قال الرئيس التونسي قيس سعيّد الاثنين إنه سيتم إشراك الجميع في إبداء آرائهم ومواقفهم بالنسبة إلى النظام السياسي الجديد، قبل أن تبدأ لجنة صياغة التوجهات العامة للإصلاحات الدستورية. وتأتي هذه الخطوة في وقت تراهن تونس على إرساء نظام سياسي وقانون انتخابي يقطع مع العشرية الماضية، والتي أفرزت مشهدا برلمانيا وسياسيا منقسما غذته الصراعات والتجاذبات. وتعتبر عملية إشراك التونسيين في اختيار النظام السياسي بادرة أولى من نوعها تمكنهم من التعبير عن آرائهم بكل حرية، بعيدا عن الأحزاب السياسية، وخاصة حركة النهضة الإسلامية التي ما فتئت تصرّ على موقفها القاضي بضرورة الإبقاء على النظام الحالي شبه البرلماني. وقال سعيّد في كلمة بثها التلفزيون التونسي الاثنين بمناسبة إحياء الذكرى السادسة والستين لعيد الاستقلال، إنه سيمضي في خطته المبدئية لإجراء استفتاء بشأن التعديلات الدستورية في الخامس والعشرين من يوليو المقبل. وأضاف "بعد هذا الحوار المباشر مع الشعب.. سيتواصل العمل لاستفتاء في يوليو، بعد أن يتم تشريك الجميع في إبداء آرائهم واقتراحاتهم للنظام السياسي الجديد". وجاءت تصريحاته في ختام مهلة نهائية للتشاور عبر الإنترنت بدأت قبل شهرين، لتحديد وجهات نظر التونسيين حول القضايا السياسية والاقتصادية. وقال سعيّد إن الاستشارة الوطنية، التي تم إطلاقها في منتصف يناير الماضي هي "أوّل حلقة في الحوار الوطني"، وأكّد أنّها "استشارة ناجحة رغم جميع محاولات الإحباط والعقبات التي وضعت أمام الشعب لثنيه عن التعبير عن إرادته". ولاحظ الرئيس التونسي أن عدد المشاركين في الاستشارة فاق نصف مليون مشارك، وهو ما يقتضي توجيه الشكر إلى من ساهم في إنجاحها وفي مقدمتهم الشباب، معتبرا أن "جهدا غير مسبوق" تمّ بذله بخصوص الاستشارة، إلا أنّه "قوبل بالتحقير من قبل البعض". ورفضت العديد من القوى المعارضة، وعلى رأسها حركة النهضة الإسلامية، الاستشارة الإلكترونية، ودعت إلى مقاطعتها بحجة أنها مواصلة للانحراف بالسلطة وتركيز للحكم الفردي الاستبدادي وضرب لآليات العمل الديمقراطي. ولم يذكر سعيّد كيف يمكن للناس إبداء آرائهم في النظام الجديد، على الرغم من أن الأطراف الرئيسية، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل القوي، تشعر بأن السبيل الوحيد للمضي قدما هو من خلال الحوار الوطني حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية. ويرجح مراقبون أن يكون الاستفتاء مباشرا مع المواطنين، نظرا لرفض سعيّد إجراء محادثات مع القوى السياسية، حيث سبق أن صرّح بأنه لن يقبل بإجراء حوار عقيم مع "الفاسدين والخونة". وأوضح أن "بعد الاستفتاء، ستقوم لجنة بصياغة نتائج الاستفتاء في نص قانوني يحفظ الحقوق والحريات، وسيقول الشعب كلمته عند تنظيم الانتخابات في السابع عشر من ديسمبر المقبل". وقال أيضا "نسعى من أجل تونس جديدة وجمهورية جديدة، ولا شك أن الشعب التونسي بدأ يشق طريقه بكل ثبات نحوها". وفي الخامس والعشرين من يوليو العام الماضي، قرر الرئيس التونسي تجميد أعمال البرلمان وإقالة الحكومة وإصدار مراسيم تشريعية، لإنهاء أزمة النظام السياسي التي عطلت عمل الحكومة بسبب خلافات الأحزاب. وقبل إعلانه عن الاستفتاء الشعبي، أعلن الرئيس التونسي مساء الأحد عن مجموعة من المراسيم الرئاسية التي اعتبرها "خطوات تاريخية لاستعادة كرامة التونسيين" وإنقاذ ما تم إفساده خلال السنوات الماضية. وأصدر الرئيس سعيّد مرسوما يتعلق بـ"الصلح الجزائي لاستعادة الأموال التي تم نهبها خلال الأنظمة الماضية"، قائلا "ستتم إعادة الأموال التي تم نهبها وتوزيعها في شكل استثمارات في المحافظات التونسية الأكثر فقرا". كما أصدر سعيّد مرسوما يتعلق باستحداث شركات أهلية (مؤسسات تضامنية) "حتى يتمكن أبناء الشعب التونسي من تأسيس مشاريع في كل المحافظات، ويكون الشباب مصدرا للثروة بعد أن ثار على مقدراته وثرواته". إضافة إلى ما سبق، أصدر الرئيس التونسي مرسوما يتعلق بـ"تجريم المضاربة وتحميل المسؤولية القانونية لكل من احتكر المواد الأساسية والغذائية للشعب التونسي". وقال سعيّد في كلمته "نريد أن نصنع جمهورية جديدة تقوم على الحرية والعدل.. نحن نعمل آناء الليل وأطراف النهار لوضع النصوص القانونية التي تعبّر عن إرادة الشعب وتضع حدا للعبث الذي طال البلاد"، في إشارة إلى حكم حركة النهضة الإسلامية. وأحيا التونسيون الأحد الذكرى السادسة والستين للاستقلال، إحدى المحطات الهامة في تاريخ بناء تونس الحديثة، لما جسدته من انتصار للشعب التونسي في معركة نضال دامت عقودا عديدة ضد الاستعمار الفرنسي، والتي امتدت من سنة 1881 إلى عام 1956. ويمثّل تاريخ العشرين من مارس 1956 منعطفا مفصليا في تاريخ بناء الدولة الوطنية الحديثة، حيث يبقى يوما رمزا في تاريخ التونسيين وذاكرتهم، لما تم تحقيقه من مكاسب في مختلف المجالات في دولة الاستقلال. وبمناسبة عيد الاستقلال، كان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد قرر منح 1513 محكوما عليهم عفوا خاصا، مما يفضي إلى إطلاق سراح 640 سجينا منهم. وجاء هذا القرار على إثر اجتماع قيس سعيّد مساء السبت في قصر قرطاج بوزيرة العدل ليلى جفّال، وكذلك بأعضاء لجنة العفو الخاص، وفق ما جاء في بيان للرئاسة. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :