لا تزال مساعي دفع روسيا على التراجع عن غزوها لأوكرانيا تُراوح مكانها رغم تزاحم المبادرات والوساطات التي من بينها تلك التي عرضتها إسرائيل، لكن يبدو أن تل أبيب ستكون من أكبر المستفيدين من استمرار المعارك بين الروس والأوكرانيين رغم الحسابات المعقدة التي تواجهها في علاقة بتحالفاتها. ولم تنجح جهود نزع فتيل الأزمة الأوكرانية في تحقيق أهدافها لاعتبارات عدة يبقى أبرزها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورغم تباطؤ العملية العسكرية التي أطلقها، لا يزال يُغلق الباب عمليا أمام أي جهود وساطة، سواء لإسرائيل أو غيرها من دول العالم الأخرى، بما في ذلك الدول الأوروبية الكبرى وتركيا، وإصراره على تحويل أي اتصالات مع هذه الدول، مهما كان مستواها، إلى مجرد وسيلة للتأكيد على شروطه لإنهاء الحرب، وليس مجالا لتقديم التنازلات. ومنذ اندلاع الأزمة بإطلاق بوتين الهجوم حرص المسؤولون الإسرائيليون على التواصل مع روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة في محاولة لتحقيق بعض الأهداف رغم أن ذلك ينطوي على مخاطر أيضا باعتبار أن تل أبيب ليس لديها استعداد لإغضاب واشنطن ولا التخلي عن موسكو كذلك. سعيد عكاشة: جذب الحرب للاهتمام سيمنع الفلسطينيين من تفجير الوضع الموازنة بين الأطراف وضع الهجوم الروسي على أوكرانيا عدة دول أمام وضع معقد؛ فإما الانحياز لكييف ومن خلفها العواصم الغربية وفي مقدمتها واشنطن وخسارة موسكو أو تأييد خطوة الأخيرة وإغضاب الولايات المتحدة وحلفائها، وإسرائيل ليست استثناء في هذا الصدد حيث باتت تواجه حسابات تعكس مخاطر عالية على شبكة تحالفاتها وأنشطتها الإقليمية بما يرتبط بأمنها ومصالحها. وقال الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية سعيد عكاشة إن “علاقات إسرائيل مع أوكرانيا لا تمثل أهمية تضاهي علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة، لذا كان من المنطقي أن تسعى السياسة الإسرائيلية منذ بداية الأزمة الأوكرانية، والتي بدأت في عام 2014 بعد قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، للحفاظ على التوازن في العلاقات مع موسكو وواشنطن وحلفائها في ما يخص تلك الأزمة”. وأضاف عكاشة أن “إسرائيل تُدرك أن الانحياز إلى أي من الجانبين، الأميركي أو الروسي، بسبب الحرب الأوكرانية الحالية، سيكلفها الكثير، فإذا ما اختارت تل أبيب الانحياز لموقف الولايات المتحدة لتجنب خسارة أهم حليف استراتيجي لها، فإنه بوسع روسيا أن تواصل تطوير علاقاتها مع إيران اقتصاديا وعسكريا. ومع الأنباء التي تتردد عن قرب توقيع اتفاق عودة واشنطن للاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه في عام 2018، تخشى إسرائيل، الرافضة للاتفاق القديم والآخر المزمع توقيعه، أن تترجم موسكو غضبها من الموقف الإسرائيلي المُنحاز لواشنطن في الحرب الأوكرانية إلى المزيد من التعاون بين روسيا وإيران في مجال الطاقة النووية، بما يقرب الأخيرة من هدفها لصناعة أسلحة نووية؛ ترى إسرائيل أنها ستكون أكبر تهديد لأمنها بل لوجودها نفسه”. والحسابات مرتبطة أيضا بالحرية التي منحتها روسيا لإسرائيل في التعامل مع الوجود الإيراني في سوريا ما يجعل هذا المعطى ورقة بيد موسكو في التعامل مع أي انحياز إسرائيلي محتمل للولايات المتحدة في الحرب التي تدور رحاها في أوكرانيا. ففي الرابع والعشرين من يناير 2022 أعلنت روسيا عن البدء في تسيير دوريات مشتركة جوية مع سلاح الجو السوري بالقرب من هضبة الجولان السورية التي ضمتها إسرائيل إليها، وأكدت أن هذه الدوريات ستتحول إلى نشاط دائم مستقبلا. وقال عكاشة في تقرير لمركز المستقبل إن “هذا يعني أن الحرية التي تمتع بها سلاح الجو الإسرائيلي في مهاجمة أهداف لإيران ولحزب الله اللبناني في سوريا، والتي مكّنت إسرائيل من شن 27 هجوما من هذا النوع في العام الماضي وحده، من دون أن تعترضه الدفاعات الروسية في سوريا؛ هذه الحرية يمكن أن تنتهي إذا واصلت تل أبيب إدانتها للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، مثلما قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد في الرابع والعشرين من فبراير الماضي إن ‘الهجوم الروسي على أوكرانيا انتهاك خطير للنظام الدولي، وإسرائيل تدين الهجوم، وهى مستعدة لتقديم المساعدة الإنسانية لمواطني أوكرانيا"”. استغلال الحرب Thumbnail رغم المخاطر الناجمة عن أي موقف من إسرائيل تجاه الحرب في أوكرانيا سواء بإدانة روسيا أو مهادنتها، إلا أن ذلك لا يخفي أن استمرار المعارك سيصب في مصالحها بعد ضبط استراتيجية وتوزيع الأدوار بين قادتها للتعامل مع المتغيرات الجديدة. وستستفيد إسرائيل داخليا من خلال الحيلولة دون مواجهة جديدة مع الفلسطينيين بدأت بوادرها تلوح قبل انطلاق الهجوم الروسي على أوكرانيا، وخارجيا من خلال تقويض الجهود التي تقودها منظمات دولية وغير حكومية للتشهير بممارسات الحكومة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين. وقال عكاشة إن ”الحرب الأوكرانية التي جذبت اهتمام العالم بأسره، ستمنع الفلسطينيين، وتحديدا حركتي حماس والجهاد الإسلامي، من التفكير في تفجير الأوضاع القائمة والمُستندة إلى تهدئة هشة بين الجانبين منذ أغسطس الماضي”. على الرغم من أن الطائفة اليهودية – الأوكرانية لا تزيد على 40 ألف مواطن، فإن الهجرة الجماعية لهذه الطائفة سوف تنعش عمل الوكالة اليهودية، والجماعات الاستيطانية في إسرائيل وكانت تقارير إسرائيلية قد حذرت قبل الحرب الأوكرانية من إمكانية نشوب حرب بين إسرائيل وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، على خلفية التوتر المستمر بين عرب الداخل الإسرائيلي وسكان القدس الشرقية من جانب، وقوات الأمن الإسرائيلية من جانب آخر. ويبدو أن الفلسطينيين لن يجرأوا على المغامرة بالتصعيد مع إسرائيل، لأن استمرار الحرب الأوكرانية سيقلص تماما اهتمام العالم بأي نزاعات صغيرة قد تنفجر في هذه الفترة، ما يمنح تل أبيب الفرصة للرد على أي تصعيد بشكل غير مسبوق من دون الخشية من أي إدانات دولية قوية ومؤثرة كما كان يحدث في الماضي. وشدد عكاشة على أن “المحاولات الجارية من جانب بعض المنظمات غير الحكومية الدولية لعزل إسرائيل في ظل ممارساتها ضد الفلسطينيين، قد تفشل، بعد أن تتحول الأنظار إلى المأساة الأوكرانية الحالية. إذ سيتركز التناول الإعلامي في الغرب لسنوات على أزمة الدمار ومأساة الملايين من اللاجئين الأوكرانيين بعد انتهاء الحرب الحالية. وستحاول إسرائيل أيضا الترويج لدورها في تقديم المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، لتحسين صورتها أمام العالم”. كما أن استمرار الحرب سيجعل المزيد من اليهود يفكرون في الهجرة إلى إسرائيل. وعلى الرغم من أن الطائفة اليهودية – الأوكرانية لا تزيد على 40 ألف مواطن، فإن الهجرة الجماعية لهذه الطائفة إلى إسرائيل سوف تنعش عمل الوكالة اليهودية، والجماعات الاستيطانية في إسرائيل، خاصة أن الهجرة قد لا تقتصر على هذه الطائفة وحدها، بل يمكن أن تفكر طوائف أخرى كبيرة في بعض دول أوروبا القريبة من أوكرانيا في الهجرة أيضا، بحسب عكاشة.
مشاركة :