يتسابق منتجو الأفلام نحو جمهورهم مسنودين بمؤسسات وشركات إنتاجية تنفق المليارات للفوز بعقول وقلوب المشاهدين. وحتى الساعة بقيت غامضة أسرار الصنعة التي تجعل فيلما ما ناجحا ويحقق أرباحا طائلة وفيلما آخر بالكاد يجد له موقعا في المنافسة، كما ظلت موضع جدل، يا ترى أين يكمن السر في التمويل والإنتاج الضخم أم في جودة التمثيل أم في جماليات التصوير أم غير ذلك؟ بالطبع كل تلك العوامل والأسباب من الممكن أن تلعب دورا في صعود الفيلم وتفوقه أو قل نجاحه المعقول، ولكن قبل كل هذا وقبل كل شيء هنالك ما يرد نجاح الفيلم وفريق الفيلم إلى جذب الجمهور، ومن هنا يكون منطلق الجذب والتأثير في عقول وقلوب المشاهدين. تلك بديهية تبدو بسيطة كان قد أشار إليها المخرج الكبير ألفريد هتشكوك عندما سئل عن عناصر النجاح في صناعة الفيلم، فقال إنها ثلاثة وهي السيناريو السيناريو السيناريو. في المقابل هنالك منتجو الفيلم ممن لا يقلقهم من إنتاج فيلم سوى التقنيات وكيفية الحصول على أقصى حد من جمالية الصورة، وهم بالتأكيد سوف يتوصلون عاجلا أم آجلا إلى قناعة راسخة أن الأمر لا يتعلق أبدا بالتقنيات وجماليات الصورة بل بالقدرة على اجتذاب الجمهور وأن تريه الصورة المليئة بالحياة وغزارة التفاصيل والمعلومات ما يكفي لكي يتفاعل مع الفيلم. هذه المرحلة الحاسمة في النجاح الفيلمي تنطلق أولا من المشاهد الأولى وهي المرحلة التي يقع فيها التعارف بين المشاهد والفيلم المعروض أمامه، وهنا يكمن الخلل المتكرر وخلاصته أن إهمال المشاهد وتركه يتابع حتى يتسرب إليه الملل ثم يترك الفيلم هو أول المشكلات في قتل تلك الجاذبية المتجددة للفيلم. المشاهد الأولى هي إحدى أهم العلامات الفارقة التي تحقق التفاعل الخلاق والمتجدد مع المشاهد وبينما يظهر لبعض كتاب السيناريو أن الأمر برمته يحتاج وقتا أطول ولهذا تتوالى المشاهد تباعا بينما المشاهد المسرع والمتثاقل من الإيقاع البطيء للفيلم يكون قد وصل إلى نقطة السأم مما يشاهد من رتابة وتكرار وإيقاع بطيء يبعث على الملل. مهما كان الموضوع عظيما ومهما كانت القصة السينمائية تحمل معلومات مهمة فإن كل ذلك ليس كافيا لاجتذاب الجمهور ما لم تكن المنطلقات الأولى صحيحة وما لم تكن المشاهد الأولى من القوة والبلاغة ما تجعل المشاهد متفاعلا مع الأحداث ومعلقا عليها. في المقابل تتباين أساليب المخرجين ومنهم من لا يعطي أهمية ولا اعتبارا لتلك المشاهد التعريفية بالغة الأهمية، والتي من خلالها سوف يتولى المخرج التعريف بالشخصية والمكان والزمان وانطلاق الأحداث ولربما الانطلاق من ذروة مهمة كمشاهد الحوادث والكوارث أو المواقف المصيرية، ثم يلي ذلك تحليل الظاهرة من جميع جوانبها. ولأن مساحة الجاذبية مفتوحة على شتى الاحتمالات لهذا يتفنن كتاب السيناريو في كيفية الانطلاق بالفيلم منذ المشاهد الأولى إلى اجتذاب الجمهور العريض وهي علامة مهمة من علامات الاحتراف ونقطة جوهرية في رسم المسار الفيلمي من خلال الخطوط السردية المتوالية. هذا الترابط الفكري والمعنوي والحسي والجمالي هو الذي يكرس له إنجاز الفيلم مساحة مهمة ومن خلال ذلك تظهر كفاءات المخرجين وكتاب السيناريو ولاحقا نستطيع أن نميز بين البارعين والمهرة في الاستجابة الواعية لمتطلبات الجمهور العريض وبين من يفتقرون إلى الموهبة الرصينة والقدرة الإبداعية. ولنمض مع مجمل هذه الجوانب والمعطيات المهمة التي نريد من خلالها الوصول إلى تلك القاعدة الذهبية المرتبطة بالقدرة على اجتذاب الجمهور والرد على الباحثين عن وصفة سحرية، والجواب حقيقة أنه لا توجد وصفة سحرية وإنما هنالك مساحة التجربة والخطأ والتعلم من الأخطاء فضلا عن مراقبة التجارب الرصينة عن كثب.
مشاركة :