عندما تجالس أهل الفن .. ولاسيما النجوم الكبار للموسيقى والغناء في مكة المكرمة وتحديدا في أحدية الموسيقار الكبير جميل محمود أو الذي نستطيـع وصفه بالمتـنفس أو الرئة الموسيقية لتراث الغـناء وحديثه في مكة المكرمة، عندما تـتاح لك الفرصة لتعيش هذه الأجواء الفنية المرتبطة بثقافة مكية يستنطق فيها الفنانون أو المبدعـون منهم تـراب مكة وجبالها وعـبقها وعـراقـتـها لتأكيد الكثير مما وثـقه الباحث الدكتور شوقي ضيف عن الفـن في كتابه «تأريخ الشعـر والغـناء في المدينة ومكة» ، ذلكم السفر الرائـع الذي استعرض فيه مؤلفه مسيرة هذين العاملين في عهد بني أمية. وتـتخيل إلى أي مدى تعود بك الذاكرة في موسيقانا العربية المرتبطة بالأرض والبيئة ، بمعنى أنك ربما عـدت بخيالك إلى ماض سحيق أو غير سحيق ــ لك أن تحدد الوصف المناسب ــ عندما كان زريـاب يداعب الأوتار وأوصلته هذه المداعبة إلى إضافة وتـر خامس للعـود الأمر الذي أصبح إلزاميا فيما بعد في شكل العـود كما هو في جوهره نغما ، ثم جاءت براعة وفلسفة سيد العـود في القرن العشرين فريـد الأطرش الذي أضاف وتـرا سادسا لآلة العـود ، ولكن ظل هذا العـود السداسي هو عـود فريـد الأطرش وليس وصفا أو ضرورة العود في كل مكان فقليلون هم من سدسوا أوتـار العود بشكل عام. نعـود لأحدية الأستاذ جميـل محمـود التي كان الهدف منها دائما جمع فناني مكة من أبناء الغناء والموسيقى والشعـر ، لذا كنا نرى منذ تأسيس هذه الأحدية ولا زلنا ــ عدا من توفاهم الله ــ شاعرنا المكي الكبير الذي هو شاعر الوطن بلا شك إبراهيم خفاجي أطال الله في عمره ، الشاعر عبد الرحمن حجازي رحمه الله، والشاعر ياسين سمكري ، والراحل محمد أمان ، سراج عتيق ، عدنان مخصوم ، وغيرهم. ويقول الأستاذ جميل محمود متحدثا عن تأسيس هذه الأحدية التي جاءت بشكل أكثر وضوحا وجمالا وبملامح رفيعة الشأن .. أن ذلك كان في العام 1412 / 1992 ، وكانت قبل ذلك ملتقى عاديا في المنزل للاستـمـتاع بالفـن الرفيـع وكان تقريـبا كل أولئك هم جلساء وأعضاء هذا الملتقى أو المنتدى إلى جانب شاعرنا الجميل محمد طلعت رحمه الله قبل مسمى الأحدية .. على العموم كانت أهداف الأحدية هي اجتماع فنانينا أبناء مكة المكرمة ولتعويض عدم وجود فرع لجمعية الثقافة والفنون في مكة ، وأصبح يأتينا الكثير من الزملاء الفنانين في الطائف وجدة والمدينة المنورة ، ذاك لأنني لست صاحب اشتراطات معينة لزملائنا في المشاركة والحضور ، وأكتفي بأن يكون المشارك والحاضر على درجة مطلوبة من التهذيب وأن لا يتكلم في زميـل غائب بما لا يسر ، وأن لا يتحدث في السياسة ، ويمتلك أدب الإنصات للفن الذي يقدم أو أن يشارك إذا كان عازفا أو مغنيا.
مشاركة :