مع احتدام النزاع في أوكرانيا يشعر أهالي منطقة في شمال بولندا ستقام فيها قاعدة أميركية مضادة للصواريخ، بالقلق من أن يصبحوا أهدافا لروسيا في حال اتساع رقعة الحرب. وقال ريجارد كوياتكوفسكي النائب السابق لرئيس بلدية سلوبسك البالغ عدد سكانها قرابة 90 ألف نسمة "إذا اندلع نزاع مسلح خطير، فستوجه أول ضربة إلى درعنا". وتقول واشنطن إن القاعدة في قرية ريدجيكوفو المجاورة، التي ستصبح جاهزة هذا العام، تهدف إلى الدفاع عن دول الغرب من صواريخ باليستية قد تطلقها دول مثل إيران. غير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتقد المنشأة معتبرا أنها ليست محض دفاعية بل تستهدف روسيا. ويقول توماس غراهام، الذي شغل منصب كبير مديري شؤون روسيا في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال عهد الرئيس جورج دبليو بوش، إنَّ موسكو لم تصدق قط تأكيدات واشنطن بأنَّ نظام دفاعها الصاروخي يستهدف إيران، وليس روسيا. ويضيف غراهام "الأزمة الحالية هي في الحقيقة أوسع بكثير من أوكرانيا. صحيح أنَّ كييف هي نقطة ضغط، لكن المسألة تتعلق أكثر ببولندا ورومانيا ودول البلطيق. يعتقد الروس أنَّ الوقت قد حان لمراجعة تسوية ما بعد الحرب الباردة في أوروبا لصالحهم". والقواعد المماثلة لتلك التي ستقام في ريدجيكوفو هي في قلب المطالب الروسية من حلف شمال الأطلسي (ناتو) المتعلقة بسحب قوات من أوروبا الشرقية، الشيوعية سابقا. وقاعدة أميركية مشابهة واسمها الرسمي أيجيس أشور، تعمل بالفعل في رومانيا. وكان بوتين غاضبا من الصواريخ الأميركية بالقرب من الحدود الروسية، منذ دخلت القاعدة الرومانية حيز التشغيل في عام 2016. لكن القاعدة الأميركية في بولندا الواقعة بالقرب من قرية ريدجيكوفو، تبعد نحو 100 ميل (161 كيلومترا تقريبا) عن الأراضي الروسية وبالكاد 800 ميل (1287 كيلومترا) عن موسكو نفسها، قد تمثل سببا أكبر لغضبه. وتحتوي القاعدة، التي تقوم على نظام أيجيس المضاد للصواريخ الباليستية، على رادارات متطورة قادرة على تتبع الصواريخ المعادية وتوجيه الصواريخ الاعتراضية لإخراجها من السماء. وهي مجهزة أيضا بقاذفات صواريخ من طراز "أم كيه-41"، التي يخشى الروس من إمكانية إعادة استخدامها بسهولة لإطلاق صواريخ هجومية مثل توماهوك. وتعد بولندا من أبرز داعمي كييف ضد روسيا، وهي بمثابة مثل أعلى لأوكرانيا وزعيمة اللوبي الأوكراني في الغرب، الذي يطالب بضم كييف للاتحاد الأوروبي والناتو. وتعلم بولندا أنه إذ تمكنت موسكو من فعل ما تريد مع أوكرانيا فقد تتجه إليها، إذ يقول محللون إنه لا يمكن أن تكون هنالك بولندا حرة دون أوكرانيا حرة، ولا أوكرانيا حرة دون بولندا حرة. وكثيرا ما انتقد كوياتكوفسكي المنشأة منذ أن بدأت العمل في 2016. وهو أيضا من المشككين في أغراضها الدفاعية. وقال "ليست هناك منظومات هجومية أو دفاعية. جميع المنظومات العسكرية عدوانية". واعتبر أنه من "السذاجة" القول إن المنشأة تهدف إلى الدفاع ضد دول مثل إيران، محذرا من أن الصواريخ الموجودة في جيب كالينينغراد الروسي يمكنها بسهولة قصف ريدجيكوفو. ورأى أنه "منذ البداية كانت تهدف (إلى الدفاع) ضد روسيا. الآن ما عادوا يخبئون الأمر". واشتكى المسؤول المحلي السابق من تواجد القاعدة في مطار سابق يمكن أن تقام فيه منطقة صناعية، وقال "إن ذلك تسبب بإبعاد مستثمرين محتملين عن المنطقة". وبينما يشاركه بعض الأهالي هواجسه، أقر كوياتكوفسكي بأن تظاهرات محلية رافضة لوجود القاعدة لم تجذب أكثر من عشرات الأشخاص. لكن ذلك قد يتغير قريبا. وقال الصحافي وعالم الآثار توماش تشيتشيك "حتى فترة قريبة لم تكن لدي هواجس بشأن المنشأة، لكن الهجوم على أوكرانيا دليل على أنه لا يمكننا أن نكون واثقين من أي شيء". وأضاف "بوتين قال أكثر من مرة إن هذه القاعدة في بولندا، التي تبعد 230 كيلومترا فقط عن الحدود الروسية، لا ينبغي إقامتها (..) وإن الصواريخ التي يمكن أن تنقل إلى هنا ستكون هجومية أيضا". لكن إيفا تراب، المتقاعدة غير المهتمة بالسياسة، أكدت أنها تشعر بالارتياح لوجود قاعدة صواريخ أميركية في جوارها. وقالت "أشعر بأمان أكبر لمعرفتي أنها موجودة أكثر مما لو لم تكن". وأضافت "أنا شخص بسيط ومتواضع. لا أفكر بالمشكلات البعيدة. لهذا السبب أشعر بارتياح". وأعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس الخميس في وارسو، أن بريطانيا ستنشر أحدث منظوماتها للدفاع الجوي الصاروخي المتوسط المدى في بولندا. وستساعد منظومة "سكاي سايبر" البريطانية بولندا في الدفاع عن مجالها الجوي ضد أي هجمات روسية. وقال والاس بعد اجتماع مع نظيره البولندي ماريوس بلاشاك "تتضامن بريطانيا مع بولندا كحليف في الحلف الأطلسي وحليف قديم للغاية، خصوصا أنها تتحمل الكثير من أعباء تبعات هذه الحرب". وأضاف "سنقف إلى جانب بولندا ونحمي مجالها الجوي من أي عدوان روسي آخر". وبموجب اتفاق عسكري جديد مع بولندا، ستساعد بريطانيا وارسو في تطوير نفس منظومة الدفاع الصاروخي هذه. ولم تكشف بريطانيا عن موعد وفترة نشر المنظومة القادرة "على إصابة كرة تنس تطير بسرعة الصوت"، وفق والاس.
مشاركة :