توقع مختصون في القطاع النفطي أن يكون الأسبوع الجاري من الأسابيع المهمة في تاريخ السوق، حيث يعقد في نهايته الاجتماع الوزاري رقم 168 لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" في فيينا وسط استمرار حالة عدم الاستقرار وتراجع الأسعار المهيمن على السوق على مدى الشهور الماضية. وقال المختصون "إن السوق ستسيطر عليها حالة من الهدوء النسبي ترقبا لما سيسفر عنه الاجتماع الوزاري لـ "أوبك"، وإن كانت أغلب الترجيحات تصب في اتجاه الإبقاء على نفس مستوى الإنتاج اليومي للمنظمة المقدر بـ 30 مليون برميل". في المقابل، توقع آخرون أن يسفر حديث السعودية قبل أيام عن التعاون مع كافة المنتجين والرغبة القوية في استعادة استقرار الأسواق عن إجراءات جديدة لدعم الأسعار رغم حالة التنافس الشديدة على الحصص السوقية التي أدت إلى التسابق في زيادة الإنتاج ومحاولة اكتساب أسواق جديدة. ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، "إن اجتماع "أوبك" المقبل من المتوقع أن يناقش كثيرا من الآليات التي تدعم الاستقرار في السوق، وهناك رغبة بالفعل بين المنتجين للوصول إلى سوق مستقرة ومتوازنة، ولكن يبقى التحدي الأكبر في كيفية التوافق على هذه الآليات خاصة في ظل قناعة البعض بضرورة تخفيض الإنتاج لدعم الأسعار، بينما البعض الآخر على قناعة بعدم جدوى هذا الإجراء". وأشار ديبيش إلى أن السوق تعاني بالفعل تخمة معروض مستمرة ومرشحة ربما للتزايد في الفترة المقبلة مع عودة ضخ الصادرات الإيرانية، ويتزامن ذلك أيضا مع صعود الدولار الأمريكي مع توقع رفع الفائدة قريبا، وكل هذه العوامل تضغط بشدة على أسعار النفط. وأوضح ديبيش أن عملية توازن السوق تلقائيا التي تراهن عليها دول الخليج وروسيا عملية قد تكون بطيئة نسبيا، فيما يحتاج بعض المنتجين في الدول الأقل نموا إلى إجراءات عاجلة لدعم الأسعار بعدما تفاقمت الخسائر والأعباء الاقتصادية وأرهقت الميزانيات في عديد من الدول التي يعتبر النفط الخام المصدر الرئيسي وربما الأوحد للناتج القومي. ولفت ديبيش إلى أهمية مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ الذى انطلقت أعماله في باريس في التوصل إلى توافق دولي حول مواجهة تغير المناخ وتداعياتها على الاستثمارات في مجال الطاقة التقليدية، مشددا على ضرورة أن يسارع المنتجون بخفض انبعاثات الكربون واستخدام التكنولوجيات المتطورة في كل جوانب العملية الإنتاجية. وأوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور امبرجيو فاسولى مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، أن تخمة المعروض سيستمر تأثيرها أكثر من المتوقع إلا أن هناك مؤشرات قوية على اتجاه النفط الصخري إلى التراجع المتسارع في العام الجديد، وإذا تزامن ذلك مع تحسن مؤشرات الطلب فسيكون تعافي السوق أسرع. وأشار فاسولي إلى أهمية خروج اجتماع "أوبك" بتوافق عام بين المنتجين خاصة أن الشهور الماضية شهدت تنافسا واسعا على الحصص السوقية خاصة بين النفطين السعودي والروسي في أسواق شرق أوروبا، كما شهدنا تسارعا في إنتاج العراق وسعي إيران إلى استعادة الأسواق التي سبق أن فقدتها بسبب العقوبات الاقتصادية. وأوضح فاسولي أن قضية تخفيض الإنتاج ستظل مطروحة على مائدة المنتجين في ظل حالة وفرة المعروض في مقابل ضعف الطلب وهو قضية مهمة، ويمكن أن يحدث التوافق بشأنها إذا تم اتفاق جميع المنتجين سواء في "أوبك" أو خارجها على خفض الإنتاج. من جهته، ذكر لـ "الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير مختصي شركة أيه كنترول لأبحاث النفط والغاز، أن ارتفاع واردات الهند النفطية مؤشر جيد على تعافي مستويات الطلب، كما أن الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط نجحت إلى حد كبير في خطة تحفيز اقتصادها، مشيرا إلى أن الاقتصاد الأمريكي أيضا يحقق نتائج إيجابية، وكل هذه العوامل تتفق مع توقعات "أوبك" بأن توازن السوق ليس بعيدا. وأشار كروج إلى أن بعض القلق يسود السوق من العودة المرتقبة لضخ الصادرات الإيرانية بمستويات مرتفعة خاصة أن إيران ترفض التنسيق مع "أوبك" بهذا الشأن، موضحا أهمية أن يشهد الاجتماع المقبل تفاهمات مع الجانب الإيراني على ضرورة التنسيق مع المنظمة بشأن زيادة الصادرات والتزام طهران بمتطلبات عضويتها في "أوبك". وأضاف كروج أنه "إذا تم التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن ضبط إنتاجها فسيقلل ذلك من مخاوف السوق بشأن تفاقم حالة تخمة المعروض"، منوها بضرورة التفكير في قضية خفض الإنتاج بجدية وأن تكون بتوافق وإجماع بين كل المنتجين، وإن كان هذا الأمر صعبا في ظل المرحلة الحالية. وشدد كروج على ضرورة بحث قضية دعم الاستثمارات النفطية وتهيئة الأجواء مرة أخرى أمامها لاستعادة زخمها الاقتصادي ونشاطها خاصة بعدما تسببت الفترة الماضية في تأجيل وإلغاء عديد من المشاريع وهو ما يهدد مستقبل الإمدادات وتأمين احتياجات الطاقة حول العالم. وكانت أسعار النفط الخام في نيويورك قد تراجعت في ختام تعاملات الأسبوع المنصرم مع ارتفاع الدولار لأعلى مستوى له في ثمانية أشهر وهبوط حاد للأسهم الصينية فيما زاد الضغط على العقود الآجلة التي تأثرت بشدة بتخمة الإمدادات. وبحسب "رويترز"، فقد تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط أكثر من 2 في المائة مع استئناف تداولها بعد عطلة الأعياد في حين تراجع "برنت" بنحو 1 في المائة. وتوقع فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية وصول أسعار النفط العالمية إلى قرب 80 دولارا للبرميل بحلول 2020، مشيرا إلى أن انخفاضها يستلزم استقرار منطقة الشرق الأوسط واستقرار الإنتاج. وذكرت وكالة الطاقة في تقرير أن الاستثمارات النفطية العالمية منخفضة 20 في المائة في 2015 ومن المتوقع تراجعها في 2016.
مشاركة :