رواية «ونسيت أني امرأة» .. لكل منا وجهان

  • 3/17/2022
  • 00:36
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

"كل منا له وجهان.. وجه للناس ووجه داخل نفسه، والمستحيل هو التوفيق بين الوجهين".. لم تكن كأي بداية، إنما البداية التي استهل بها إحسان عبدالقدوس رائعته الروائية "ونسيت أني امرأة"، ليعبر عن مشاعر المرأة التي لا يعرفها سواها. في اللقاء 17 لمبادرة "أصدقاء الثقافة" الذي استضافته الرياض، سبرت الدكتورة صافية أبوهليل أغوار الرواية أمام لفيف من المهتمين والمثقفين، وأعادت قراءتها بروح العصر الجديد، وتحليل ما تحمله من معان مر عليها نحو نصف قرن، لكنها لا تزال رغم ذلك صامدة ومواكبة لقضايا العصر وتعقيداته. نسيت أنها امرأة كتب إحسان عبدالقدوس الكاتب والروائي المصري الراحل على امتداد مسيرته أكثر من 600 قصة ورواية، 49 رواية منها تحولت إلى أفلام، وعشرات الروايات تحولت إلى مسلسلات ومسرحيات، وترجمت إلى لغات عدة، من أكثرها شهرة رواية "ونسيت أني امرأة" الصادرة 1977، ويصور فيها المرأة العاملة في المجتمع المصري عقب الحرب العالمية الثانية، ودخولها المعترك السياسي، بعيدا عن الفكرة السائدة آنذاك، بأن المرأة لبيتها وأولادها فقط. جسد عبدالقدوس شخصية الرواية الرئيسة سعاد في امرأة أنانية، جميلة وفاتنة، أنثى طموحة، ركزت على الشق العملي والمهني من حياتها، ونسيت أنها إنسانة، أم وزوجة، اختارت أن تضع نفسها بين كفتي ميزان، إما الطموح في الحياة السياسية والعمل، أو الحياة الاجتماعية والزواج، لا وسط بينهما. "سعاد" كما يصورها إحسان هي إنسانة وصولية انتهازية، لا تعترف بأخطائها، كانت ترى الزواج هو استكمال لوضعها الاجتماعي فقط، وبمرور الوقت باتت تشعر بالوحدة بعد حياة حافلة، حتى نسيت أنها امرأة، حققت كل ما تصبو إليه، وبعد ذلك تسرب الملل واليأس والفراغ إلى نفسها. من رواية إلى فيلم سينمائي الصراع النفسي الذي خاضته سعاد في حياتها الشخصية والعملية انتقل من الرواية إلى فيلم سينمائي حمل الاسم نفسه، إنتاج 1994، من بطولة الفنانة ماجدة، وشاركها البطولة فؤاد المهندس وسمير صبري وغادة نافع. وجاءت الرواية على شكل اعترافات، كانت ترويها سعاد، وتدور حول نجاحها وفشلها، العمل والزواج، الوحدة والعائلة، فهي سيدة جميلة وناجحة أصبحت عضوا في مجلس النواب، ورئيس جمعية النساء العاملات، وسكرتيرة اتحاد نسائي، اختارت أن تكون دائما في المقدمة، لا ترى نفسها كأي فتاة عادية تطمح في الزواج والعائلة. كانت ترى نفسها من الطبقة المثقفة والفكر المتقدم، حتى إنها حين أنجبت بنتا، سمتها فايزة، تيمنا بعائلة الملك فاروق التي كانت تميز أبناءها بحرف الفاء، فيسمون أبناءهم فاروق وفؤاد وفوزية وفايزة وفريدة، واختارت فايزة لأنها كانت أخف الأميرات دما وأنشطهن في الحياة الاجتماعية، وربما أكثرهن انطلاقا في حياتها الخاصة، كما كانت تتمنى لابنتها. "الأنا" في شخصية سعاد في قراءتها للرواية، تصف الدكتورة صافية أبو هليل، المهتمة بالأدب والثقافة، رواية "ونسيت أني امرأة" بأنها رواية عميقة وكنز، كتبت بلغة راقية، وقد يستغرب البعض كيف لرجل أن يتحدث كامرأة، يشعر بأحاسيسها ومشاعرها، ويكتب ذلك مسترسلا وبكل عمق. وأضافت، في اللقاء الذي حضره مثقفون ومهتمون بعالم الرواية، أن "البعض قد يقول إنها رواية ساذجة أدبيا، لكنني لا أرى ذلك، أما بطلة الرواية سعاد فتتضح صفاتها الشخصية المتمثلة في الأنانية، إلى جانب أنها متسلطة، رغم أن إحسان لم يقلها صراحة". فعندما يكتب الرجل عن مشاعر المرأة، مثلما كتب إحسان عبدالقدوس، فإنه ينجح في توصيف المشهد حتى عمقه، ففي تحليلها اللغوي، كشفت أبوهليل أن قلة ربما قد تنبهوا إلى أسلوب سعاد في الحوار، إذ كانت تقدم الآخرين على نفسها عندما يأخذ الحوار منحى سلبيا، وتتقدم هي عندما يصبح السياق إيجابيا، مثل قولها "أختي وأنا" أو "زوجي وأنا" و"شخصيتك وشخصيتي" و"عقلي وعقلك" وغيرها من الأساليب اللغوية التي تحمل معاني كامنة، فتقدم الآخرين على نفسها في بعض الحالات، ثم تقدم نفسها في حالات أخرى، في تلاعب لفظي وأسلوب ذكي للنفي والإثبات. عن حياة بلا رجل تغوص بنا رواية "ونسيت أني امرأة" في حياة سيدة اعتلت المناصب، مطلقة تعيل ابنة، عاشت طوال حياتها محرومة من أن تحمل لقب "ماما"، إذ كانت ابنتها تعتبرها أختها لا أمها، تناديها بأسماء الدلع أو اسمها مجردا "سعاد"، فحرمت هذا النداء الذي يرفع الأم وابنتها إلى مستوى من الحب والارتباط والتفاهم، وإلى استجابة كل منهما للأخرى. اندفاع سعاد وراء طموحها الخاص كشخصية عامة وانشغالها بالمناصب المتعددة التي تولتها، احتل حيزا كبيرا من الرواية، وتأخذنا أيضا إلى محيط سعاد، حيث طليقها وزوجته سميرة الحانية التي كسبت صداقة ابنتها فايزة، وعادل السياسي الذي أحبته ولم تتزوجه، وكمال الطبيب الذي تزوجته، وصولا إلى الشاب الذي التقته فايزة وتطمح في الزواج به، وما بين هذا المحيط ومشكلاته من قصص قد تحدث في أي مجتمع، ولأي فتاة ذات شخصية تعشق السيطرة. كان زوجها الأول عبدالحميد يذكرها بفشلها كزوجة، فشلها كامرأة لم تستطع أن تجمع بين حياتها العامة وحياتها الخاصة، وأن توفق بين الوجهين اللذين يعيش بهما كل إنسان في الحياة، الوجه الذي يراه الناس والوجه الذي يحتفظ به لنفسه. سعاد في أوج نجاحها كانت زعيمة من زعيمات الحركة النسائية في مصر، حاصلة على درجة الدكتوراه، لكنها بعد أن تزوجت ابنتها الوحيدة ووصلت إلى الـ48 من عمرها أصبحت امرأة وحيدة، تحس كأنها تتعلق بالخيط الأخير قبل الغروب، وإحساسها بالحاجة إلى رجل يقوى ويشتد، وهي التي كانت تتساءل "هل أستطيع أن أعيش بلا رجل؟". تذكر الدكتورة صافية أبو هليل إثر قراءتها للرواية أن المرأة تعود إلى طبيعتها رغم الصراعات، كما أن المناصب لا تدوم، لقد فقدت سعاد نفسها مقابل مناصب زائفة، فشعرت بالندم. لقد نال عبدالقدوس - ولا يزال - نقدا قاسيا على روايته، إذ فهم قراء من بين سطورها أن الأنثى إن نجحت فلا بد أن حياتها العائلية قد فشلت، أو أن المرأة الناجحة هي من جانبها الآخر متسلطة وأنانية، وستندم في نهاية المطاف. ولعل سعاد تعبر عن مكنون الرواية باعترافها الأخير حينما أفصحت عما يختلج صدرها "أعترف بأن في حياتي نقطة فشل تكررت أكثر من مرة، وتحولت نقطة الفشل إلى مركز فشل دائم، وقد كنت دائما أقوى من الفشل، إنني أعترف، فشلت مع زوجي الأول، وفشلت مع الرجل الذي جذب أنوثتي، وها أنا أفشل مرة أخرى مع زوجي الأخير، ما سر هذا الفشل، لماذا أفشل في حياتي الخاصة رغم أني نجحت إلى أبعد آفاق النجاح في حياتي العامة، لماذا أنجح كزعيمة وأفشل كزوجة؟".

مشاركة :