في إطار سلسلة اصدارات أدبية يشرف على اصدارها الأديب مشعل العبادي صدر مؤخرا عن دار الخيال للنشر والتوزيع مجموعة شعرية بعنوان الملح يلفظ ليله للشاعرة الجزائرية أسماء رمرام . هذه الشاعرة لها :”في القصيدة مشي أنيق يمدّ سناهْ.”•1 والمشي هو السيرة والمسيرة والأثر .الأثر الذي تتركه شاعرة تدعو للحب للحياة وتنطق عنهما شعرا وسحرا مُغنّى . أما الأناقة فهي المبنى الذي يتثنى بالمجاز والرمز فيتجلى بعد إبهام وغموض وتتبدى صوره الشعرية كالصحو بعد غيم ،وهي التي تقول (أنا في المجاز أرطّب صوتي فينشق نايٌ وينمو نخيلُ) تضعنا :في مواجهة مع ثنائيات واقطاب ،تنافر وتقارب ، الصمت والبوح، العشق والرغبة …وتحثنا على البحث عن جهة خامسة بوصلتها ثابتة لا تتغير وعن أرض يتقيأ ملحها ليله متخليا عن سواده الكامن و شوائبه.لكن أين هذه الجهة الخامسة واي الطرق تؤدي إليها ؟ السؤال جوابه لدى من انتطقت القصيدة ومن اضاءت حيرتها دروب الشعر فكان الديوان (الملح يلفظ ليله ) حجة وبرهان الشاعرة أسماء رمرام على أن الحب هو الوجهة الخامسة لمن لم يهنأ بالجهات الأربع الباقيات .الجهة التي تمثل الملاذ الآمن للإنسان الكوني الذي وان بدى مختلفا فإن جوهره لا تعيقه الاختلافات ولا تحجبه حدود قد توضع كحواجز تمنع انسانيته عن الإنطلاق والعيش كما ينبغي لها ان تحيا في عوالم من الحب الكوني .ويبدو ان الشاعرة أسماء رمرام في ديوانها هذا قد أرست قواعدها الثابتة على رُبى تلك العوالم وبدأت تخبرنا عنها في نصوصها فجذبت قارئها الى مجرتها المشفرة وحرضته على كشف اسرارها في متعة المتلهف للامتلاء الدائم ذاك الامتلاء الذي تحسنه وتبلغه الروح فقط وتنثره حولها فيختفي كل ماهو مادي وان وجد بمسمياته . إن النص المختلف الناجح كما اسلفنا هو الذي يترك في قارئه أثرا لا ينتهي بالانتهاء منه وانما يحلو الرجوع إليه واعادة قراءته للحفاظ على منسوب المتعة بالنفس أو استرجاعها ،وقد كتبت أسماء رمرام نصها وهي شديدة الوعي بذلك خاصة وان ديوانها (الملح يلفظ ليله) هو الثالث أي انه كتب في مرحلة نضج اسلوبي ومعرفي للشاعرة وقد كان جليا جنوحها المقصود الى التحديث بأسلوب ذكي، يقوم في بعض النصوص على مزج تفعيلات البحور ودوائرها في العروض مزجا في حالة وزنية غير عروضية يصنع ايقاعا جديدا لاتنفر منه الذائقة المدربة على البحور ونسقيتها ولكنه يفجر القيود الصارمة التي تلزمه بعددٍ تواترا وتتاليا. وفي هذا المزج في قصيدة “الملح يلفظ ليله”مثلا يميل الى المتقارب ووزنه (فعولن فعولن فعولن فعو((ل)(ن)) وهو مزج فني بين قديم مألوف وجديد يسعى الى توطيد أركانه دون ان يهدم المعبد بكامله فيبنى النص على قاعدة الاوزان القديمة وبنية ايقاعها حديث. أما نصها “جروح الروي “فيبرز قلق الايقاع العروضي (الوزن) تشده القافية (الروي) كأن النص بني اصلا على رويه (الياء مع الفتحة الطويلة عادة فهي لازمة الايقاع يعود اليها النص ليشد اركانه لفظا ومعنى وايقاعا فالإيقاع في تكراره وتردده على مسافات مختلفة ومعنى بالعودة الى المتكلم عادة (اليّ عليّ شفتيّا ..) . وتعود بنا اسماء رمرام الى رقصة الروح والتثني في نصها “تعال “الذي يترك الأوزان بقيودها باحثا عن خفة الايقاع الداخلي النفسي بعيدا عن ايقاعات النص الظاهرة وان كانت تلوح في بعض الارتكاز على روي يتردد بين حين واخر (النعال / الخيال السؤال الرمال) نصها هذا يقف بين شعر التفعيلة (بدايات الشعر الحر) وقصيدة النثر،مما يجعل القارئ يعيش الحالة التي تشعره بها الشاعرة في كثير من الدهشة والوعي . هذه المحرضة على الحب هي شاعرة لها من الكلمات الغائرات ما يكشف أسرار رقصة الروح وان قالت في نصوصها غزلا فلا اظنها تسقط في ما يعنيه ظاهر معنى الكلمة بل المؤكد انها تستخدم هذا الغرض فيما هو أسمى وأكثر علوا.ولنا في نص “اشواق الريق”مثال فهذا النص، نص من بحر الكامل وقافيته الكاف وتفعيلات الكامل هي متفاعلن متفاعلن متفاعلُ(ن) وهو مكتمل كمالا شعريا من جهة وزنه وايقاعه المتناسق مع المضمون فيه معاني الغزل وتعبير عن الحب بعواطفه المتاججة وبوح بالشوق الحارق القاتل وفيه معنى التعطش للوصل (القبلة : من اي نهر ترتوي شفتاك) وبين حروفه التعبير المباشر عن الشوق وخوف البعد والتحول الى حب جديد( قل لي بربك هل تعود لوصلها ، ام في الغياب تغيرت عيناك) بهذا البيت حرارة الشوق ومرارة الحيرة وقلق البعد وضنى الهجر مع رغبة شديدة في الوصل واللقاء فالعاشقة تتلظى على نار الحيرة ونار الشوق وينكشف هذا المضمون في صيغ… 63
مشاركة :