عالم شديد القساوة

  • 3/2/2022
  • 19:18
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كشف الغزو الروسي لأوكرانيا الوجه البشع شديد القساوة لسياسات القوة لهذا العالم المحكوم بمنطق القوة التي لا يتورع صناع القرار الأقوياء عن استخدامها من أجل حماية مصالحه، وإذلال الطرف الآخر. هذه السياسة الميكافيلية والبراغماتية أصبحت لا أخلاقية إلى الدرجة التي تهدد فيها سلام هذا العالم. بدأت اللعبة عندما أحس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الولايات المتحدة وحلف النيتو أصبحوا يلعبون في حديقة روسيا الخلفية، ويهددون أمنها بعدما أعلن الرئيس الأوكراني نيته لامتلاك السلاح النووي، والانضمام إلى حلف النيتو. لقد أصبحت اللعبة واضحة، ولكنها منفلتة، ومن دون قوانين. مع نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 قيل يومها إنها ستكون آخر الحروب، لكن هذه المقولة لم تتحقق؛ لأننا شهدنا طوال السبعة والسبعين عامًا الماضية عشرات الحروب المحلية والإقليمية البعيدة عن الساحة الأوروبية.. لكن هذه الساحة شهدت حربًا ضارية، وإن كانت بدون مدافع، بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. انتهت هذه الحرب في عام 1991 مع تفكك المعسكر الشيوعي بعدما طرح الرئيس السابق ميخائيل غورباتشوف سياسة البيروسترويكا والغلاسنوت (الشفافية والانفتاح) فأغدق عليه الغرب الجوائز، وكال له المديح، وانتهى به المطاف ليموت وحيدًا. لكن المعسكر الغربي لم يوقف حروبه السياسية والاقتصادية ضد روسيا، وريثة المعسكر الشيوعي؛ لهذا فإن الحرب الباردة ظلت متواصلة على الرغم من تخلي روسيا عن الفكر الشيوعي وانخراطها في النظام العالمي الرأسمالي و"الديمقراطي".. إلا أن من الواضح أن المعسكر الرأسمالي الغربي لا يقبل بمبدأ المنافسة الحر؛ لأنه يصر على احتكار السوق، وعندما يواجه منافسًا قويًّا فإنه يسعى إلى تحطيمه وإبعاده عن الساحة بكل السبل الممكنة. لقد جاءت هذه الأزمة في أعقاب خروج الولايات المتحدة المذل من أفغانستان؛ إذ ورَّطت الإدارة الأمريكية الاتحاد السوفييتي ليغرق فيه، لكنها وقعت هي الأخرى فيه بعد غزوها أفغانستان. من الواضح في الأزمة الحالية هو أن الاتحاد الأوروبي وحلف النيتو يخضعان للضغط والإملاءات من الولايات المتحدة التي درجت منذ الحرب العالمية الثانية على خوض حروبها على أرض الآخرين، وبعيدًا عن الأراضي الأمريكية، بعدما جلبها إليها رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، الصوت النشاز والمخرب الأكبر في أوروبا. لهذا جاء هذا التضامن الأوروبي، والتسابق في تزويد أوكرانيا بالأسلحة المميتة، وفرض العقوبات الخانقة على روسيا. إن إحدى المفارقات في هذه الأزمة هو أن آلة الإعلام والبروباغندا الأمريكية والغربية تركز على النتائج التي وصلت إليها الأزمة، وليس على الأسباب التي أدت إليها. تمامًا مثلما فعلوا في ترويج الأكاذيب عن أسلحة الدمار العراقية؛ ليبرروا غزو هذا البلد العربي، وتفكيكه، وتسليمه لإيران وميليشيات الطوائف.. إلا أن الجانب غير الأخلاقي في هذه اللعبة هو استخدام أوكرانيا كمخلب قط لتنفيذ السياسات الأوروبية والأمريكية في محاصرة روسيا، وهي باعتقاد المعسكر الغربي يسهل كسرها على عكس الصين التي تبدو صامدة في وجه الحرب الاقتصادية الأمريكية. لو كانت الحكومات الأوروبية صادقة في حرصها على مصلحة أوكرانيا لكانت عملت على ضمها إلى الاتحاد الأوروبي بدلاً من ضمها إلى حلف عسكري.. وربما تكون تركيا مثالاً على ذلك؛ فهي على الرغم من عضويتها في حلف النيتو إلا أنها لم تستطع حتى الآن دخول جنة السوق الأوروبية المشتركة. ولو كانت هذه الدول صادقة في معارضة البرنامج النووي الإيراني لأعلنت أنها تعارض امتلاك أوكرانيا السلاح النووي؛ فلو كانت صادقة في هذا المسعى لكانت خنقت إيران، وضيقت الحصار الاقتصادي والعسكري عليها لوقف دورها التخريبي في المنطقة، وتهديد أمنها واستقرارها. والاعتقاد هو أن هذه الدول ليست جادة في التعامل مع إيران، ومنها منعها من امتلاك السلاح النووي، إن لم تكن قد امتلكته فعلاً. إنَّ وجه الشبه الآخر في أزمة أوكرانيا هو أن الدول الغربية استخدمت أوكرانيا الموجودة في الخاصرة الجنوبية لروسيا مثلما استخدم النظام الطائفي الإيراني عصابات الحوثيين لتهديد الخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية. اللافت في هذه الأزمة هو غياب الإرادة السياسية لدى القيادة الأوكرانية، وقصر نظرها في قراءة الواقع. هذا إن لم تكن متعمدة ومستعدة للمشاركة في هذه اللعبة؛ فمن الواضح أن الرئيس الأوكراني فولاديمير زيلينسكي، المتحالف مع إسرائيل؛ إذ يُقال إنه يهودي الديانة، كان طالبًا فاشلاً في دراسة تجربة بشار الأسد الذي لم يقرأ التاريخ ولا الجغرافيا، ولا لعبة المصالح؛ فسلَّم "لحيته" لإيران وروسيا؛ ما أدى إلى تدمير سوريا، وتشريد أكثر من خمسة ملايين من الشعب السوري. والمضحك في المواقف الغربية هو هذا التباكي على حقوق الإنسان واستقلال الدول، وهي التي كانت -ولا تزال- شاهدة على الفظاعات التي يعانيها الشعب السوري على يد نظام الأسد، ولم تستقبله على أراضيها كما تفعل مع الأوكرانيين حاليًا، والشعب الفلسطيني بسبب سياسات الاحتلال الصهيوني المدعوم من هذه الدول المنافقة، والشعب اليمني المحكوم بالموت بسبب حرب الحوثيين بالوكالة نيابة عن إيران. هذا هو العالم الذي نعيشه اليوم.. عالم يريدونه أن يطير بجناح واحد.. عالم مليء بالنفاق والكذب، والتغول، والتضليل، والابتزاز، وصراع المصالح والأجندات السياسية، ولفت الأنظار عن النوايا الخفية.. عالم لا مكان فيه للضعفاء ومسلوبي الإرادة.

مشاركة :