ماذا لو جفّت شجرة المتة المشروب المفضل للاتينيين

  • 3/20/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تمثل المتة مشروبا وطنيا في بلدان عدة في أميركا الجنوبية وانتشرت أيضا في بلدان عربية مثل سوريا ولبنان، لكنّ النبتة تواجه في الأرجنتين خطرا كبيرا جراء الجفاف الذي يدمّر المزروعات في شمال البلاد، رغم تسجيل معدلات قياسية في الإنتاج والاستهلاك. وفي هذه الفترة من السنة من المفترض أن تكون حقول الشجيرات الضخمة خضراء، لكنّها تظهر بنّية على مد البصر في ظل عدد محدود لا يزال أخضر. وتتكسّر الجذوع اليابسة بسهولة بين الأصابع. ويقول المهندس الزراعي ألبرتو مولر أثناء المشي بين الشجيرات المزروعة في كولونيا ليبيغ على بعد 940 كيلومترا عن بوينس آيرس، إنّ الشجيرات “احترقت كما لو أنّها وُضعت في الفرن”. وعادة ما تكون المنطقة ذات التربة الغنية بالحديد والمناخ شبه الاستوائي والتي لا تشهد مواسم جفاف مثالية في هذه الفترة من السنة لزرع نبتة البهشية البراغوانية المُستخدمة في إنتاج مشروب المتة التقليدي المنعش الذي يحوي مواد مضادة للأكسدة، ويعود أصله إلى شعوب غواراني. المتة انتقلت إلى لبنان وسوريا عن طريق المهاجرين الذين غادروا منذ القرن التاسع عشر إلى أميركا الجنوبية ولم تشهد مقاطعة كورينتس أمطارا منذ ثلاثة أشهر، في أسوأ موجة جفاف تتعرض لها المنطقة منذ أكثر من سبعين عاماً، وهو ما “فاقمته الحرارة التي وصلت إلى 45 درجة مئوية مسجلةً بالتالي 4 أو 5 درجات فوق المعدلات الطبيعية”، بحسب مولر. ويقول نائب رئيس تعاونية ليبيغ الزراعية أورلاندو ستفاس إنّ “النباتات ذبلت بالكامل، ومات ستون في المئة منها، ما يمثّل خسائر بملايين من الدولارات”، مضيفا أنّ “الوضع يزداد سوءا (…) ويمثّل كارثة كبيرة”. وتشكّل ندرة النباتات كارثة اجتماعية على مستوى كولونيا ليبيغ (تضم نحو أربعة آلاف نسمة) التي تتباهى في العادة بمعدلات البطالة المعدومة، إذ يعمل ألف شخص في إنتاج المتة، من دون احتساب وظائف غير مباشرة يوفّرها القطاع. وتكمن المفارقة في أنّ النبتة المستخدمة في تصنيع المتة والتي تمثل الأرجنتين ثاني أكبر منتج لها في العالم بعد البرازيل والمصدّر الرئيسي لها خصوصاً إلى تشيلي والصين وسوريا ولبنان وإسبانيا، تخرج من سنة حقق فيها الإنتاج أرقاما قياسية. وفي الوطن العربي يستهلك العديد من سكان جبل لبنان مشروب المتة، كما يشربه سكان المناطق الساحلية والسويداء وقرى ريف حماة والقلمون بشكلٍ كبير، وتُعتبر سوريا المستورد الأول لهذا المشروب حول العالم، حيث تستورد سنويا حوالي 15 ألف طن من المتة. ندرة النباتات تشكّل كارثة اجتماعية على مستوى كولونيا ليبيغ التي تتباهى في العادة بمعدلات البطالة المعدومة، إذ يعمل ألف شخص في إنتاج المتة ويأمل ستفاس أن “تخفف” المكاسب المحققة عام 2021 “التدهور” المؤكد تسجيله في القطاع. وتشير التقديرات الأولية إلى أنّ الخسائر ستمثّل نحو أربعة مليارات بيزو (36 مليون دولار)، فضلاً عن صعوبات ستواجهها زراعة النبتة من جديد لأنّ الجفاف يحدث أضرارا بمخزون البذور كذلك. ولكي تثمر الشجيرة بشكل كامل يحتاج الأمر إلى حوالي ست إلى ثماني سنوات. ورغم ذلك، لن يتأثر المستهلكون بكميات المحاصيل المنخفضة المسجلة حاليا قبل عام 2023، إذ يستغرق إنتاج المتة عشرة أشهر يتخللها حصاد وتجفيف وتحميص وتعبئة. لكنّ بعض الأشخاص يفكرون مسبقا في تأثير انخفاض المحاصيل على الأسعار، إذ يمثّل ارتفاع سعر المتة إضافة إلى التضخم المتسارع مشكلة كبيرة جداً. ويقول أوغستان ليتوين، وهو طالب يعيش في بوينس آيرس “إذا لزم الأمر سأخزن عشرة كيلوغرامات!”، معبّرا عن قلقه من نقص قد يطال النبتة التي تمثّل “مشروبا يوميا” له يحتسيه “خلال الفطور وعند تناول الوجبات الخفيفة وبعد العشاء أثناء مشاهدة أحد المسلسلات”. ويقول “إنّ تمضية يوم من دون شرب المتة أمر مستحيل!”. وتبرز أهمية المتة في بلدان أميركا الجنوبية من خلال معرفة أسطورتها، فبحسب أساطير شعب الغواراني القديمة قامت في إحدى المرات إلهتا القمر والغيوم بزيارة الأرض، لكن حيوان فهد قام بمهاجمتهما وكاد يتسبب بموتهما لولا أنّ رجلا عجوزا قام بإنقاذهما، وتعبيرا عن امتنانهما قدمت الإلهتان نبتة المتة لهذا الرجل ودعتاها بمشروب الصداقة. وبالطبع، تبقى هذه القصة مجرد أسطورة محلية، إلا أنّ هذا المشروب ما زال يعبر عن الصداقة في العديد من بلدان أميركا الجنوبية حيث يجتمع الأصدقاء لشربه وقضاء الوقت سويةً.

مشاركة :