غاب قمري والتاع قلبي

  • 3/18/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لقد عبّر يوسف عليه السلام عن أمه وأبيه بالشمس والقمر لأن الأول دفئه والآخر أمنه وإن كان الرجل يشيب عند فقد أمه فإن الثقل يعظم عليه عند فقد أبيه، ولذلك هما يشكلان في نفس المرء عصب يومه لا يستقيم ما لم يكن بين السراج والضياء فإن كسف أو خُسف بأحدهما فج القلب إلى الله بأن يظهرهما في سمائه التي أصبحت خاوية على نجومها وغسق نهاره وعتم ليله. عند خروجي من المشفى بعد أن فجع قلبي الطبيب على والدي بأن أنفاسه قلائل خرجت وحيدًا ولا أعلم إلى أين اهتدي وأنا أرى يدي لأول مرة تنفك عنه ولأول مرة أعلم أن الليل مهيب وكأنني أول مرة أرى أن في اليوم ليلاً طويلاً حينما علمت بقرب خسوف قمري وأن الدنيا ثقيلة على كاهلي النحيل ودارت بي الأيام والسنين واللحظات الخوالي، هناك حملني على أكتافه وبين يديه ألقاني نحو السماء وهناك طاردني بين ألعابي ومقتنياتي وهناك أضحكني وأفرحني وهناك أواني ورحمني وهناك أفرج همي ونفّس كربي وقضى ديني وسأل عني وزارني ربما أكثر من زيارتي لهما وهنا اليوم أبكاني وحتى الغد أبكيه. فقدت كثيرًا كلمة يا أبي وفقدت كثيرًا الحديث معه جالسًا وبين يديه وفقدت كثيرًا الجلوس بين قدميه ليرتدي نعله مهرولاً لاحضارهما وفقدت فتح الباب له وفقدت كثيرًا سؤاله ألا زلت بخير أم لا وفقدت مسك يديه ليتكئ ويستند على يدي وفقدت جلوسه على مكتبي وأنا أعد له قهوته وشاهيه وأحضر له الصحف وفقدت تطوافه الشعري والأدبي والديني والقبلي والإنساني والأخلاقي (مدرستي ومعلمي وقدوتي) وأعتقد أن جميع من فقد أباه يشاطرني ذات الشعور ولكن هكذا هي سنة الحياة وحكمة الله في خلقه فالكل يفنى سوى الله الواحد الباقي. لقد رد الرسول فضل كل من أفضله بشيء إلا واحد ترك الله يكافئه لأنه الوحيد الذي صدقه في وقت كذبه الناس جميعًا وإني لأسلك هذه الأسوة الحسنة من النبي الكريم وأطلب من الكريم العفو الذي عم برحمته المؤمنين والكافرين والمصلحين والمذنبين أن ينزل عليه رحماته تترى ما تعاقب الليل على النهار والنهار على الليل، ويغسله بالماء والثلج والبرد وينقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأن يمهد قبره ويفرشه من جنان الفردوس ويضيئه بنور وجهه الكريم الذي ملأ أركان عرشه واستضاء به كل شيء ويؤنسه فيه ويرفع درجته ويعلي منزلته ويجزيه عنا خير ما جزى والدٌ عن ولده ويجمعنا به في أعلى الجنان.

مشاركة :