بينما بدأ قطاع الطاقة في التحول بعيدًا عن الهيدروكربونات إلى التقنيات الصديقة للبيئة، مع توجه نحو الرقمنة؛ تزايدت مخاطر الهجمات السيبرانية المتكررة والمدمرة، حيث تمتلك كل من الجهات الحكومية وغير الحكومية الوسائل التي تمكنها من استهداف عمليات الطاقة وتعطيلها. ووفقًا للتقرير الصادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة، في يناير2022، فإنه غالبًا ما تكون أنظمة الطاقة هدفًا للهجمات السيبرانية الخبيثة، ومع اشتداد التحول نحو أشكال الطاقة المتجددة، فإنه يجب أن تكون الأنظمة الإلكترونية مرنة في مواجهة هذه التهديدات. ووفق هذا المعنى، رصد تقرير المعهد الملكي، الذي جاء بعنوان مستقبل تأمين صافٍ صفري.. المخاطر السيبرانية لتحول الطاقة، آراء مجموعة من المحللين الغربيين، الذين يرون أن التحول السريع نحو تقنيات الطاقة المتجددة من أجل تسهيل تحقيق الأهداف المتعلقة بالمناخ، جعل قطاع الطاقة عرضة بشكل أكبر لهجمات إلكترونية ضارة. وبينما ركز هذا التحليل في المقام الأول على الولايات المتحدة والدول الأوروبية؛ فإن النتائج التي توصل إليها، لها أيضًا آثار مهمة على منطقة الخليج والشرق الأوسط، حيث إنهما ملتزمان بالانتقال إلى إنتاج الطاقة المستدامة، في وقت شهدت في المنطقة ارتفاعا حادا في الهجمات الإلكترونية. وأشار التقرير إلى أن التهديدات السيبرانية للبنية التحتية للطاقة، أصبحت أكثر انتشارًا، مع ارتفاع عدد الحوادث المسجلة بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وبالفعل، تزايدت الهجمات الإلكترونية عبر الإنترنت في كل من أوروبا والشرق الأوسط. ووجد تقرير نشرته شركة بت ديفيندر للأمن السيبراني، أنه في عام 2020، كانت هناك زيادة بنسبة 485% في الاختراقات بواسطة فيروس الفدية عالميا، والذي من خلاله يخترق المتسللون أنظمة الأمان ويطالبون الضحية بالدفع مقابل عدم إتلاف أنظمة الكمبيوتر. وفي إشارة إلى هذا النوع من الهجمات، أفادت شركة إنفو سكيورتي، أن الشركة الدنماركية فيستاس ويند سيستمز، وهي أكبر شركة مصنعة لتوربينات الرياح في العالم، أُجبرت على إيقاف تشغيل أنظمة تكنولوجيا المعلومات، عبر مواقع متعددة بعد وقوعها ضحية لهجوم فيروس الفدية. وفي السياق نفسه، تم ملاحظة أن الشرق الأوسط يواجه أيضا موجة من حملات التهديد المتقدمة، التي تستهدف الجهات الحكومية في جميع أنحاء المنطقة منذ عام 2020. وبالفعل، يرى ماثيو بول، في مجلة إنترناشونال سكيورتي جورنال، أن الهجمات الإلكترونية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، في الشرق الأوسط عام 2021، وأن الوكالات الحكومية تعد أهدافا متكررة، كما أن قطاعات كالطاقة، والاتصالات، والرعاية الصحية، هي أهداف قوية، للجهات السيبرانية الفاعلة الخبيثة. ووفقا للعديد من المحللين، فإن زيادة الهجمات الإلكترونية في الشرق الأوسط، ترجع إلى التوترات الجيوسياسية في المنطقة، مع تعرض إيران على وجه الخصوص لمزيد من المراقبة؛ بسبب أنشطتها العدوانية السيبرانية. وفي هذا الصدد، أوضحت جينيفر شور، في مجلة فورين بوليسي، أن فيروسات الفدية الإيرانية برزت بهدوء كقوة عالمية لا يستهان بها، مشيرة إلى أن هجمات فيروس الفدية، التي ترعاها إيران، كانت جزءًا من الحياة اليومية في إسرائيل لأكثر من عام، بعد أن استهدفت بشكل منهجي كل قطاع من قطاعات الاقتصاد، والمجتمع الإسرائيلي تقريبًا. وأفادت قناة فرانس 24، بأنه في 24 ساعة فقط في ديسمبر 2021، هاجمت مجموعة قرصنة ذات صلة بإيران، سبعة أهداف إسرائيلية، بما في ذلك الحكومة نفسها. ووفقا لذلك، افترضت شور، أن إيران أبدت تفضيلًا لمثل هذه الأنشطة؛ نظرًا إلى حقيقة أن العديد منها لا يمكن إسنادها بشكل قاطع إلى النظام نفسه، وبالتالي تقليل مخاطر تعرضها للانتقام المباشر من قبل الدول المستهدفة. وبالمثل، علق تقرير المعهد الملكي -المذكور أعلاه- أنه نظرًا إلى أن برنامج الفدية مرتبط بشكل أساسي بمجرمي الإنترنت، فقد يوفر غطاءً للجهات الفاعلة التي تهدد الدولة. ولاحظت شور، أيضًا زيادة الطموح في البرنامج السيبراني الإيراني، وأن هجمات برامج الفدية، قد نُفذت الآن ضد أهداف أمريكية، والتي تم فيها الوصول إلى مجموعة واسعة من شبكات البنية التحتية الحيوية، مما يدل على أن البنى التحتية الأمنية الحالية غير كافية لردع الهجمات. وفي مواجهة هذه الأمثلة، ينتاب المحللون الغربيون قلق مُتزايد، بشأن ضعف البنية التحتية للطاقة الخضراء المتنامية في العالم. ووفقًا لـ ديفيد سترينجر، وهيسو لي، من وكالة بلومبرج؛ فقد تم تنظيم انتقال الطاقة عبر إضافة ملايين المكونات الأخرى، مثل العدادات الذكية، مما ضاعف من عدد الاتصالات وأجهزة الاستشعار؛ وهو ما وسع إمكانية الاختراق من قبل المتسللين، وقراصنة الإنترنت. وبحسب داين لوه، من وكالة فيتش، للتصنيف الائتماني، فإن شبكات الطاقة أصبحت ضعيفة بشكل متزايد؛ بسبب اعتماد التطبيقات الذكية الآلية، وجهود الرقمنة الأخرى. ففي الوقت التي تهدف فيه إلى أتمتة العمليات وتسريعها، فإنها أيضًا عرضة للاستغلال من قبل المتسللين من دون وضع دفاعات إلكترونية قوية. علاوة على ذلك، أكد سترينجر ولي، أن الإمكانات السيبرانية، العالية لتخريب شبكات الطاقة في جميع أنحاء العالم، تجعل القطاع هدفًا رئيسيًا، لا سيما من قبل الجهات المعادية، التي تقف وراءها حكومات الدول. وحذر التقرير من أن قطاع الكهرباء يعد هدفا جذابا، للجهات الحكومية المعادية؛ بالنظر إلى أهميته للأمن القومي والاقتصادي. ولعل أحد الأمثلة على الاضطراب المحتمل، الذي يمكن أن تسببه مثل هذه الهجمات، هو الحملة الإلكترونية الصينية ضد شبكة الكهرباء الهندية في مومباي عام 2020، والتي وفقًا لـ ديفيد سانجر، وإميلي شمول، من صحيفة نيويورك تايمز، قد أوقفت حركة القطارات في مركز الأعمال الرئيسي، وأغلقت سوق الأسهم مع انقطاع التيار الكهربائي عن 20 مليون شخص، فيما قد يكون لمثل هذا الهجوم على دولة خليجية تعتمد على صادرات النفط الخام تداعيات أكبر بكثير. ووفقا للتقرير، فإن الكهرباء المتجددة ستكون أولوية سياسية للحكومات في جميع أنحاء العالم في المستقبل المنظور، مما يعني أنه من المرجح أن تنمو السبل المحتملة للهجوم، جنبًا إلى جنب مع زيادة استخدامها. وأوضح كيم سونغجو من جامعة كوريا، أن تحديث شبكات الطاقة، بما في ذلك زيادة الاتصال بالإنترنت سيؤدي إلى استمرار استهداف البنى التحتية الأساسية للدولة. وعلى الرغم من أن تقرير المعهد الملكي أكد أن معظم العمليات الإلكترونية الحالية، لم تستهدف بشكل صريح إنتاج الكهرباء المعتمد على مصادر الطاقة المتجددة؛ فقد خلص إلى أن هذا من المرجح أن يتغير مع تحول القطاع إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وهو ما يصفه، بأنه تحول هائل للبنية التحتية، وهو المطلوب لتسهيل عملية انتقال الطاقة؛ لكنه من المرجح أن يخلق عددًا من تحديات الأمن القومي للبلدان، التي تتبنى المبادرات الخضراء. وينطبق هذا بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد فترة تحول صعبة في قطاع الطاقة. وفي هذا الصدد، أوضحت كارين يونغ من معهد الشرق الأوسط، أن هذه المرحلة المبكرة من التحول، ستشمل اعتماد تكنولوجيا جديدة، وتغييرات مبتكرة في توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، وهذا ما يعرضهم لنفس التحديات والتهديدات الأمنية، التي يواجهها العديد من نظرائهم الأوروبيين والأمريكيين. وتشير التطورات التي حدثت، مثل إنشاء محطة سكاكا للطاقة الشمسية التابعة لشركة الطاقة السعودية، أكوا باور، وهي أول محطة يتم تطويرها في إطار البرنامج الوطني للطاقة المتجددة في المملكة، إلى هذا المشهد المتغير الذي طرأ على منطقة الشرق الأوسط. وفي إدراك لأهمية هذه القضية، أكدت ديبورا جولدن من شركة ديلويت المتخصصة في إدارة المخاطر السيبرانية، أنه لتحقيق مستقبل أكثر اخضرارًا حقًا، يجب على القادة والمسؤولين المعنيين بقضية التغير المناخي، ليس فقط تطوير أحدث التقنيات لتقليل الانبعاثات، ولكن دمج متطلبات الأمن السيبراني في استثمارات الطاقة المتجددة؛ وذلك من أجل إحداث تغيير مسؤول وفاعل، وذي جدوى ويراعي النواحي الاجتماعية. وفيما يتعلق بالخطوات التي يمكن اتخاذها على المستوى الحكومي في هذا الصدد ركز المحللون على ضرورة وجود نظام تنظيمي قوي، يراعي تلبية كل الديناميكيات والتغييرات، التي ستطرأ على قطاع الطاقة. وعلى سبيل المثال، أشار تقرير المعهد الملكي، إلى أنه يتعين على اللوائح أن توسع نطاق وصول مثل هذه الطاقة النظيفة إلى أنواع وفئات جديدة من المشغلين، الذين سيتم دمجهم ضمن مرافق البنية التحتية الوطنية. ومع توصياته تلك، نصح أيضًا، بأن هناك دورًا للحكومة يكمن في ضمان بناء بنية تحتية لهذا القطاع، وفقًا للمعايير المناسبة، وبما يجعل من مواجهة المخاطر السيبرانية أولوية. وبالمثل، أوضح كل من سوزان بيكرينغ وبيتر ديفيز، الخبيران في الإدارة الوطنية للأمن النووي الأمريكي، أنه على المستوى الوطني، يمكن للسياسة العامة واللوائح، أن تكون بمثابة أدوات إضافية لمواجهة التهديدات المتعلقة بالهجمات السيبرانية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك ضرورة لتعزيز مجال التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتبادل المعلومات بين مختلف قطاعات صناعة الطاقة من أجل تعزيز جهود الأمن السيبراني. وأشارت جولدن، على سبيل المثال، إلى أن حكومة الولايات المتحدة، دعت باستمرار إلى التعاون بين المنظمات والهيئات المشاركة في تطوير بنيتها التحتية الحيوية، موضحة أن مشاركة المعلومات سيكون أساسيا لبناء آليات إلكترونية مرنة لحماية قطاع الطاقة المتجددة من التهديدات السيبرانية. على العموم، بينما تركزت معظم التحليلات حول المخاطر السيبرانية، التي قد تطول قطاع الطاقة مع تحوله إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، فقد كانت تلك القضايا والتداعيات وثيقة الصلة ببلدان الخليج. وبما أن العديد من هذه البلدان قد حددت بالفعل مبادراتها الطموحة الخاصة بالطاقة الخضراء، فإنها تشترك في نفس المخاطر التي قد تواجهها الشركات الأمريكية والأوروبية في هذا الصدد، لا سيما بالنظر إلى التوترات الجيوسياسية المشحونة في منطقة الخليج، وكون إيران واحدة من أشهر الجهات الراعية للهجمات السيبرانية في العالم. ولمواجهة هذه المخاطر المتزايدة، يدعو خبراء الطاقة إلى إجراء إصلاح شامل للوائح التنظيمية في هذا القطاع، من أجل ضمان الالتزام بالإجراءات الخاصة بالأمن السيبراني لدى المنظمات ومرافق البنية التحتية ذات الصلة. وقد تكون مناقشة هذه القضايا ذات جدوى لدول الخليج، حيث تدفعها إلى تطوير استراتيجياتها الخاصة بالأمن السيبراني، بالإضافة إلى فتح طرق جديدة للتعاون مع نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين، لا سيما في ضوء المصالح المشتركة المتعلقة بأمن الطاقة، ومكافحة تأثيرات ظاهرة تغير المناخ على حد سواء.
مشاركة :