زينة جرادي تسرد قصة الأمومة المعذبة

  • 3/17/2022
  • 00:31
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

ما بين ظلال الأمومة المعذبة ونسيان الذات وأنين التضحية تحت مطرقة الحياة، تأخذنا الروائية زينة جرادي، وتخطفنا من واقعنا لتقحمنا في غياهب القدر المحتوم، الذي عاشته بطلة روايتها الأولى "سجينة بين قضبان الزمن"، دخلت المجهول من بوابة القدر، مهاجرة نحو أفق مرئي معلق بخيوطه على ثوب التقاليد والقيم والعادات، مظهرة شرعية ذكورية تعد من أول صلاحيات الرجل الشرقي. استهلالية بعبارات لفلاسفة وكتاب في تناغم وتناسق مع السرد القصصي لروايتها، انتقت الكاتبة عبارات استهلت بها فصول الرواية الـ18، عبارات لعمالقة في الأدب والفلسفة أمثال إليف شافاك، جبران خليل جبران، أفلاطون، فولتير، غاندي، جيفارا، جلال الرومي، شمس الدين التبريزي، دوستويفسكي وأوستر، علي بن أبي طالب، والسيد المسيح، فجاءت جزءا لا يتجزأ من النسيج العام لهذا الفصل، وتمهيدا له، فكأن العبارة تلخيص واف لما سيتناوله الفصل. قصة امرأة أتعبها الزمن في مقدمة الكتاب تقول جرادي"سرقت الدمع والفرح من ظلال المدى.. كنت انتظرها دوما عند سيل الصور في ذاكرتي فكانت تأتيني على غفلة، تشغلني، تتوغل في نهاراتي ومساءاتي، تشعل مدفأة السرد عندي.. كانت تأخذني لا إراديا معها، تنتظرني بحنين الترحال وهدير العذابات التي عصفت في حياتها.. كانت تتعبني بالبوح عن أوجاعها وقدرها ولعبة الزمن الراسي على رصيف حكايتها، رسمتها صورا، ربما، رسمتها، كلمات ومعاني وأحداث، ربما.. لكنها كانت عند كل انكسار تنفض عنها غبرة الأسى وتحلق مثل طائر الفينيق من جديد، وجودها صار حقيقة. ولدت من نطفة خيال وحقيقة ووجع، فكانت أحداثها تتبعثر في كل الاتجاهات، سجينة بين قضبان الزمن.. رواية إثبات للعبة الأيام، ودواة حبر في قرارات امرأة مسلوبة القرار، وصيغة أحداث، وإن مسحها الخيال بخيوطه تبقى أدلة حقيقية لقصة امرأة أتعبها الزمن. القدر تتحدث عن القدر قائلة "لا يمكن أن تكون أحداث حياتنا اختيارا ذاتيا نحدد من خلاله جغرافيتها وطبيعة ديموغرافيتها، بل هي ضمير مستتر يسمونه القدر، الآتي من عالم الغيب، هي غبار رواية لامرأة جميلة، فاتنة، على ملامح طلتها هالة من الأنوثة الجياشة، لكن الزمان تهاوى بها نحو منعطف ظالم داكن الظلام لا يرحم". البنت زيجتها سترتها إلهام بطلة الرواية تم تزويجها وهي في الـ16 من عمرها لأول عريس دق الباب، وتمسكا بالقول المعروف "البنت زيجتها سترتها"، اغتالوا الحلم فيها وغدروا بفارس أحلامها الذي سياتي يوما على حصانه الأبيض، وبين ليلة وضحاها رافقت العروس عريسها إلى إفريقيا، لتبدأ حياة زوجية كل ما تعرفه عنها أنها عقيلة فلان. تتزوج إلهام بعدنان وهي طفلة لا تعي شيئا، بعد أن فرضت عليها والدتها هذا الوحش البشري، رغبة منها في الاطمئنان عليها بعد وفاتها، خاصة أنها تعاني عديدا من الأمراض. رضوخ بعد التهديد ترضخ إلهام لوالدتها، بعد تهديدها بالضرب إذا لم توافق، ويتم الزواج بعدنان، وتسافر إلى دولة إفريقية حيث يعمل زوجها المختل، لتبدأ رحلة معاناتها مع العذاب، بداية من سجنها في بيت ضيق، وضربها لأتفه الأسباب، وإهانتها بشكل دائم ومستمر، وكذلك منعها من الاتصال بأهلها، وقد حاولت المسكينة مرارا وتكرارا أن تصلح من شأنه، عله يغير من سلوكه تجاهها، لكن دون فائدة، بل ازداد حقده وتعذيبه لها عندما علم بحملها، وأيضا لم تيأس إلهام، فحاولت وحاولت لعل قلبه يرق لها، حتى يئست من محاولاتها. وأصبحت في الشارع كمال طفل ملاك أهداها الله إياه، عله يبدل معاملة الزوج، لكن الصورة بدت أكثر ضبابية لأن عدنان كتم على أنفاس زوجته واشتدت معاملته لها سوءا. كانت أما يافعة لا تفقه أصول التربية للأطفال الرضع، فسخر الله لها ماري وهي ممرضة عطفت على حالها وساعدتها، لكن الأحوال في علاقتها الزوجية عصفت فيها الأعاصير ووجدت نفسها مطرودة في الشارع، تائهة، مشردة في شوارع إحدى المدن الإفريقية، بلا مأوى أو مسكن. صبية لم تتجاوز سن الرشد من عمرها، فحملها قدرها إلى العمل خادمة في بيت السيدة ريم، وهي لبنانية مهاجرة منذ أمد إلى إفريقيا، فعطفت على حالها، وأشفقت عليها، وانتقلت للخدمة بعدها عند الست هند وهي لبنانية أيضا ومقيمة هناك، فسلمتها إدارة شؤون الحياة إلا أن الأيام عادت لتستفز كيانها، بعد أن حاول ناصر رب البيت وزوج السيدة ريم التحرش بها ولفق لها قضية سرقة فوجدت نفسها من جديد في الشارع، أما محرومة من رؤية ابنها، لا صلة تربطها بوطنها وأهلها، إلى أن عملت في خدمة الحاجة أم بلال، وهي سيدة مسنة تقية فاعتبرتها في مكانة ابنتها وأغدقت عليها كل العطف والحنان، فشعرت بالأمان، وسعت لأن توفر المبلغ الذي فرضه عليها زوجها عدنان، ليتنازل لها عن حضانة طفلها. بعد الآمال .. الزمان ضدها كانت إلهام تدخر كل مليم على أمل توفير الفدية واسترجاع وحيدها إلى حضنها، لكن الأيام عاندتها هذه المرة، واختطفت منها الحضن الدافئ أم بلال، فعادت من جديد إلى الشارع حتى اجتمعت ثانية بالسيد بلال نجل أم بلال، فأخذها معه إلى البيت بناء على وصية والدته وأسكنها مع زوجته، وكذلك تعاونت معه شقيقته رنا على تجهيز كل الإجراءات القانونية كما أوصت الحاجة أم بلال في وصيتها، وتركت لها مبلغا من المال كرصيد، يعيلها على اختيار طريقها في الحياة. ظنت إلهام أن الأيام ستبتسم لها، بعد أن كلف بلال محاميا ليتوكل في قضيتها، وبالفعل تمكن المحامي جوزيف من انتزاع الحضانة من الزوج ومقايضته بالمبلغ الذي يطلبه، وعادت إلهام معززة إلى وطنها، بعد أن صدمت بموت والدتها في غيابها، فتأثرت بلوعة الفراق وقامت بتنظيم حياتها، لكن صفعات الزمان المدوية لها لم تتوقف، إلى أن امتدت إليها يد نبيل ابن عمتها، فجاء ليمسح بالأيام المقبلة الدمع من عينيها. فهل نجح أم أن الزمان جار عليهما أيضا؟! الرواية تميزت بأسلوبها الحواري المتقن وغير المعقد، السلاسة كانت سائدة في الحوار، والقصة كانت محبوكة بكلماتها الأدبية الغنية والسهلة، والمشاهد الواقعية التي استطاعت من خلالها أن تجذب القارئ، فيغوص بين كلماتها ويندمج في إحساسها المرهف. وهي مؤلفة من 173 صفحة من الحجم الوسط، ترجمت إلى اللغة الإنجليزية وتم ترشيحها لجائزة مهرجان كتارا في قطر، كذلك نالت الكاتبة زينة جرادي شهادة دكتوراه فخرية في الأدب العربي، تكريما عن روايتها "سجينة بين قضبان الزمن". كما شاركت في معرض الكتاب الدولي في أبو ظبي، معرض القاهرة للكتاب، ومعرض الكتاب في بيروت.

مشاركة :