أظهرت دراسة أميركية جديدة، أن استخدام تخدير الإبرة في الظهر للولادة المهبلية Vaginal Delivery، يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالمضاعفات السيئة لدى الأمهات بنسبة واضحة، وخاصة انخفاض نزيف ما بعد الولادة. ويوصف ألم المخاض والولادة بأنه أشد الآلام التي تعاني منها المرأة في حياتها. وهو ألم شديد مماثل لدرجة بتر الإصبع. وتؤدي هذه الحالة المُجهدة إلى تأثيرات سلبية على فسيولوجيا الأم والجنين. ورغم أن الطريقة المثلى للمعالجة القائمة على الأدلة العلمية، لألم المخاض والولادة لا تزال محل نقاش عند الأوساط الطبية، فإن من المعترف به أن إبرة الظهر لتسكين الألم فوق الجافية Epidural Analgesia، هي الوسيلة الأكثر فاعلية والمعيار الذهبي للتعامل مع آلام المخاض والولادة. وأفاد الباحثون الأميركيون بأن ما بين 65 في المائة و80 في المائة من النساء في الولايات المتحدة، يتلقين تخدير إبرة الظهر أثناء المخاض والولادة. تقليل المضاعفات الوخيمة وتشير النتائج الجديدة إلى أن زيادة استخدام إبرة الظهر للتخدير، حسّن من نتائج صحة الأم وقلل من احتمالات حدوث المضاعفات الوخيمة، خلال وما بعد المخاض والولادة. وذلك وفقاً لما نشره باحثون من جامعة كولومبيا في نيويورك، ضمن عدد 22 فبراير (شباط) الماضي من مجلة «جاما الشبكة المفتوحة» JAMA Network Open. ولفحص هذه العلاقة، حلل الباحثون نتائج نحو 600 ألف عملية ولادة تمت في مستشفيات نيويورك في الفترة ما بين 2010 و2017، وكان نصفهن قد تلقين التخدير بالإبرة في الظهر. وركز الباحثون على 16 نوعاً من المضاعفات والاعتلالات المرضية الشديدة عند الأمهات ذات الصلة بعمليتي المخاض والولادة، مثل قصور القلب والتهاب الدم وجلطة الرئة وجلطات الأوردة العميقة والفشل الكلوي. إضافة إلى 5 إجراءات تدخلية قد يضطر إليها الأطباء، كاستئصال الرحم والحاجة إلى جهاز التنفس الصناعي. ووفق ما أفاد به الباحثون، كانت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC قد نبهت إلى ملاحظتها ارتفاعاً في معدلات حصول مضاعفات ما بعد الولادة فيما بين عام 2019 و2020، وارتفاع معدل وفيات الأمهات من 20.1 (عشرين فاصلة واحد) إلى 23.8 (ثلاثة وعشرين فاصلة ثمانية) حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية. إبرة الظهر وبالمراجعة لمصادر طب التخدير وطب التوليد، ثمة خيارات عدة متوافرة لتسكين ألم المخاض والولادة. وكان أطباء التخدير وأطباء التوليد في «مايوكلينك» قد قدّموا دليلاً إرشادياً للأمهات الحوامل حول أنواع وسائل وأدوية تسكين الألم خلال عمليتي المخاض والولادة. وتضمن ذكر مزايا وعيوب كل منها. وباستخدام إبرة الظهر، هناك نوعان رئيسيان من تقنيات التخدير خلال مرحلتي المخاض والولادة. أحدهما التخدير فوق الجافية Epidural Block، والآخر التخدير النخاعي Spinal Block. وكلاهما يُصنف طبياً بأنه إجراء موضعي باستخدام الإبرة في الظهر، يمكن اللجوء إليه أثناء الولادة لحجب الشعور بالألم. وفي «إبرة الظهر» بالعموم، يتم إدخال أنبوب صغير جداً عبر المسافة الصغيرة ما بين الفقرات العظمية أسفل الظهر. والاختلاف بين الطريقتين هو في نواحٍ متعددة كما سيأتي. • تخدير فوق الجافية. وفي التخدير فوق الجافية يُدخل الطبيب الإبرة في منطقة «أعلى» ضمن فقرات أسفل الظهر، ويصل بالإبرة إلى منطقة Epidural Space التي تقع خارج الحبل الشوكي Spinal Cord. ولذا؛ تُسمى فوق الجافية، أي لا تخترق غشاء الجافية الذي يغلف الحبل الشوكي العصبي. ويُستخدم هذا الأنبوب لحقن نوع واحد أو أكثر من أدوية تسكين وتخدير الألم. وتعمل هذه الأدوية المُسكنة موضعياً، لتخدير الأعصاب في تلك المنطقة من «الحبل الشوكي» نفسه. وبالتالي، فإن الشعور بالألم لا ينتقل من غالبية مناطق الحوض إلى الدماغ. ونتيجة لذلك؛ لا تشعر المرأة بالألم آنذاك. ويسمح هذا الإجراء بإعطاء الأدوية إما بصفة «متكررة» على هيئة نبضات من الحُقن الدوائية بكمية ضئيلة جداً وكافية لتخفيف الألم، أو بصفة «مستمرة» وفق برمجة طبيب التخدير لحق الدواء المُخدّر. ولذا؛ يبدأ مفعول الدواء خلال مدة قصيرة، تتراوح بين دقيقة واحدة و15 دقيقة، وفق نوع المخدر المُستخدم. ويناقش الطبيب مع الأم الحامل الوقت الأمثل لطلب استخدام وسيلة التخدير هذه خلال عمليتي المخاض والولادة. وحول أهم المزايا والعيوب، يضيف أطباء «مايوكلينك»، «وقد لا يمكنكِ الخضوع للتخدير فوق الجافية إذا كنتِ قد خضعتِ لجراحة كبرى في أسفل الظهر، أو إذا كانت عوامل تجلط دمكِ منخفضة، أو إذا كنتِ مصابة بعدوى في أسفل ظهرك، أو إذا كنت تتلقين أدوية معينة لتمييع الدم». ويضيفون حول المزايا بالقول «يخفف التخدير فوق الجافية معظم الألم الذي تشعرين به في الجزء السفلي من الجسم دون إبطاء المخاض بشكل ملحوظ. وسوف تظلين متيقظة ومنتبهة، وسيستمر شعورك بالضغط وبعض الشد أثناء الولادة». ويذكرون العيوب المحتملة بقولهم «قد تكون تجربتك مع تخدير فوق الجافية غير مناسبة أو تتعرّض للفشل. وربما يسبب تخدير فوق الجافية انخفاضاً في ضغط دمك؛ ما قد يؤدي إلى إبطاء ضربات قلب طفلك. وقد تُصابِين بالحمى أو حكة أو تشعرين بآلام بعد الولادة في ظهركِ. وفي بعض الحالات النادرة قد تشعرين بصداع حاد». • التخدير النخاعي. وهو درجة أعمق في التخدير باستخدام إبرة الظهر. ويُلجأ إلى التخدير النخاعي عادة في منع الإحساس بالألم أثناء الولادة القيصرية. ومع ذلك، يمكن استخدام حقنة تخدير نخاعي واحدة، كمخدر موضعي، إذا كان من المتوقع أن تتم الولادة في فترة قصيرة أو إذا كانت هناك حاجة إلى سحب الجنين بالملقط الجراحي أو بالشفط، ويوجد وقت يكفي لإجراء التخدير هذا. وتختلف هذ الطريقة عن التي قبلها، رغم أن في كليهما تُستخدم الإبرة في الظهر. إذْ يُدخل طبيب التخدير الإبرة في منطقة «أدنى» ضمن فقرات أسفل الظهر، ويصل بالإبرة إلى المنطقة التي تتواجد فيها الأعصاب الخارجة من النهاية السفلية للحبل الشوكي. ويتم حقن الدواء المخدّر في السائل أسفل الحبل النخاعي، أي في الجزء السفلي من الظهر، ويسري مفعوله في العادة في غضون دقائق. وفي المزايا، يذكر أطباء «مايوكلينك»، أنه يخفف الألم تخفيفاً كاملاً في الجزء السفلي من الجسم لمدة ساعة أو ساعتين تقريباً. ويُعطى الدواء المُخدّر مرة واحدة فقط وبجرعة صغيرة. وتبقى الأم في حالة يقظة وانتباه لما يدور حولها. وتتشابه عيوب هذه الطريقة بالتي قبلها. وسائل تخدير أخرى ويُمكن استخدام عقاقير عدة أفيونية Opioids المفعول لتقليل الألم أثناء المخاض. حيث يمكن حقنها في العضل أو من خلال الوريد. وصحيح أنها تعزز الإحساس بالراحة، ويبدأ مفعول معظمها خلال دقائق، إلا أنها لا تؤدي إلى إزالة ألم المخاض تماماً، وليس لها مفعول في العادة مع الألم الذي يحدث أثناء الولادة، إضافة إلى احتمال تسببها بالغثيان والقيء والنعاس؛ ما قد يُؤثر على عملية التنفس لدى الطفل حديث الولادة وتسبب له النعاس، وهو ما قد يعيق المراحل الأولى من الرضاعة الطبيعية. كما يمكن استخدام التخدير الموضعي Local Anesthetics لتخدير منطقة المهبل أو لتخدير العصب الفرجي Pudendal Block، بشكل سريع. وذلك في حال الحاجة إلى عمل شق جراحي لزيادة فتحة المهبل Episiotomy أو إصلاح التمزق بعد الولادة. وحينها يتم حقن الأدوية في المنطقة المحيطة بالأعصاب التي تنقل الإحساس بالألم من المهبل والفرج. ومن المزايا، أنه يُخدر منطقة معينة لفترة مؤقتة، ونادراً ما تحدث نتيجته آثار سلبية على الأم والرضيع. ولكنه لا يُخفف من ألم تقلصات الرحم. آلام المخاض والولادة... من أين تأتي وكيف نفهمها؟ > تظل مصادر الشعور بالألم خلال مراحل المخاض والولادة Labor Pain من المواضيع التي لا تزال تشغل أذهان الباحثين الطبيين. وعادة ما يأتي ألم المخاض تدريجياً، ويتراكم مع التقدم في مراحل المخاض والولادة. والبداية من الرحم. ذلك العضو العضلي الذي يتقلص وينقبض بموجات قوية ومتتابعة لإخراج الطفل، عندما يحين موعد الولادة الطبيعية. وهذه الانقباضات هي المصدر الأساسي للألم. ومع الشد الشديد للعضلات في جميع أنحاء البطن والجذع والحوض، قد تشعر المرأة بالضغط على الظهر، وأسفل الحوض (العجان Perineum)، والمثانة، والأمعاء. وكل هذا يتحد ليتفاقم الشعور بالألم. ويعتمد مقدار الألم على مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك: - قوة التقلصات في انقباضات الرحم. - حجم الطفل وموضعه في الحوض. - سرعة تتابع حصول التقلصات. وتشير المصادر الطبية إلى عنصر رابع مهم، وهو تأثير مجموعة من الجينات والخبرات السابقة في الحياة، على تحديد عتبة الألم Pain Threshold لدى المرأة، أي مدى قدرتها على تحمّل الألم ومتى تبدأ معاناة الإنهاك منه. وأيضاً هناك عنصر خامس، وهو تأثير الدعم، وخاصة من الزوج والقابلة، والشعور المسبق بالخوف والقلق نتيجة القصص التي سمعتها المرأة من قبل عن الولادة ومراحل المعاناة منها لمختلف النساء من حولها. ولذا؛ إذا كانت عتبة الألم منخفضة لدى المرأة بالأصل، فإنها في حاجة إلى رعاية، من القابلة ومن الزوج. وهو مما يزيد من قدرتها على التعامل مع المخاض. وبالمراجعة، يحصل الألم في 5 مراحل على النحو التالي: * آلام المخاض المبكرة. وتصل مدة هذه المرحلة إلى 6 ساعات أو أكثر. وخلالها يتسع عنق الرحم أو ينفتح من 3 سم إلى 4 سم، ويبدأ في النحافة والترقق. وعادة ما تستمر الانقباضات الخفيفة إلى المعتدلة من 30 إلى 60 ثانية، وتحدث كل خمس إلى 20 دقيقة، وتصبح أقوى وأكثر تكرراً. * آلام المخاض النشطة. وتصل مدة هذه المرحلة من 2 إلى 8 ساعات تقريباً. وخلالها تستمر الانقباضات، وتصبح أطول وأقوى وأقرب من بعضها بعضاً، ويتسع عنق الرحم ليصل إلى 7 سنتيمترات. وعندها تطلب معظم النساء مسكنات الألم. * آلام المخاض الانتقالية. وتستغرق ما يصل إلى 1 ساعة. وخلالها يميل الألم إلى أن يكون أقوى عندما ينتهي عنق الرحم من الاتساع إلى 10 سنتيمترات. وبالإضافة إلى الانقباضات الشديدة والمتقاربة، قد تشعر المرأة بألم في الظهر والمهبل والفخذين والأرداف، إضافة إلى الغثيان. * آلام مرحلة الدفع. ومدتها من بضع دقائق إلى 3 ساعات، على اختلاف حال المرأة وعدد مرات الولادة السابقة وعوامل صحية أخرى في الجنين. وخلالها، ربما يخفف الضغط الشديد لدفع خروج الجنين، من الشعور بالألم؛ لأن المرأة تشعر برغبة كبيرة في إخراج الطفل وحمله. وتحديداً، وعلى الرغم من استمرار الألم، وتقول العديد من النساء، إنه من المريح الدفع لأنه يساعد في تخفيف الضغط. وعندما يخرج رأس الطفل أو يصبح مرئياً، قد تشعر المرأة بألم حرقة حول فتحة المهبل أثناء تمدده. * آلام خروج المشيمة. ويستغرق ذلك ما يصل إلى 30 دقيقة. وتميل هذه المرحلة إلى أن تكون سهلة نسبياً، حيث تعمل الانقباضات الخفيفة على تخفيف خروج المشيمة. وفي هذه المرحلة، تركز الأم على مولودها الجديد. * استشارية في الباطنية
مشاركة :