكو قد اتهمت بالسعي لعرقلة المفاوضات النووية الإيرانية بعد أن طالبت في الخامس من مارس بضمانات أميركية بأن تعاونها المستقبلي مع إيران في مجال الطاقة النووية المدني لن يتأثر بالعقوبات التي أُقرّت بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا. الضمانات الأميركية الخطّية التي تلقتها روسيا ترفع عقبة محتملة أمام إعادة إطلاق الاتفاق النووي الإيراني وتابع لافروف "يسعى الأميركيون يوميا للقول إننا نعطّل الاتفاق (النووي الإيراني)، لكنها كذبة”، مضيفا “لم تتم الموافقة على الصفقة بشكل نهائي في عدة عواصم، لكن العاصمة الروسية ليست واحدة منها". وبدأت إيران وقوى كبرى (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا والصين) منذ أشهر مباحثات في فيينا لإحياء اتفاق العام 2015 بشأن برنامج طهران النووي. وشاركت الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق أحاديا في العام 2018 في المباحثات بشكل غير مباشر. وفي الآونة الأخيرة بلغت المباحثات مرحلة "نهائية"، وأكد المعنيون بها تبقي نقاط تباين قليلة قبل إنجاز تفاهم، إلا أن التفاوض واجه تعقيدات مستجدة تمثلت خصوصا في طلب روسيا ضمانات أميركية بأن العقوبات الجديدة التي فرضها الغرب على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا لن تؤثر على تعاونها الاقتصادي والعسكري مع طهران. والجمعة أعلن الاتحاد الأوروبي الذي يتولى تنسيق المباحثات تعليق التفاوض في فيينا "نظرا إلى عوامل خارجية"، مشيرا إلى أن الأطراف المعنية ستواصل التباحث بشأن الاتفاق. وشدد على أن نصّ التفاهم شبه جاهز. وترتبط طهران بعلاقات وثيقة مع موسكو سياسيا واقتصاديا وعسكريا. كذلك، أدت روسيا دورا أساسيا في التفاوض بشأن الاتفاق وخطواته التطبيقية مثل نقل يورانيوم مخصّب من إيران إلى أراضيها، إضافة إلى دعم برنامج طهران النووي المدني. وأثارت الطلبات الروسية جدلا في الجمهورية الإسلامية عكسته المواقف المتباينة للصحف. ففي حين وجهت تلك الإصلاحية انتقادات لموسكو معتبرة أنها "عرقلت" الاتفاق بسبب طلباتها، رأت المحافِظة أن واشنطن تبقى هي المسؤولة عن التأخير، من دون أن تدافع بشكل مباشر عن الموقف الروسي المستجد. ويقول الدكتور حامد رضا عزيزي زميل المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ببرلين، ونيكول جريوسكي الباحثة ببرنامج الأمن الدولي بمركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد “إن ردود الفعل الإيرانية تجاه تصريحات وزير الخارجية الروسي تشير إلى أنه لم يتم التشاور مع طهران أو حتى إبلاغها مسبقا بها من جانب نظرائها الروس". موسكو تحاول استثمار الملف النووي لتجاوز العقوبات الغربية وإعادة تصدير سلع خاضعة للعقوبات تحت ستار تحقيق مكاسب اقتصادية وأوضح عزيزي الذي عمل أستاذا مساعدا للدراسات الإقليمية بجامعة شهيد بيهشتي بطهران في الفترة من 2016 إلى 2020، وجريوسكي التي تعد لنيل الدكتوراه من جامعة أكسفورد، ويركز بحثها على المواقف الروسية والإيرانية تجاه النظام الدولي، أنه من الممكن ألا يكون لمطلب روسيا الجديد للحصول على ضمانات أي علاقة بالقضية النووية. وربما لن تكون له علاقة بالتعاون الأوسع نطاقا بين موسكو وطهران. ولكن يبدو أن موسكو تحاول التحايل على العقوبات الغربية المفروضة عليها بعد غزو أوكرانيا. وبذلك، قد تستغل روسيا إيران لتجاوز العقوبات الغربية وإعادة تصدير سلع خاضعة للعقوبات تحت ستار تحقيق مكاسب اقتصادية من وراء الاتفاق النووي الإيراني، وهو مكسب تم إقراره بالنسبة إلى إيران لكن ليس لأطراف الاتفاق الأخرى. وكانت الدول الأوروبية الثلاث المنضوية في الاتفاق حضّت السبت على عدم "استغلال" المباحثات لإحيائه، محذّرة من أن ذلك قد يؤدي إلى "انهياره ما سيحرم الشعب الإيراني من رفع العقوبات، والمجتمع الدولي من الضمانات المطلوبة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني". وأتاح اتفاق 2015 الذي أبرم بعد أعوام شاقة من المفاوضات، رفع عقوبات عن طهران في مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. إلا أن الولايات المتحدة انسحبت منه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وأعادت فرض عقوبات قاسية، ما دفع إيران إلى التراجع عن غالبية التزاماتها. وتهدف مباحثات فيينا إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق خصوصا من خلال رفع العقوبات، وامتثال طهران مجددا لكامل التزاماتها بموجب بنوده. وخفف اتفاق 2015 العقوبات على إيران مقابل الحد من تخصيبها لليورانيوم، مما يجعل من الصعب عليها تطوير مواد لصنع أسلحة نووية. وانهار الاتفاق في عام 2018 بعد أن أعلن الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة منه.
مشاركة :