تنتظر الصين اليوم بفارغ الصبر وباحتباس الأنفاس قرارا سارا من "صندوق النقد" يتوقع أن يصب في مصلحتها بشأن تدويل اليوان وضمه بشكل رسمي إلى سلة احتياطياتها النقدية البالغة قيمتها 280 مليار دولار. وبحسب "الفرنسية"، فإنه من المقرر أن يجتمع مجلس إدارة صندوق النقد لاتخاذ قرار بشأن توصية قدمها خبراؤه في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) لمصلحة دخول العملة الصينية اليوان في هذه السلة إلى جانب الدولار الأمريكي والجنيه الاسترليني والين الياباني واليورو. ومن النادر جدا أن يذهب مجلس الإدارة الذي يمثل الدول الـ 188 الأعضاء في المؤسسة المالية عكس توصيات خبرائه، وفي منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) صرحت المديرة العامة للصندوق كريستين لاجارد بأنها تدعم شخصيا هذه التوصية. لكن على الرغم من دعمها، فإن القرار لن يكون قابلا للتطبيق قبل نهاية أيلول (سبتمبر) 2016 لإتاحة الوقت أمام الفاعلين الماليين للاستعداد لهذا التغيير، ويعود التغيير الأخير في تركيبة حقوق السحب الخاصة إلى العام 2000 عندما حلت العملة الأوروبية الموحدة اليورو مكان الفرنك الفرنسي والمارك الألماني. إلا أن المسألة التي ما زالت عالقة هي التوازن الذي سيحصل عليه اليوان داخل سلة العملات، فقد يراوح بين 10 و16 في المائة لكن الأرجح أن تبقى الكفة نحو الانخفاض بسبب قابلية الصرف أو التبادل التي لا تزال محدودة للعملة الصينية. ومنذ المراجعة الأخيرة لهذا التوازن في عام 2010 يمثل الدولار الأمريكي 41.9 في المائة واليورو 37.4 في المائة والجنيه الاسترليني 11.3 في المائة والين الياباني 9.4 في المائة من إجمالي الأصول الاحتياطية العالمية للصندوق. ويستند هذا التوازن إلى قيمة صادرات السلع والخدمات للبلد أو المنطقة النقدية التي تصدرها كل عملة من مكونات السلة خلال السنوات الخمس السابقة لعملية المراجعة (المراجعات السابقة حصلت في عامي 2000 و2005). وخلص التقرير، الذي أعده مختصون من الصندوق، إلى أن الرنمينبي يلبي المتطلبات ليكون عملة "قابلة للاستخدام الحر" وبالتالي ينبغي أن يدرج في سلة العملات. واعتبرت فرق عمل الصندوق أن اليوان استوفى الشرطين الضروريين للانضمام إلى سلة العملات المرجعية، وأولهما أن تكون العملة متداولة "على نطاق واسع" في العمليات المالية الدولية، وأن تتمتع بـ "حرية الاستخدام"، وكانت هذه النقطة الأخيرة لا تزال عالقة، إذ إن بكين كانت لا تزال تمارس رقابة مشددة على سعر صرف عملتها. وبحسب لاجارد فإن فرق صندوق النقد تعتبر أن اليوان عملة يمكن استخدامها بحرية ويجب أن تصبح جزءا من سلة العملات المرجعية، مشيرة إلى أنها تدعم هذه التوصية. ومن جهته، رحب بنك الشعب الصيني "البنك المركزي"، بتصريحات كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي حول مراجعة العملات ذات حقوق السحب الخاصة كل خمس سنوات. وعبر بنك الشعب الصيني عن ترحيبه بتحليل مختصي الصندوق واقتراحهم، موضحا أن رأيهم يعتبر اعترافا بإنجازات الصين في النمو الاقتصادي والانفتاح. وأشار البنك إلى أن ذلك يعتبر فوزا مشتركا للصين والعالم إذا ما أصبح اليوان مدرجا ضمن العملات ذات حقوق السحب الخاصة، كما أنه سيقوي تمثيل الصندوق ويجذب ويحسن نظام العملات الدولية الحالي. وأضاف البنك الصيني أن بكين تتطلع إلى قرار المجلس التنفيذي، آملة أن تدعم كل الأطراف المعنية إدراج اليوان في حقوق السحب الخاصة، موضحا أن الصين ستواصل بثبات دفع الخطة الاستراتيجية لتعميق الإصلاح بشكل شامل وتعزيز الإصلاح والانفتاح المالي. ويعتبر البعض أن تدويل اليوان سيصبح نصرا دبلوماسيا كبيرا لبكين، بعدما فشلت في إدراجه في حقوق السحب الخاصة في عام 2010 عندما قال صندوق النقد إنه لم يبلغ معيار "الاستعمال الحر" الذي يعتبر عائقا رئيسا لإدراجه في حقوق السحب الخاصة. ويضع دخول اليوان ضمن عملات الصندوق الصين في مصاف الاقتصاديات العالمية المهيمنة، في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار اليوم بشكل خاص إلى تصويت الولايات المتحدة الممول الأول لصندوق النقد إضافة إلى ردود الأفعال السياسية المختلفة. وتتهم واشنطن بانتظام السلطات الصينية بتعمد تخفيض عملتها إلى ما دون قيمتها الفعلية لتحفيز الصادرات، ورغم أن اللهجة الأمريكية خفت أخيرا فإن الإدارة الأمريكية ما زالت تعتبر تخفيض اليوان متدنيا عن قيمته الفعلية على المدى المتوسط، بحسب التقرير الأخير الرسمي حول الموضوع. والمفارقة هي أن التخفيض الأخير لقيمة العملة الصينية في آب (أغسطس) الماضي استقبل بالترحيب من قبل صندوق النقد الذي اعتبر أن هذه الخطوة تسمح لقوى السوق بدور أكبر لتحديد سعر الصرف. وسمحت بكين أخيرا بدخول البنوك المركزية الأجنبية في سوق الصرف الصيني وهو ما من شأنه أن يشجع عولمة عملتها في المبادلات العالمية. وبحسب وكالة التصنيف الائتماني المالي فيتش فإن إدخال اليوان الذي يعرف أيضا بالـ "رنمينبي" في سلة العملات الرئيسية في الصندوق أمر مرجح لكن لا يتوقع أن يؤدي ذلك إلى تغيير ملموس في الطلب بالنسبة للأصول المسعرة بالرنمينبي عالميا، لكنه قد يساعد في تمتين علامة الصين على المدى الطويل. وفي الوقت الذي يبدو فيه قرار صندوق النقد الدولي ايجابيا بالنسبة للصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي إلا أنه قرار قد لا يلقى ترحابا في الكونجرس الأمريكي في خضم حملة الانتخابات الرئاسية. ويرفض الكونجرس بشدة المصادقة على إصلاح صندوق النقد الذي تم التصويت عليه في 2010 بهدف إعطاء مزيد من الوزن داخل المؤسسة للدول الناشئة الكبرى مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا. وكان الناطق باسم جاك لو وزير الخزانة الأمريكي قال منتصف الشهر الجاري للمسؤولين الصينيين، إنه بلاده ستدعم ضم العملة الصينية اليوان إلى سلة وحدة حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد إذا استوفت المعايير.
مشاركة :