تتجه الأنظار في لبنان نحو يوم 15 مايو/أيار المقبل، موعد إجراء الانتخابات النيابية، التي تعدّ الأولى بعد احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019. ومساء الثلاثاء، أغلق باب الترشيح إذ بلغ إجمالي عدد المرشحين 1043 في جميع الدوائر الانتخابية، بينهم 155 امرأة بنسبة نحو 15 بالمئة. واستمرّت الاحتجاجات الشعبيّة لأشهر متواصلة، طالب فيها المحتجون بانتخابات نيابية مبكرة، واستعادة الأموال المنهوبة، ورحيل ومحاسبة بقية مكونات الطبقة الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والافتقار إلى الكفاءة. وعلى الرغم من مرور أكثر من سنتين على "الثورة"، فإن مطالب الشعب لم تتحقق، إذ يعيش اللبنانيون اليوم أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، ما جعل الحاجة ملحّة إلى الانتخابات النيابية، لمحاسبة الطبقة التي أوصلت البلد إلى حالته اليوم. ** فرصة تغيير ينتظر المجتمع الدولي إجراء الانتخابات في لبنان، ولا يفوّت فرصة واحدة للتذكير بأهميتها. وشدد مجلس الأمن الدولي، مطلع شهر فبراير/ شباط الماضي، في بيان، على "أهمية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في الموعد المحدد لها". كما قالت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، في تصريح صحافي، إن هناك "إجماعا" في المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، مؤكدة على أنه "لا مجال للمناورة". المشهد لا يتغيّر داخلياً، إذ شدد رئيس البلاد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أكثر من مرة، على أن الانتخابات النيابية سوف تجري في موعدها في 15 مايو المقبل. كما أبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري تمسّكه بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى جماعة "حزب الله"، إذ أكد أمينها العام حسن نصر الله، في إحدى إطلالاته التلفزيونية، المشاركة في الانتخابات "بجدية وحضور قوي وبتفاعل ومسؤولية"، وفق قوله. ولكن، على الرغم من كلّ ذلك، لا تغيب فكرة التمديد لمجلس النواب عن الطرح، فهل سيترقب لبنان تمديداً لبرلمانه في ظلّ أسوأ أزمة مالية يمرّ بها؟ ** تمديدات سابقة لبرلمانات أطول فترة تمديد لمجلس نيابي لبناني كانت خلال الحرب الأهلية، إذ طال عمر البرلمان من مايو 1972 حتى مايو 1991. وكرّس اتفاق الطائف (1989)، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، معادلة اقتسام السلطة على أساس المحاصصة الطائفية، فتوزعت المناصب الرئيسة بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيون والسنة والشيعة. وبعد العام 2005، مددّ برلمان 2009 لنفسه أكثر من مرة لظروف أمنية وسياسية ولوجستية، وذلك مع بدء الحرب السورية وظهور تنظيم "داعش"، وبعدها لعدم الاتفاق على قانون انتخابي، لتحصل الانتخابات بعد 9 سنوات، أي في العام 2018، بدلاً من العام 2013. ** تمديد غير قانوني يقول الخبير الدستوري عادل يمين إنه "وفق القانون والدستور اللبناني، من غير الجائز التمديد للمجلس النيابي، لأن ذلك يتعارض مع المحدودية الزمنية للوكالة الشعبية التي منحها الناخبون لأعضاء البرلمان، وهي مدة 4 سنوات". كما يتعارض التمديد كذلك حسب تصريحات يمين للأناضول، مع "قاعدة أن الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات، وقاعدة أن لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، بحسب ما تنص عليه مقدمة الدستور". ويلفت يمين، إلى أن "التمديد لا يحصل إلا إذا وقعت قوة قاهرة غير مرتقبة منعت عمليا إجراء الانتخابات، مثل وقوع أحداث أمنية كبيرة"، معتبرا أن الوضع اليوم لا يستدعي التمديد للبرلمان. ويعتبر يمين أن الانتخابات استحقاق دستوري وقانون مقدس ولا يجوز التلاعب بموعده، كما أنها تأكيد على تمسك لبنان بنظامه الديمقراطي البرلماني، وهي فرصة لتعبّر الناس عن خياراتها، في ظل الأزمات التي تعيشها البلاد، فإما التمسك بكل النواب أو استبدالهم. ** التمديد وارد يرى المحلل السياسي اللبناني ميخائيل عوض أن "الانتخابات ممكن أن تتأجل لمدة 6 أشهر أو ألا يتم إجراؤها"، ما يعني حتماً التمديد للبرلمان. ويقول عوض لـ "الأناضول" إن "أمريكا فشلت في تحقيق الأكثرية الساحقة في لبنان، على الرغم من دعمها المجتمع المدني، لذا فإنها لا تريد إجراء الانتخابات". وتتهم أطراف، منها جماعة "حزب الله"، المجتمع المدني في لبنان بتلقي أموالاً من جهات خارجية منها أمريكا، من أجل خلق رأي عام ضدّ الجماعة وضدّ سلاحها في البلاد، رغم تأكيدها أن السلاح يُستخدم حصرا لمقاومة إسرائيل التي تحتل أراضٍ في جنوبي لبنان. ويعتبر عوض أن الإدارات الغربية التي كانت تستعد للانتخابات هي نفسها ستسعى إلى تأجيلها، مشيرا إلى أنه "بالانتخابات، سيستطيع "حزب الله" تأمين أكثرية برلمانية وازنة، وهذا يعني انقلاباً في أهداف أميركا". وعن عدم قانونية التمديد للبرلمان، يرى أنه "في لبنان لا قيمة للقانون ولا للدستور". ** لا تمديد لا يتوافق كلام عوض مع المحلل السياسي يوسف دياب، الذي يرى أن "الأمور تتجه نحو إجراء الانتخابات وكل التحضيرات على الأرض تدل على ذلك". ويقول دياب إن "سبباً واحداً ممكن أن يمدد للبرلمان الحالي ويؤجّل الانتخابات، وهو "حصول عمل أمني داخلي أو خارجي"، لافتا إلى أن شكل العمل الأمني الداخلي ربما يكون عبر افتعال إشكالات في الشارع. لكن لغاية الآن، فإن الجيش والقوى الأمنية تضبط الوضع من خلال الأمن الاستباقي". أما بالنسبة إلى العمل الأمني الخارجي، وهو "الأخطر" برأيه، ويقصد به حصول نزاع مع إسرائيل، فيشير دياب إلى أن "الأخطر هو حدوث تحرش إسرائيلي بالساحة اللبنانية، ورأينا مؤخراً الاستعراضات الجوية الإسرائيلية". وفي 18 فبراير الماضي، حلقت طائرات حربية إسرائيلية، على ارتفاعات منخفضة فوق العاصمة بيروت وضواحيها وجبل لبنان. وجاء ذلك، عقب إعلان "حزب الله" اللبناني تنفيذه مهمة استطلاعية ناجحة بطائرة من دون طيار لمدة 40 دقيقة في الأجواء الإسرائيلية. في المقابل، يستبعد دياب قيام "حزب الله" بعملية ضد إسرائيل قبل تبلور المفاوضات في فيينا، لافتا إلى أن "إيران لا تسمح للحزب بالقيام بأي تحرش بإسرائيل طالما أنها تراهن على حصول اتفاق نووي". بالمحصلة، يبقى حصول حدث أمني كبير هو العامل الأساسي الذي ممكن أن يؤجل الانتخابات النيابية اليوم، وفق الخبراء، وذلك بعد انجاز الخطوة الرسمية الأولى لخوض هذا الاستحقاق، التي تمثلت بإقفال باب الترشيح للانتخابات، مع 1043 مرشحاً. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :