عاطف عبدالمجيد لـ المدينة : الشعر سيد الأجناس الأدبية بلا منازع

  • 3/18/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تراه عاكفًا على مشروعه الإبداعي، دون ضجيج وبلا مزاحمة لأحد، مشروعه بلغ عشرين كتابًا ضمن رحلته الأدبية التي يواصل السير فيها دون كلل أو ملل.. هو يؤمن أن الشعر ملك الأجناس الأدبية كلها بلا منازع، وبلغ به من وفائه للشعر أن يؤكد أن الشعر وحده - دون غيره - هو الذي يجعلك ملكًا متوجاً في مملكة الإبداع.. وهو نفسه الذي يرى أن الشعراء أنفسهم يُفاقمون من أزمة الشعر ! إنه الشاعر والمترجم عاطف محمد عبدالمجيد، الذي يكتب القصيدة التفعيلية قانعًا بالمغامرة داخل أسوارها الذهبية، ويترجم لكبار الكُتاب من مختلف بلدان العالم، ويعمل مدرسًا للغة الفرنسية. مما صدر له شعرًا: لماذا أنتَ دونهم؟ - وحين احتراقي تكون القصيدة – سأشعل كيفما أهوى طقوسي - ترنيمات من صومعتي – من طينة أخرى دمي – من بئر الأسئلة – كأشياء عادية أكتب قصيدتي، ومن ترجماته: حزن مدرسي – ملك كاهل – رحلة العم ما – القرية الصغيرة – قداس أوزة النيل – الأمير الصغير. . أشعار سلوى حجازي – الأفكار – أن تكون فنانا حرًّا، موت القائد العام وغيرها. بمناسبة ديوانه الأخير « لم أعد مؤمنًا إلا بي « وكتابه النثري « رسائل الأيقونة الخضراء، كان لـ» المدينة» معه هذا الحوار.. * أنت شاعر يترجم عن الفرنسية لكبار الأدباء ويكتب نقدًا أدبيًا فى عدد من الدوريات المتخصصة، ألا يكفى الشعر وحده ليرضى روحك؟ ** لي أن أقول لك: إن الشعر هو سيد الأجناس الإبداعية، وللشاعر أن يتباهى بموهبته التي اختصه بها الله ولا يمتلكها كثيرون. وحده الشعر يجعلك ملكًا متوجاً في مملكة الإبداع، تتجول فيها ناظرًا للآخرين من علٍ. والشعرهو الوقود الذي يمكنني من مواصلة رحلة الحياة بما فيها من مشاق ومآسي، هو كلمة السر التي تجعلني أتحمل ما أتعرض له من مضايقات سواء من الحياة نفسها، أو ممن يَحْيوْنها. أما عن سؤالك فلي أن أجيب بنعم، لكن الشعر - كما تعلم - عزيز في مجيئه وهو سيد قراره، يحلّ ضيفًا وقتما يريد ويغيب وقتما يريد. وأنا لم أُصَبْ بداء الاستسهال الشعري، وأظنني واحدًا من المُقلّين كتابةً لأنني أُولِي اهتمامًا كبيرًا بمسألة الكيف فيما لا تعنيني مسألة الكم مطلقًا. وأمامك شعراء كثيرون يمكن تلخيص كتبهم التي تجاوزت المائة كتاب في كتاب أو اثنين لهما قيمة فعليًا، ولأنني أهتم بالوقت ويسوءني أن يضيع الوقت سُدًى، دون أن أفعل فيه شيئًا، أمارس شيئين أعتبرهما قريبين من تخوم الشعر: الترجمة التي أشغل بها وقتًا لا يزورني وحي الشعر فيه، ثم لا تنسَ أن الترجمة هي نوع آخر من الإبداع، أمارسه بحب أيضًا. كما أنني وأنا أترجم أضرب عدة عصافير بحصاة واحدة: أقرأ كتابات مبدعين آخرين يعيشون في عالم تختلف مفرداته عن عالمنا، فأدخل عالمهم وأتعرف على ثقافتهم وإبداعاتهم وأفكارهم. (وأحمد الله تعالى أن ترجماتي نالت استحسان مترجمين جزائريين وتونسيين، وأنت تعرف مدى قرب هؤلاء من اللغة الفرنسية إلى جانب العربية)، كذلك أمارس خبرتي كشاعر في الترجمة، محاولاً أن أخرج نصًّا مترجمًا موازيًا للنص الأصلي. إن فرحتي بكتابة قصيدة لي لا تساويها إلا فرحة ترجمتي لقصيدة أو لنص أشعر أني راض عنه، مثلما أحاول أن أعيش مع شعر الآخرين وأنا أعبّر عن رأيي في كتاباتهم حسبما تراه ذائقتي، وبهذا أرى أنني لم أبتعد كثيرًا عن مضمار الشعر. . أليس كذلك؟. خيانة للنص * هل الترجمة مهما بدت محترفة ومتقنة ليست سوى خيانة للنص الأصلي؟ ** بدايةً، لا يُنكرأحدٌ أهمية الترجمة وفضلها على شعوب الأرض أينما ووقتما كانت. فإضافة إلى ما تُحدثه الترجمة من حِراكٍ فكري وثقافي ينمو ويتكاثر في ظل وجودها وما تثمره من روابط وعلاقات وتبادل ثقافات وأفكار فيما بين الشعوب وبعضها فإنها تؤدي ـ وبشكل ملموس ـ دورالشعلة التي تعمل على إذابة جبال سوء الفهم والشقاق فيما بين الشعوب وبعضها وتُقرِّب بشكل أو بآخر فيما بينهم، كذلك تقوم مقام المصباح الذي يُضئ المناطق المعتمة بالنسبة للآخرين سواء في حاضر الأمم أو في ماضيها. ودون وجود فعل الترجمة في مناخ مناسب أو دون الاهتمام به كما ينبغي كما يحدث في بلاد العالم الأول فإن الخسارة تكون لا حد لها. أما عن مسألة الخيانة، فأنا لا أذهب إلى ما ذهب إليه الشاعر هاني الصلوي حين يقول: الترجمة ليست خيانة ً بل هي كرم فائض يمنح الفاعلُ ( المترجمُ ) النصَ روحه ودمه، ولا أعتقد أن الأمانة محبذة في هذا السياق، وكذلك الخيانة باعتبارها الترجمة، رغم ذلك أؤمن بــ « إيجابية الترجمة الخاطئة «(كما كتبت ذات جنون) أو بــ»خيانة الخيانة «. لايهمني سوى أن تولـِّــد نصًّا جميلاً، قد ينطبق هذا على ترجمة النصوص غير الأدبية من وإلى اللغات المتعددة ، ولعلنا ندرك كيف نشأت فنون أدبية مستجدة وفاتنة بسبب من سوء نقل هذه الفنون من لغة إلى لغة، فنون لاعلاقة لها أبدًا بالفنون الأصلية إلا في التسمية. لكني مع مَن يرى أن المترجم لابد وأن يكون أمينًا في نقل النص إلى لغته. لكنك تعرف أن هناك أشياء يصعب نقلها كما هي من لغتها إلى لغة أخرى إن لم يكن هذا مستحيلاً. كذلك يمكننا أن نتحدث عن مقدار الخيانة التي يرتكبها المترجم وفقًا لمهارته وتمكنه من اللغتين وحجم ثقافته أو العكس. مغايرة للمألوف * لمْ تكتب قصيدة النثر رغم سيادتها للمشهد الشعري في الوقت الذي تكتب فيه قصيدة التفعيلة والعمودية أيضا.. فمتى تخوض مغامرة مغايرة للمألوف؟ ** لك أن تعرف أنني أمتلك عقلاً إبداعيًا متفتحاً يقبل ويؤمن بتجاور كل الجناس الأدبية. أي لست ممن يُقصون الآخرين لمجرد أنهم يمارسون فنًّا إبداعيًا مغايرًا. كذلك لا أنفي عن نفسي كوني مؤمنًا بأن أي فن إبداعي لابد وأن يكون له قيوده وقواعده وشروطه التي تُحرّم على عديمي الموهبة والمتسللين حتى الاقتراب من أسواره، وأكثر ما نال إعجابي في هذا الصدد ما قاله أحدهم: أنخبركَ الحقيقة أم نُكنّي / مخافة أن تظن بنا الظنونا؟ مسيرك في الحياة بغير قيد / جنون لم يزد إلا جنونا ووزن الشعر ظاهره قيود / وقيد الوزن يجعله فنونا هذا لا يعني أن ثمة نصوص عديدة تنتمي لقصيدة النثر لا تعجبني فقط بل تبهرني، ومع هذا لم أرَ نزوعًا في نفسي لكتابتها، إذ أراني أستطيع أن أقول ما يمكن أن يقال في قصيدة نثر، أقوله في قصيدة تفعيلية أو عمودية. وربما يرجع هذا إلى أنني أمارس كتابة قصيدة النثر وأنا أترجم عبقرية الموهبة - كما أرى - لا تظهر حين تختفي القواعد المنظمة للفن، بل تزداد بريقًا وتألقًا كلما زادت قبضة القيود. وأنا أحاول أن أخوض في كل قصيدة أكتبها مغامرة مغايرة للمألوف، لكن في زيّ قصيدة تفعيلية أو خليلية، وربما يأتي يوم أقول لنفسي: وجدتها، معلنًا رضاى بعض الشيء عن قصيدتي. لكن هل تتفق معي حين أقول لك إن المغامرة مثلما تَحْدث بانتقالك من جنس أدبي إلى آخر، يمكن أن تفعلها في الجنس نفسه؟ فراغ نقدي * هل كتاباتك النقدية تأتي كسد لحالة الفراغ النقدي التى يعاني منها المشهد الأدبي عموما،أم أن نزوعا للتنظير يدفعك إلى هذه المنطقة الجافة؟ ** حقيقةً أنا لا أعتبر نفسي ناقدًا، فقط - وهذه هي قناعتي - أعبّر عن ذائقتي وانطباعي عن العمل الذي أقرأه. وألجأ إلى هذا لأسلّط الضوء على مبدعين كثيرين مظلومين (أنا واحد منهم)، تجاهلهم النقاد كبارًا وصغارًا ولم يلتفتوا إليهم. ومن أسف ترى أن هناك كتابات قبيحة، يستكتب أصحابها بما في أيديهم نقادًا ليجعلوا منها درةَ عصر وزمان. وفي الوقت نفسه هناك كتابات راقية، إلا أنها لا تنال حقها النقدي. بالفعل هناك أزمة نقد تسببت فيها أشياء عدة، منها ما يُسأل عنه النقاد أنفسهم، ومنها ما يُسأل عنه المبدع نفسه، ومنها ما يخرج عن يد الناقد والمبدع. وفي هذا الصدد أذكر ما قالته نتالي ريش مديرة تحرير باريس ريڤيو: (عندما تحوَّل الناقد إلى مُروِّج تجاري للكتب لاسيما الرديئة منها خسر النقد دوره وفشا الكَتَبَةُ الطفيليّون وذوو الموهبة الهزيلة حتى أنهم كادوا يتبوءون الصدارة). عقبات في الطريق *عشرون كتابًا هي حصيلة رحلتك الأدبية، فكيف ترى هذه الرحلة وما تقييمك للمشهد الشعري الراهن؟ ** رحلتي الإبداعية كلها تعب وجهاد من أجل تحقيق الذات الإبداعية، ومزاحمة من سبقوني في مجالي، والبحث عن مكان يخصني وحدي.. ولا أبالغ حين أقول إنني عانيت كثيرًا وواجهت وجابهت عوائق ومطبات خرسانية وُضعتْ في طريقي، استطعت، بفضل الله أولاً، وبما منحني من طاقة وقدرة، أن أتخطاها وأصل إلى ما أريد. ولأني أعرف منذ بدايتي أن طريق الأدب ليس مُعَبَّدًا وليس مفروشًا بالورود والرياحين، فقد صبرت وتحملت الكثير في هذا السبيل: أن تتجاهلك المطبوعات وأنت في بداياتك لأن اسمك ليس معروفًا، أن تنتظر طباعة ديوان في الهيئات الحكومية ست سنين وأكثر لأنك ليس لك ظهر في دنيا الكتابة، أن يتحكم في النشر لك أو عدمه محرر عمل في الصحافة بالصدفة البحتة، أن يحاربك كثيرون لا لشيء سوى لتحققك ولنجاحك الرنان، ألا يلتفت إليك النقاد لأنك لا تنتمي إلى شلتهم أو إلى شلة تتبادل مصالحها مع شلتهم. . . أن. . . وأن. . . وهذا ما يجعلني أقول إنني عصامي بنيْتُ نفسي الإبداعية بنفسي من دون معونات خارجية والحمد لله. أضف إلى هذا أنني سعيد بهذا الذي يجعلني حين أنظر إلى مرآتي أحترم نفسي وأعطيها قدرها الذي تستحقه وأقول لها لكِ أن تهنئي بما وصلتِ إليه راجيًا إياها أن تنسى كل ما تعرضت له من مضايقات في ما مضى. أما عن تقييمي المتواضع للراهن الشعري الراهن فيمكن أن أقول إن الشعر يمر في اللحظة الراهنة بأزمة كبيرة تتشابك أسبابها معاً للوقوف في طريق الشعر وعرقلة مسيرته. ويتفق بعض الشعراء مع كثير من النقاد مع كثيرمن أصحاب دور النشر في هدم آخر لَبِنات جدار الشعر: الشعراء باتجاههم إلى نوع من الكتابات التي غالبًا ما تُنفر المتلقي من الشعر، والنقاد بتلميعهم للنماذج الشعرية المتواضعة والرديئة أحيانًا وبتجاهلهم لنصوص ذات قيمة، وأصحاب دور النشر بمساندتهم لكُتَّابِ النثر وتحمسهم للرواية ورفضهم – إلا نادرًا – طباعة دواوين الشعر لأنها – من وجهة نظرهم – لا تبيع. هذا إلى جانب أن الشعراء أنفسهم يُفاقمون من أزمة الشعر بعدم اقتناعهم بتجاور الأجناس، إذ نجد أن كل فصيل شِعري يحاول أن ينفي الآخر ولا يعترف بإبداعه من الأساس، بل يَصِفه بالتافه والسييء، في الوقت الذي يرى أنه قد سبق إلى كتابةِ شيء لم يسبقه إليه أحدٌ من قبل.

مشاركة :